تونس - الصّباح: كان مسلسل «مكتوب» الذي نشاهده في جزئه الثاني على الفضائية تونس 7 منذ انطلاقة رمضان الحالي قد لفت الإنتباه في رمضان الفارط (على نفس القناة التلفزيونية) من خلال الأحداث التي تناولها والتي عادة ما تحاول الدراما التونسية تجنب الغوص فيها بقوة لأنها تطرح مسائل ذات صلة بالأخلاق وبنوعية من السلوك لدى بعض الفئات الإجتماعية. ولم يأبه المسلسل بالموانع الأخلاقية و غيرها ومثل ذلك عنصر المفاجأة عند المشاهد التونسي. كان نفس العمل قد لفت الإنتباه أيضا من خلال التعويل على طاقم من الممثلين الشبان برهنوا على قدرة في الإقناع ولو كان ذلك بدرجة متفاوتة. وحاول نفس فريق الإنتاج بالنسبة للجزء الثاني ليس فقط استثمار ما اعتبر نجاحا للمسلسل في جزئه الأول وإنما تدعيمه بالتعويل على أسماء كبيرة على غرار الفنان محمد ادريس والممثلة هند صبري وحتى الفنانة باسكال مشعلاني كان لها حضور بالمسلسل من خلال تجسيد نفس دورها في الحياة .قدم المسلسل عددا من الأسماء التي كان لها حضورها بالجزء الأول وتخلّى عن بعض الأسماء كما أقحم عناصر جديدة وقام في نفس الوقت بتدعيم حضور بعض شخصيات العمل مقابل حصر حضور بعض الشخصيات الأخرى في لقطات قليلة حتى نكاد لا نشاهد لها حضورا بالمرّة . مرافعة ضد المجتمع ورغم إقحام الأسماء الكبيرة ورغم مواصلة اعتماد مقاربة في معالجة الأحداث تقوم على الغوص في ما يعرف من قبل بالمسكوت عنه على غرار مشاكل «المافيا» والمارقين على القانون ومشاكل المخدرات والإجرام والعنف ومختلف أنواع المؤامرات والصراعات والعلاقات المبنية على المشاعر المبيّتة والنفاق الإجتماعي وهي أمور تهم الشباب كما الكهول يبدو المسلسل وبعد أن مضت منه 17 حلقة وكأنه تحول إلى عبارة عن مرافعة ضد المجتمع الذي يصوره .لكن المرافعة كانت خالية من عناصر الفرجة تقريبا وأساسا من عنصر التشويق . المسلسل وفي زحمة البحث عن عناصر الإبهار والمفاجأة تحول من عمل ميلودرامي إلى ما أشبه بالتراجيديا دون أن نظفر بعناصر الفرجة التي تتطلبها مثل الأصناف التمثيلية حيث تراكمت الأحداث والصراعات تراكما صارت عملية الهضم على إثرها عسيرة . ورغم أن العمل من المفروض أنه يولي مكانة بارزة للمغامرات الغرامية للبطل «دالي» فإن العلاقة بين «دالي وابتسام» حيث تجسد الفنانة هند صبري دور هذه الأخيرة عجزت إلى حد الحلقات المذكورة من التأثير في المشاهد لأن طابع التكلف طغى على القصة. واتخذت العلاقة بين الشابة السمراء وصديقها التي كانت سببا في إثارة الفضول في الجزء الأول من العمل، اتخذت منحى جعلها غريبة وغير مهضومة أما بقية العلاقات فقد كانت مفبركة، لزوم العمل، وبعيدة عن الإقناع . الجزيرة المعزولة لم نكد نعثر و على امتداد الحلقات الماضية على شخصية واحدة متوازنة حتى لكأن القدر قد اجتمع على الكل وبانت شخصيات المسلسل وكأنها تعيش في جزيرة معزولة عن الناس . نفهم أن المخرج اعتمد الواقعية و تعرية الواقع لكنه لم يعمد إلى تهيئة تلك الظروف الملائمة لمتابعة العمل تجعله يراوح بين المأساوي و نقيضه حتى يمنح المشاهد فرصة التقاط أنفاسه خاصة وأن العمل يتطلب نفسا طويلا لأنه يدوم 30 حلقة كاملة .اللقطات في أغلب الأحيان طويلة جدا وممطّطة وثقيلة وصعبة الهضم حتى وإن تم اعتماد مختلف العناصر التي تم التعويل عليها لإثارة فضول المشاهد و من بينها المكائد والمؤامرات والغدر والمواقف الغريبة والسلوك الشاذ فإذا بالمشاهد يفقد ذلك الدافع القوي الذي يجعله يحبس أنفاسه كلما انتهت حلقة في انتظار الحلقة القادمة . ولا بد من ملاحظة أن مشاهدة هذا المسلسل لا يمكن أن تكون نزهة إذ ينبغي للمشاهد أن يتحلّى بجلد و بصبر كبيرين حتى يقوى على تحمل الفقرة الإشهارية التي تفصل بين الجزء الأول و الثاني من كل حلقة . ويخيّل إلينا أحيانا أن المساحة الخاصة بالإشهار تفوق مساحة الطبق الأساسي في برمجة قناة تونس 7 لرمضان الجاري . وبما أن الفقرة الإشهارية تطول يوميا أكثر مما نتصوره معقولا فإن هناك امكانية أن يكون المشاهد قد أضاع الخيط الرابط بين الجزء الأول والجزء الثاني من الحلقة الواحدة .