منذ وفاة أبو القاسم الشابي والأقلام لم تتوقف عن الكتابة عنه متناولة بالدراسة كل جوانب ابداعاته واصفة محللة ناقدة ومستخلصة. وقد ساهم جل النقاد العرب في الكتابة عنه، من بينهم نذكر أبا القاسم محمد كرو وعمر فروخ وخليفة محمد التليسي وصالح الخرفي وعبد الكريم غلاب وعيسى الناعوري وتوفيق بكار ومحمد الحليوي وسلمى الخضراء الجيوسي واحسان عباس وإيليا الحاوي وجابر عصفور ورابح لطفي جمعة وغيرهم... وكان هدف هؤلاء هو التعريف بهذا الشاعر مشرقا ومغربا. وبعد هذا الجيل من النقاد الكبار تغيرت اغلب اهداف النقد وتحولت الى غايات شخصية همها تعريف النقاد بأنفسهم موظفين اسم هذا الشاعر لغاية هي أبعد ما تكون عن روح النقد الموضوعي النزيه. كما تغيرت الأمسيات الشعرية التي كانت تقتصر على كبار الشعراء من التونسيين والعرب وفي مقدمتهم فحول شعراء الجريد، وتحولت في مجملها الى ولائم يقوم المكلفون باختيار أسماء اصحابهم لدعوتهم. كما وقع في فعاليات الاحتفاء بمئوية الشابي التي نظمت يوم 24 فيفري 2009 بتوزر مسقط رأسه والتي أقصي منها شعراء الجهة المقيمين الذين أبدعوا قصائد غراء تشيد بنبوغه في اكثر من احتفاء. وجاء المحظوظون لكن اغلب قصائدهم كانت لا تشير الى الشاعر العملاق المحتفى به لا من قريب ولا من بعيد، ولا تتناسب مع مئوية كلفت الدولة الجهد والاموال الطائلة. كما ان جل القصائد قديمة قد ألقيت في عشرات التظاهرات الثقافية. فما ضرّ لو كتب المدعوّون قصائد ترتبط بالحدث وتليق بمقام صاحب «أغاني الحياة» كما كان الامر في السابق، وما ضرّ لو تم اختيار خيرة شعراء الجريد ليشاركوا بدورهم في الاحتفاء بمئوية ميلاد شاعر كل العرب، وما ضرّ لو نزل الشاعر الكبير محي الدين خريف على هذه التظاهرة مبجّلا ومكرما. ولأن هذه المئوية تظاهرة وطنية كنا نتوقع ان كل ولاية تمثل بشاعر او بشاعرة، لكن التمثيل كان غير متوازن: فجل الولايات حرمت في حين مثلت ولاية بأكثر من شاعر... ومن الإنصاف ان تكون الولايات ممثلة في هذا العرس. وهنا أسأل: ما هي المقاييس النقدية الموضوعية التي تم بموجبها اختيار الشعراء الذين استضافتهم المئوية؟ وهل اللجنة التي اختارتهم كانت مؤلفة من نقاد أكفاء أو من مجرد مثقفين غير مختصين في نقد الشعر؟ أسأل وأمرّ! ومن الملاحظ ان بعض الشعراء الذين تمت دعوتهم للمشاركة في المئوية هم من أشرس المتحاملين على الشابي الذي لم يمت، ويعتبرونه الشجرة التي غطت الغابة. وختاما سيبقى صاحب «ارادة الحياة» الشجرة والغابة والنسر رغم الداء والأعداء.