مرة أخرى يضرب غول الكرة بقوة ليتجاوز اطاره الضيق بين بعض النوادي وبعض جماهير الكرة بل وتجاوز كل الخطوط الحمر وبلغ الخطر مداه ليصل الى التهديد الفعلي بضرب علاقة دولتين شقيقتين عزيزتين مهمتين في مقتل وتحولت استدارة الكرة الى حد سيف يقطع العلاقات وأوصلته الاشاعات الى قطع الاعناق. تلك هي كرة هذه الايام وهذا العصر البغيض المشؤوم على أمة تحسنت أحوالها وترفهت شعوبها ونمت اقتصادياتها وكثرت مشاريعها وبلغت العلياء بين الأمم، ولم يعد ينقصها وينقص هذه الشعوب الرعاعية مشرقا ومغربا غير التقاتل من اجل كرة كريهة ومن أجل كأس عالم تذهب لها فرقنا العربية ليس للعب الكرة وانما لتلعب دور المتفرج لا بل المتفرج ثقيل الظل والذي تسارع قوانين الفيفا بطرده منذ الدور الاول. حتى لو رغب في البقاء مصفقا للكبار والاسياد، عرب لم يعد ينقصنا الا العودة الى تلك العصور البغيضة التي يتقاتل فيها «العُرب» من اجل تمرة... فخناجر مسلولة وحراب على رأي الراحل الشاعر السوري نزار قباني. هي أمة لم يسجل لها تاريخها في هذه الازمان الا النكبات والاحباطات وأحوال من السقم والاوجاع. فما هي قفة بل كيس من الاحذية كريهة الرائحة تؤسس «لداحس وغبراء» اخرى بفعل هدف «عنتر» الذي حوّل أرضي الشهداء والكنانة الى عبس وضبيان. نصال على النعال حظنا التعيس واختيارنا الأتعس وضعانا على هذه الجبهة العربية المشتعلة... جبهة اختلط فيها الرياضي بالسياسي بالديبلوماسي بالعسكري... «يا لَهْوِي!» بلهجة اخواننا المصريين! فهذه مصر تستدعي سفيرها للتشاور «وَتِنْدَهْ» الخارجية للسفير الجزائري، وهذه الجزائر تستدعي سفير مصر وتحمله المسؤوليات، وهذه السودان تنادي السفير المصري، وهذا القرضاوي المصري وعباس مدني الجزائري يتبادلان تمسيح اللحي ونشر الياسمين، وهذا الرجل الأشقى عمرو موسى يتصبب عرقا ويتضوّر حزنا على جامعته المتفرقة والمتشرذمة المتآكلة المتناحرة... وهذه صحافة الجزائر ترمي الثمانين مليون مصري في معابد اليهود، وتلك صحافة مصر تكنس الارض بجميلة بوحيرد و 35 مليون جزائري وترمي بهم في مستنقع السفاحة والدم... «عَلَى اِيهْ يَا اخْوَانَا»... وعَلاَشْ يا ْلخُلو» فهل في هذا الذي تقدم كرة يا عباد الله...؟! آه عفوا... نسيت... هناك كرة ولكن ليس بين اللاعبين المصريين والجزائريين فهؤلاء أبرياء براءة الذئب من دم يوسف عزيز مصر... وانما بين روراوة وزاهر زعيمي الكرة في البلدين... وكم كان مؤذ موقف هذا من ذاك وذاك من هذا أيا كانت الأسباب؟ أبو زعبل والحرّاش هما السجنان الأكبران في مصر والجزائر في هذين الموقعين الحالكين أختصرت القضية .. نعم شباب مصر والجزائر الذين رأياناهما في القاهرةوالخرطوم ادعى كل منهما ان الآخر مفرزة سجنيّة جاءت ميدان الكرة لتبث الجريمة والانحراف، تلك دعوى الطرفين في القاهرة عندما تهشمت حافلة المنتخب الجزائري وفي الخرطوم عندما أشيع ان المئات جيء بهم من سجن الحرّاش الى أم درمان! فما دخل الهويات الجزائية في مباراة كرة... ناصر وغزة اخوة جزائريون عديدون ومن بينهم بعض عناصر البعثة الصحفية الجزائرية والذين رافقناهم في القاهرة مترجلين بعد منتصف ليلة المباراة الاولى وكانوا في أمان مطلق وسط الاشقاء المصريين ولا حراسات ترافقهم بل كانوا يتبادلون النكات والاحاديث الودية مع العامة المصرية في مدينة ناصر وفي ميدان التحرير.. (وهذه شهادة أبصم عليها وأقسم بالله العظيم)... قلت تحدث الينا هؤلاء الاخوة مؤكدين ان اللاعب المصري محمد أبو تريكة هو «عبد الناصر الكرة!!» ولم ولن يرقى الشك لدى جزائري واحد بأنه لاعب رائع وقومي ومسلم صادق، لو نزل في شارع جزائري لتنازع الاخوة هناك من اجل الفور باستضافته في بيوتهم. هذا الموقف العزيز والثمين سرعان ما تهتك في أم درمان بعد ان رفعت بعض الجماهير الجزائرية شعار أحرج نجل الرئيس المصري علاء مبارك ويتعلق بغزة ونصّه «عيب وعار.. بعتو غزة بالدولار» وقد رددته معهم «الشروق» الجزائرية ذات السحب المليوني... هذا معيب... معيب لئن تفهم الناس «زعل» الاشقاء في مصر حيث كان الامر موجعا اذا ما جمعنا الهزيمة في أم درمان وبعض الاحداث التي تلتها، فإن ما أتاه البعض من أهل الفن والاعلام في مصر يدعو الى الغثيان ويعتبر خروجا مطلقا عن النص. فباستثناء فاروق الفيشاوي ومحمد صبحي لم نسمع اي صوت اخر، وخاصة من الفنانين ذوي المواقع المتقدمة في الاعمال الفنية للدعوة الى رأب الصدع واصلاح ذات البين وتكسير موجة التوتر والاحتقان.. لا بل هناك من تجاوز حدود اللياقة على غرار «واحدة» من الحرام ان تنتحل الهوية المصرية وتتكلم باسم عليّة الفن في العالم باسم اشقائنا المصريين حديثنا بالطبع عن هيفاء وهبي التي رفعت سيفها بل صدرها الفاضح المفضوح لتثخن الجرح النازف اصلا بين شقيقين سيعودان الى حضني بعضهما وان طال السفر... هذه المواطنة بطلة العري والاثارة واشياء اخرى هي شغل البباريتزي «paparetsi» صاحت في الناس «كان من المفروض ان يحمل الجميع سلاحا، وأضافت ان الجزائريين ذوي قلوب حجر وهي لن تغني لهم أبدا». وهذه قالها احد الاخوة السوريين الذي استمع معنا الى هذه الكائنة التي وصل بها الامر الى تهديد رئيس الفيفا اذا لم يعد المباراة بين مصر والجزائر... ما هذا يا عباد الله؟ هل يعقل ان تتكلم هذه المخلوقة التي لا تعترف بها بيروت باسم فناني مصر العظام من أم كلثوم تغمدها الله بالرحمة الى نجاة أطال الله عمرها مرورا بشادية وفائزة أحمد ولبلبة وغيرهن؟ هل يعقل ان تتطاول هذه البضاعة الفاسدة صوتا وصورة على جميلة بوحيرد وعلى بلد المليون شهيد... ملعونة هذه الكرة. انه لأمر معيب ان ينخرط أهل الثقافة والفن في جوقة كرة معروف ان احداثها مهما كبرت لن تتجاوز لحظتها. وحرام ان يضيع فنان مثل يوسف شعبان وصلاح السعدني كل ما بنياه على مدى عمر ليس من اجل مصر، بل من اجل مصطفى حجازي!!! هذا المحتل لقناة النيل الرياضية على مدار ساعات الليل طوال اكثر من أسبوع لإذكاء نار الفتنة وادخال المصريين والجزائريين الى نفق مسدود لا نفع فيه الا لبني صهيون الذين ارتمى في احضانهم اللاعب ابراهيم حسن هكذا دون ان يدفعه احد وتحت تشجيعات المذيع الذي قالها بلا تردد ودون اي التزام بقواعد المهنة (والله العظيم انا معاك) «حشجّع اسرائيل لو تلعب مع الجزائر»... هذه المواقف المتشنجة نأى الكبار فعلا بأنفسهم عنها على غرار الكبيرة فردوس عبد الحميد والكبيرة هالة صدقي والظريف احمد بدير الذين حضروا في «أم درمان» وروحوا بأمان. «حنان» صهيوني في الجزائر كما في القاهرة كما في الخرطوم.. وبعد ان بدأت «السّكرة تطير» وثاب الجميع الى رشدهم على الاقل جزئيا، انتبهوا الى ان الخارجية الصهيونية دعت «طرفي النزاع» الى التعقل والهدوء.. والغريب انه لا الجزائر ولا القاهرة ردتا على هذا الابليس الناهي عن المنكر، بضربه مثلا بحذاء أبو تريكة المصري أو «أبو عنتر» الجزائري أو بكليهما معا «مستندين في ذلك ليس الى الاعراف الديبلوماسية بل الى المثل الشعبي التونسي: «يا داخل بين الظفر واللحم يا خارج بالنتونة» «وَلَا إِيهْ نتنياهو!!». هوامش على الهامش شخصيات عدة حضرت مباراتي الفريقين من بينهم ابناء الرئيس المصري حسني مبارك و 4 وزراء جزائريين (الخارجية والبيئة والرياضة والتضامن). الأوساط الرياضية في مصر لازمت الصمت وتعاملت مع الموضوع بهدوء، عكس أهل الفن الذين انخرطوا في موجة انفعالات كبيرة ولافتة خاصة من بعض الفنانين الذين رفعوا على الاعناق في الجزائر على غرار الآنسة يسرى التي بدت في «البيت بيتك» مترهلة وزادها الغضب تجاعيدا على تجاعيد... فكالت للجزائريين الكثير من ساقط القول... وزير الاعلام المصري كان أشد المصريين غضبا خاصة لمّا تحدث عن «الغوغائيين» الجزائريين و «البلطجيّة» بأنهم واجهة الشعب الجزائري في حين ان الفنانين والمثقفين المصريين هم واجهة الشعب المصري... سؤال ملح طرح في كل الاوساط ويتعلق بعدم دعوة جامعة الدول العربية لوزراء الرياضة العرب أو على الاقل التحرك على مستوى المندوبين الدائمين لتطويق الأزمة، كان ذلك أفضل من تصريحات عمرو موسى الحزينة. كل الاشقاء المصريين تأثروا بصدق لخروجنا من المونديال باستثناء واحد مشبوه ومكروه في مصر بالذات وهو المدعو عمرو أديب على قناة أوربيت. منظر مؤذ ذاك الذي عرفته منصة الصحافيين حيث صفع صحفي جزائري مسؤولة الاعلام في اتحاد الكرة المصري، لمّا طالبته بالعلم الجزائري لحجزه، نفس الصحفي وبعد نهاية المباراة قبّل ضحيّته ايناس مظهر من جبينها معتذرا عن غضبه ومبررا فعلته بالجملة التالية «يا أخت ايناس أن تفتكي مني علم بلادي معناه أنك أخذت شنبي!» وطبعا قبلت السيدة المهذبة ايناس اعتذاره. الاشقاء المصريون لم تنسهم هذه المشكلة طبيعتهم المرحة حيث أجمع أصدقاؤنا من الهيئة العامة للاستعلامات على الملاحظة التالية «هو البشير ناقص.. حتى يتسلط عليه بلاء الكرة» ويقصدون الرئيس السوداني طبعا... جهات مصرية عديدة استغربت بعض المواقف منها صمت أو عدم حياديّة الاوساط الرياضية والسياسية في العالم وفي العالم العربي بالخصوص، كما استغربت نفس هذه الاوساط من دعوة جنوب افريقيا للجماهير الجزائرية للحضور الى جوهانسبورغ دون تأشيرة وهو امتياز خاص للجزائريين!! الاضرار التي لحقت المنشآت المصرية في الجزائر استنكف منها الجميع بل وأثارت الاشمئزاز من طرف الجميع خاصة وأن اكثر من 4 الاف عامل جزائري يسترزقون منها... ولا علاقة لهم شأنهم شأن موظفي ورعايا مصر بالكرة وعَفَنِهَا...