تعتبر كل المحطات النضالية بالبلاد موعدا مع التاريخ لا بد من الوقوف عنده عبرالأزمان لإستخلاص العبر و إعطاء الذين ساهموا في صنع مثل هذه المحطات التاريخية ما يستحقونه من إحترام و تقدير، وايفاءهم حقوقهم لما قدموه من أجل هذا الوطن الذي ننعم فيه اليوم بكل أسباب الراحة و الطمأنينة التي لم تهد لنا من أي كان بل جاءت نتيجة نضال و تضحيات جسام خاضها أسلافنا بدمائهم وأرواحهم و أموالهم و هي أكبر ما يمكن أن يقدمه الإنسان من أجل وطنه وعرضه. فمن المحطات البارزة في تاريخ تونس معركة الجلاء التي بها إكتملت السيادة التونسية على أرض الوطن بعد أن فرض المستعمر على هذا الشعب الأبي الإحتفاظ لنفسه بموطئ قدم يواصل من خلاله إنتهاك حرمات البلاد و العباد وهو ما كان فعلا حيث إحتفظ المستعمر الفرنسي له بمدينة بنزرت و منطقة رمادة و هما نقطتان حساستان بالشمال و الجنوب، لكن إصرار الجميع على أن لا مكان للغاصب بيننا و أن الإستقلال لا يتم و الأجنبي مرابط ببعض المناطق خاصّة وأنّ دم الثوار و المجاهدين الأحرار مازال يغلي جراء تسليمهم لأسلحتهم نتيجة إتفاقية حصلت في الجانب السياسي. لذلك كان لا بد من الضغط على المستعمر ليغادر البلاد و كذلك لكسب المزيد من الدعم السياسي في الخارج و كان لا بد من خوض معركة سميت معركة الجلاء و بما أن المستعمر متواجد هنا و هناك فلا بد أن تكون المعركة التحريرية على واجهتين متوازيتين فكان لابد كذلك من أن يعهد بقيادة هاتين المعركتين لأناس ممن خبروا النضال و المعارك والذين يحملون بين أضلعهم قلوبًا لا ترهبها الخطوب مهما عظمت و لا يفتر لهم عزم مهما طال أمد المعركة و زمن القتال و ثقلت الخسائر لأنهم آمنوا أن لا ثمن للخسائر إن كانت الأرواح أمام وطن مسلوب و شعب مقهور على أمره ولئن كلف المناضلان الطيب المهيري و عبدالمجيد شاكر بقيادة معركة بنزرت فقد كلّف المناضل البطل أحمد التليلي بقيادة معركة رمادة و حرب المتاريس أو حرب السدود بأقصى الجنوب التونسي و ما تمثله تلك المناطق الصحراوية الوعرة من تحدٍّ جغرافي كبير للثوار و المجاهدين إضافة للقوة الهائلة التي يمتلكها المستعمر لكن الإرادة و حب الوطن و الإصرار على كسب المعركة مهما كلف الأمر كانت تفوق قساوة الطبيعة و قوة المعتدي بكثير و هو ما جعل الثوار يفرضون على العساكر الفرنسيين التقهقر عن مواقعهم ما يفوق الأربعين كيلومترا مع تكبيده خسائر هامة في الأرواح و المعدات حتى جاء الأمر بوقف الإقتتال، لكن البطل أحمد التليلي الذي غنم التفوق المادي و المعنوي على الجيش الغاشم لم يرد أن يفوّت الفرصة على الثوار و المجاهدين الأحرار من تلقين المستعمر درسا في الثبات و التضحية من أجل الوطن رغم تواضع العدة و العتاد. ذلك هو أحمد التليلي البطل دائما حيث ما حل... بطلا للمعركة الإجتماعية و العمالية و بطلا لدعم الشعب الجزائري و ثواره و بطلا للمعركة النقابية الإفريقية و كذلك بطلا للتصدي لما حادت الحكومة التونسية سنة 1966 عما هو متفق عليه لأرساء الديمقراطية و العدالة الإجتماعية و إرساء أسس تعليم و برنامج صحي متكامل للنهوض بهذا الشعب والخروج به من براثن الفقر و الجهل و التخلف بعيدا عن الإنفراد بالحكم و الرأي الواحد و الأوحد و لم تستفزه المناصب و الكراسي التي كانت في متناوله و في إنتظاره ورهن إشارة منه لكن من تخلق بخلق الإتحاد العام التونسي للشغل و نمت فيه بذرة نكران الذات و العمل من أجل الآخرين دون إنتظار جزاء ولا شكور من غير الممكن أن يضعف أمام مثل هذه الأمور البسيطة. إنّ معركة رمادة التي كان بطلها الأمين العام للإتحاد العام التونسي للشغل أحمد التليلي هي التي رجحت كفة الإنتصار والتي فرضت على المستعمر و الرأي العام العالمي ضرورة إكتمال سيادة التونسيين على أرض وطنهم و هذه الحقائق التاريخية لم تكن من بناة أفكار النقابيين من باب التحيّز أو المجاملة لإبراز دور الإتحاد العام التونسي للشغل على أنه منظمة كبيرة و قوية ساهمت أكثر من غيرها في الحركة التحريرية بمختلف جوانبها و مظاهرها، إنما جاء ذلك في شهادات حيّة ممن عايشوا تلك الفترة من تارخ وطننا الزاخر بالبطولات و النضالات المشرفة و خبروا عن قرب أخلاق و شخصية التليلي التي تستحق أن تروى للأجيال القادمة و المتعاقبة حتى يعرفوا تاريخهم على حقيقته و يمكنهم المفاخرة به بين الأمم، والتليلي طبعا هو أحد هذه الرموز الخالدة والتي لا يكمن أن تنسى أو أن تطمس حقائقها لأنه وبشهادة كبار المسؤولين السابقين بالبلاد كان من الرجال القلائل من المدنيين الذي قادوا معركة تحريرية ثم وقع توسيمهم بأوسمة عسكرية إنه أحمد التليلي بطل معركة التحرير برمادة و البلاد التونسية دون أن ينقص ذلك شيئا من حق ونضالية الذين ساهموا وقادوا معركة بنزرت الخالدة ودون أن نهضم الرجل حقه و أن نعطي لقيصر ما لقيصر و أحمد التليلي يستحق من التكريم و التعريف بخصاله ونضاليته و معاركه المسلحة أكبر بكثير مما هو معمول به اليوم مخافة أن تنساق الأجيال القادمة وراء تخليد أهل الفن و الرياضة و إعتبارهم رموزا للوطن ولا بد أن تنحت لهم نصب تذكارية في حين يمحى من الذاكرة التليلي و حشاد و القناوي و محمد على الحامي و الطاهر الحداد وغيرهم من أبطال هذا الوطن، لكن كل هؤلاء سوف يخلد ذكرهم بخلود هذا الوطن و خلود الإتحاد العام التونسي للشغل الذي هو جزء لا يتجزء من تاريخ تونس و كان لا بد لنا في مثل هذه المحطات أن نعرّف الشباب العامل بما قدمه رموز الإتحاد العام التونسي للشغل لهذا الوطن، ولنا في كل شهر من السنة محطة مضيئة تخلد نضالاتهم وأعمالهم و كل عام و الإتحاد العام التونسي للشغل بخير و ذكرى التليلي في قلوب الجميع.