لم أكن أنوي العودة للحديث عن الإشهار في التلفزيون ولاسيما العمومي منه لولا أنّي اطلعت على أرقام لافتة كشف عنها الباحث المختص في الميدان السيد حسن الزرقوني. أكتفي هنا برقمين، الأوّل تعلّق بحجم الوقت الذي استغرقه الاشهار في ثاني أيّام رمضان وقدره مئتان وتسع وتسعو (299) دقيقة. أمّا الرقم الثاني فيخصّ حجم الوقت الذي استغرقه الاشهار في أوّل أيّام الشهر الكريم وقدره مئتان وست وستون (266) دقيقة. وإذا كان لايزال في رصيدنا الذّهني ما حفظناه صغارا من عمليات الضرب والطرح ومن عمليات تحويل الأمطار إلى أنهار وتحويل البضائع إلى دنانير والدقائق الى ساعات، فقد وجدنا أنّ حجم اشهارات اليوم الأول من الشهر الكريم (266د) تصبح بحساب الساعات، أربع ساعات و26 دقيقة، وبإطلاق اليد، كما يقول الوالد رحمه الله أربعا ونصف. أمّا حجم إشهار اليوم الثاني (299) فهو دون حاجة لاطلاق اليد أو توفية الميزان، خمس ساعات بالتمام والكمال. ولأنّ الاشهار يحسب عند البيع أو الشراء وعند البث طبعا بالثواني نعم بالثواني (5 10 15 أو أكثر ولكن ليس أبعد من 30، ومن هنا نفهم الايقاع السريع الذي نراه في الومضات، حيث يحرص صاحب الاشهار ويجتهد في قول كثير من الكلام وتمرير كثير من الصّور في أقل وقت ممكن) فإنّ ال 299 دقيقة تصبح سبعة عشر ألفا وتسعمئة وأربعين (17940) ثانية. واضح أنّنا مازلنا نجيد حساب الضرب، وإلاّ ما توصّلنا إلى هذه النتائج الباهرة، ولعلّ ذلك ما يدفعنا إلى المزيد، فنقول على لسان معلمنا المخلص لعمله ذلك الرجل الشهم، مكوّن الأجيال (سي يوسف) : حدّد مكسب الكاسب إذا علمت أنّ سعر الثانية الواحدة (قياسا على السلّة الواحدة من الطماطم مثلا) بدينار واحد على سبيل التبسيط وأنّه أنفق كذا على بثّها (فقط، حيث أنّها تأتيه جاهزة). طبعا رأيتم أنّنا «أقوياء» في الحساب لكن سجّلوا أنّ القصّة من نسج الخيال وإذا صادف أن تطابقت مع الحقيقة، فإنّما جاء ذلك من باب الصدفة. آخر إضافات (!) مسلسل «مكتوب 2» الذي تبثّه قناتنا العمومية أنّه أصدر في مرحلة أولى تنبيها إلى المتفرجين يقضي بمنع المشاهدة على من سنهم دون ال 14 سنة. والغريب في الأمر أنّ التنبيه كُتب بشكل بارز في جملة مطوّلة لافتة للإنتباه. وصادف أن تضمّنت الحلقة المعنيّة «دخلة إلياس وسيرين» ففهم الكثيرون في العائلات أنّ في الأمر بعضا من الجرأة الزائدة عن اللزوم، فمن بينهم من أمر بإغلاق التلفزيون درءًا لكل الشبهات، ومن بينهم من اختاروا المغادرة والهروب من المجلس العائلي، إلى أن تمرّ العاصفة. تبيّن لا محالة وفيما بعد أنّ في الحلقة حجمًا كبيرًا من العنف الجسدي (اعتداء إلياس على زوجته ثم اعتدائه على زوجة والده وتعرّضه هو نفسه إلى الإعتداء) ولكن يبدو أنّ المخرج نسي أو تناسى أو غفل عن أنّ عنفا آخر أقوى وأشدّ قد سلّطه على المشاهدين ومنه البذخ المفرط وربّما المبالغ فيه الذي طبع حفل الزواج وكذلك بذخ المنزل (وخاصّة منه غرفة النّوم) الذي عاد إليها العروسان. فإذا كان الأمر كذلك، لماذا لم ينبّهنا المخرج إلى العنف المتمثل في محاولة دفن حي يرزق وفي استعمال المسدس (جديدة في تونس) وفي تكسير الكأس على الرأس وفي محاولة الاختطاف وفي جريمة القتل وتلك الكميات الكبيرة من الدم الذي انتشرت في المسبح؟ أمّا عن العنف المعنوي واللفظي فحدّث ولا حرج ونشير إلى جانب منه خطير يتعلّق بالحديث عن التجاوزات القانونية وعن أساليب ما أنزل الله بها من سلطان في جلب البضائع المهرّبة وطرقه إخفائها وترويجها. هذا عنف خطير كان على المخرج أن يتفاداه، أو على الأقلّ أن ينبّهنا إليه منذ الحلقات الأولى. فهو يعلم دون شك، خاصة وهو يستحوذ على وقت الذروه أنّ مشاهديه هم في الغالب الأعمّ أفراد عائلة واحدة، بما في العائلة التونسية اليوم من تناقضات وتجاذبات وتحوّلات عنيفة هي الأخرى. أمّا في مرحلة ثانية، فإنّه أصبح يضع رقم 12 على يمين الشاشة للتنبيه إلى أنّه يحبّذ منع الأطفال الذين تقلّ أعمارهم عن ذلك السن من المشاهدة. عظيمة هذه الصّحوة، لكن نراها متأخّرة وفي غير محلّها، فمن يقدر اليوم على منع أطفال في فترة إجازة، وفي شهر رمضان، من مشاهدة المسلسل الأساسي، بل لعلّنا نجاري ما ذهب إليه أحد الأصدقاء من أنّ في الأمر محاولة ملتوية للدعاية للمسلسل، ومزيد شد الانتباه إليه في النصف الثاني من رمضان والذي تتراجع خلاله المشاهدة باعتبار أنّ الناس يخرجون للسهر وخاصة لصنع أو شراء الحلويات والملابس وترتيب برنامج عطلة العيد.