كعادته كل سنة، احتضن الاتحاد العام التونسي للشغل عبر قسم العلاقات الدولية والهجرة الجامعة الصيفية لشباب اتحاد العمال المهاجرين التونسيين بباريس وضواحيها من فرنسا. وقد استضاف الاتحاد الجهوي للشغل بباجة هذه الجامعة وأعدّ لاعضائها برنامجا ثريا انطلق في باجة وتواصل بشكل خاص في مدينة طبرقة. كنا قدمنا لمحة سريعة عن هذه الجامعة واطوار نشاطها الا اننا نعود اليها في هذا العدد بتفاصيل ضافية. جاءت الجامعة الصيفية للشباب ابناء العمال المهاجرين المنخرطين في الاتحاد المذكور في اطار حرص قيادات المنظمتين وأدبياتهما على الاحاطة بالشباب ابناء المهاجرين، والذين ولدوا في فرنسا، وذلك في محاولة لربطهم ببلدهم الاصلي، بلد آبائهم وجدودهم وبثقافتهم ودينهم. ورغم ان تيارات عنيفة تحاول إقناع الاجيال الجديدة من ابناء المهاجرين بأن بلدهم ليس الا البلد الذي ولدوا فيه وتعلموا، الذي يقيمون فيه وسوف يعملون ويمارسون كل الانشطة ويتمتعون بكل الحقوق، الا ان النقابيين في الاتحاد العام التونسي للشغل وفي المنظمات الصديقة للمهاجرين مازالوا وسيظلون على قناعة تامة بواجب العمل الدؤوب من اجل ذلك الهدف، ألا وهو تقوية الرابطة بين مهاجر الجيل الثالث والرابع وبين بلد أبيه وجده، وفتح أعينه على خصوصيات حضارته وقيم دينه، وكذلك على قضايا شعبه وأمّته، أيا كان نوعها، خاصة عندما يتناولها الغرب بالتحريف او بالتشويه او التشهير او التحقير. ولكم كانت مهمة تلك اللحظات العابرة التي تخترق فيها عينك نظرة شاب او شابة يعجز لا محالة عن التعبير وحتى عن الكلام، تقول: انه منا وإلينا. وانه استقبل الارسالية «5 على 5» وانه اضطرب حياء وخجلا وان قلبه خفق حتى كاد يخرج من بين ضلوعه. صورة بليغة دون شك، وأبلغ منها صورة للشاب (ة) نفسه (ها) وهو (ي) يجري هنا وهناك، يركض في كل اتجاه، يريد ان يعرف كل شيء، ان يمسّ كل شيء، ان يفهم كل شيء، وان يتعلق بكل شيء يصادفه، وهذا الحماس للعمل، للمساعدة، للمعاونة، للدفع الى الامام، للحاق بمن سبق. في مطار العاصمة، حطت بهم الطائرة المقلّة لهم والقادمة من باريس. أمتعة شخصية لا غير، وما خف من التجهيزات الالكترونية الخفيفة التي اصبحت اليوم من ضرورات السفر: الهاتف الجوال، آلة التصوير، آلة الاستماع، الكمبيوتر، وعند البعض آلة موسيقية. لكن عند الجميع، علم كثير وحرص كبير على ان يضعوا ذلك العلم في خدمة بلد الاباء والاجداد، دليلنا على ذلك، ما لمسناه ولمسه الاخوة في باجة من حماس لتركيب أجهزة الكمبيوتر وما تبعها من آلات ومكملات كافية لإقامة مركز للاعلامية والانترنات في مقر الاتحاد الجهوي للشغل بباجة. هدية متواضعة يقولون، وناب عنهم في الشرح والتفصيل الاخ فتحي التليلي رئيس الاتحاد الذي بيّن ان المهاجرين وابناءهم سخروا ما أمكن لهم من أموال خاصة لشراء هذه التجهيزات وأهدائها الى الاتحاد الجهوي للشغل بباجة حتى ينتفع منها ابناء العمال وكافة ابناء الجهة، وذلك على غرار ما فعلوه مع اتحادات جهوية اخرى، وزادوا على ذلك فحرصوا بأنفسهم، وعلى نفقتهم الخاصة على المجيء الى هنا لتركيبها وتدريب الناس على استعمالها والتأكد بالتالي من تحقيق الهدف. كان يوما مشهودا في مقر الاتحاد الجهوي للشغل بباجة، حيث التقى الجمعان، شباب الهجرة من ناحية وشباب الجهة من ناحية ثانية، ومعهما في الاحاطة مسؤولو الاتحاد الجهوي بباجة يتقدمهم الاخ محمد بن يحيى الكاتب العام وزملائه في المكتب التنفيذي وخاصة في مكتب الشباب العامل. تلت ذلك اليوم، عدة زيارات الى عدد هام من المواقع الاثرية والمعالم التي كشفت للزائرين ثراء المخزون الحضاري للبلاد. أما في طبرقة فقد دارت فعاليات الجامعة الصيفية التي انصرف الاهتمام فيها الى دراسة عدة موضوعات محلية تونسية، محلية مهاجرة او عربية واسلامية. وقد تم في هذا الاطار الاستماع الى كلمة مكتب الشباب العامل بجهة باجة والتي جاء فيها: اننا كشباب عامل بجهة باجة نعتبر تجربة التوأمة مع نقابات عمالنا المهاجرين بفرنسا لبنة جديدة من لبنات الزخم النضالي الذي يتعزز يوما بعد يوم في صرح منظمتنا. اننا وقفنا اليوم على مدى تنامي الوعي لدى شبابنا بالمهجر وعمق تجذره بهويته وحضارته وحرصه على الانفتاح على هموم الانسان أينما كان. وانه إذ يحدونا أمل كبير في أن نقف عن كثب على ظروف إخواننا في المهجر وعلى تفاصيل حياتهم فإننا نكون ممنونين لأُخوتكم وشاكرين رعايتكم كي يتواصل مدّ هذه الجسور وتتعمق مبادئ وأهداف التوأمة. من جهة أخرى، ألقى الاخ فتحي التليلي رئيس اتحاد العمال المهاجرين التونسيين بباريس كلمة مطوّلة ننشرها كاملة بالنظر الى أهمية ما جاء فيها من نقاط. وكان قد بدأها بالتعبير عن سروره بإقامة الجامعة بالتعاون مع الاتحاد العام التونسي للشغل راجيا: «ان يكون انعقاد هذه الجامعة الصيفية، هذه السنة، بمثابة محطة جديدة في مسيرة عملنا المشترك مع الاتحاد العام التونسي للشغل من اجل خدمة مبادئنا واهدافنا المشتركة من اجل الحرية والعدالة الاجتماعية، والتقريب بين جمعيات الهجرة والمناضلين النقابيين دعما لنشاطنا المشترك». وأضاف الاخ فتحي التليلي كما لا يفوتني في بداية هذه الجامعة الصيفية ان أتوجه بشكر مناضلي اتحاد العمال المهاجرين التونسيين الخاص للأخ الامين العام عبد السلام جراد، على العناية التي ما انفك يوليها لنشاط جمعيتنا، منذ توليه الامانة العامة للاتحاد. وأكد التليلي: «ان هذه الجامعة الصيفية تأتي كمحطة نضالية جديدة في سياق نشاط منظمتينا، الذي حرصنا باستمرار على تطويره، ومن خلاله على تطوير العلاقة المميزة التي تجمعنا بالاتحاد العام التونسي للشغل». أما الاخ يونس الكوكي الكاتب العام المساعد للاتحاد الجهوي للشغل بباجة المسؤول عن التكوين النقابي والعلاقات الخارجية والهجرة فقد ألقى كلمة أبرز من خلالها نجاح الجامعة الصيفية حيث توفر «النقاش الهادف والتحليل العميق لكل المحاور بدءا من محور التعريف بتاريخ الاتحاد العام التونسي للشغل واهم المحطات ومنها انخراط منظمتنا العتيدة الى جانب النقابي المطلبي في قضايا الحريات وحقوق الانسان والديمقراطية والقضايا القومية وقضايا التحرر في العالم مرورا بمحور شباب الهجرة وحق المواطنة وصولا الى مسألة على غاية من الاهمية والخطورة وهي مسألة فلسطين او الارض المسلوبة فكان وعي شبابنا بالقضية بارزا سيما وهي ذات حيز كبير من اهتماماتهم حاملين في ثنايا وجدانهم وهويتهم وانتمائهم جرح فلسطين عاملين بكل الاساليب والاشكال على المناصرة والمساندة». وأضاف الاخ يونس الكوكي قوله: «لقد لمسنا من هذه الجامعة الصيفية مدى تجذر شبابنا في صلب حضارتهم وانتمائهم العربي وتمسكهم بقيم العدل والتحرر والمساواة وكانت هذه الجامعة الصيفية ناجحة بإمتياز وعلى كل الواجهات» وبالطبع، كان لشباب الهجرة المشاركين في الجامعة الصيفية الدور الاكبر في تنشيط الجامعة، لا فقط من خلال النقاشات والتساؤلات بل خاصة من خلال اعلان آرائهم في عديد المسائل المطروحة في حياتهم اليومية أو التي أثيرت بمناسبة الجامعة. وقد مسّت هذه الآراء عدة جوانب لعلّ من أهمها جانب التضامن بين الاجيال وبين المناطق وبين البلدان. كما ان للشباب الذين شاركوا في الجامعة، حرصوا في الاخير على توجيه رسالة الى الاخ عبد السلام جراد أمين عام الاتحاد، شكروه فيها على العناية التي خصهم بها. نشير في الاخير الى ورشات العمل التي شهدتها الجامعة والتي نشطها بكل امتياز الاخ فتحي بن علي (الدبك) منسق قسم العلاقات الخارجية والهجرة بالاتحاد وحاضر فيها الاخوة سفيان بن احميدة وعبد الستار الباجي وأميّة الصديق والاخوة يونس وبدر وحافظ من الاتحاد الجهوي للشغل بباجة. ويذكر ان الجامعة خرجت هذه السنة من اسوار المقرات الى الساحات الفسيحة حيث نظم شباب الهجرة حفلا بهيجا في موسيقى الهيب هوب، تفاعل معه شباب طبرقة وزائروها في ليلة رائقة كان التفاعل فيها كبيرا. يذكر أخيرا ان الاخ المنصف الزاهي الامين العام المساعد للاتحاد ناب عن الاخ عبد السلام جراد الامين العام في الاشراف على حفل الاختتام حيث ألقى كلمة قيّمة أثنى فيها على بادرة تنظيم الجامعة وحيى الساهرين عليها شاكرا للجميع مساهمتهم القيمة في انجاحها.