مساعدو ترامب يسعون للإفراج عن وثائق هيئة المحلفين بقضية إبستين    مع النفاذ العاجل .. 12 سنة سجنا ل«ر.م.ع» سابق بشركة الحلفاء    تعاون تونسي-جزائري لمواجهة تحديات النقل وتغير المناخ    وزارة التجهيز: غلق وقتي لجزء من الطريق الجهوية رقم 36 للقادمين من تونس    لجنة الدفاع والأمن بالبرلمان تستمع إلى ممثلين عن وزارة الداخلية حول مقترح قانون    عشرات الشهداء والمصابين في غزة.. إبادة ... وجنون الصهاينة يتصاعد    أخبار النادي الصفاقسي: «كانتي» في تنزانيا وقريبا رفع العقوبات    اتصالات تونس تجدّد شراكتها مع النادي الرياضي الصفاقسي... التزام متجدد لخدمة الجماهير ودعم الرياضة التونسية    الجمهور يطالب بفرض الانضباط: هل يُعاقب الترجي نجومه «المُتمرّدة »؟    تاريخ الخيانات السياسية (19) الرّاوندية يتخذون المنصور إلاها    الشيخ العلامة يونس بن عبد الرحيم التليلي (فريانة) .. موسوعة علوم ومعارف عصره    استراحة صيفية    اتفاق تونسي - عراقي لتصدير الأدوية ونقل تكنولوجيا التصنيع    التصريح بالعملة عن بعد    مهرجان الفسقية الدولي في دورته الرابعة... من اجل بعث الحياة في المدينة    بطولة افريقيا لالعاب القوى (الناشئين و الناشئات): غفران لحمادي تتحصل على الميدالية الفضية في رمي القرص    تخريب واعتداءات متواصلة... النقل العمومي تحت التهديد    وزير الشؤون الاجتماعية يوضّح موقف الوزارة من منظومة أمان وملف المناولة وصندوق البطالة والسكن الاجتماعي    وزارة التجارة: خبر الألياف يتطلّب خطّة.. #خبر_عاجل    قابس: السيطرة مستودع العجلات المطاطية المستعملة ببوشمة    الستاغ تضع حزمة اجراءات جديدة لتسريع دراسة وربط محطات الطاقة الشمسية الفولطاضوئية    التنس: البيلاروسية سابالينكا تنسحب من بطولة مونتريال بسبب الارهاق    الدورة الأولى للبرنامج الجهوي للرفاه الاجتماعي وأنماط العيش السليم بمشاركة أكثر من ألف شاب وشابة    بعد حملة تلقيح واسعة: خطر الجلد العقدي يتراجع في الكاف    وزارة الفلاحة تعلن عن فتح موسم جني الحلفاء في هذا الموعد    لطيفة العرفاوي حول حفلها في عيد الجمهورية: "هذا شرف لي"..    10 روائح...التونسي يعرفها من بعيد    حفلة تتحوّل لكابوس بسبب سقف: رزان مغربي تصاب إصابة خطيرة    وقتاش تكون العضمة المتشققة آمنة للأكل؟ ووقتاش يجب التخلص منها؟    عاجل/ الكشف عن موقع عسكري اسرائيلي سرّي في غزّة    رقدت لباس؟ يمكن السر في صوت المروحة    6 أعشاب يمكنك زراعتها بسهولة في الصيف...حتى في الشباك!    كرة اليد: منتخب الكبريات يشرع في التحضير لبطولة العالم بتربص في الحمامات من 21 الى 25 جويلية    زغوان: تقدم موسم حصاد الحبوب بحوالي 98 بالمائة    مهرجان قرطاج 2025: انتقادات قبل الانطلاق وسجالات حول البرمجة وسط تطلع لتدارك العثرات    الموسيقار محمد القرفي يفتتح الدورة 59 من مهرجان قرطاج بعرض "من قاع الخابية": تحية للأصالة برؤية سمفونية معاصرة    باريس ....تحتفي بالشاعر الجليدي العويني    عاجل/ موجة حرّ متوقعة آخر هذا الأسبوع و الأسبوع القادم.. أهم مميزاتها والتفاصيل..    القرآن والتنمية الذاتية: 10 آيات تغيّر الحياة    الجامعة العامة للتعليم الأساسي تطالب بالتعجيل بفتح حوار جدّي ومسؤول مع وزارة التربية    وكالة النهوض بالاستثمارات الفلاحية تصادق على استثمارات ومشاريع لفائدة ولايتي نابل وقابس بقيمة 19،1 مليون دينار    ارتفاع تدريجي في درجات الحرارة بداية من يوم غد السبت    30٪ من الناجحين يرسبون في أوّل عام جامعي... علاش؟    في سهرة مشتركة على ركح الحمامات: "سوداني" و"جذب" يحلّقان بالجمهور بجناحي البوب والإنشاد الصوفي    حفل كولدبلاي في بوسطن يفضح علاقة سرية للملياردير آندي بايرون    أستاذ تونسي يُفسّر ''ناقصات عقل ودين''    محكوم بالسجن : ليلة القبض على بارون ترويج المخدرات في خزندار    عاجل/ البيت الأبيض يكشف الوضع الصحي لترامب..    باريس سان جيرمان يتعاقد مع حارس المرمى الإيطالي ريناتو مارين ل 5 مواسم    معهد الرصد الجوي يؤكد أن شهر جوان 2025 كان أشد حرّا من المعتاد    إجراءات صحية يجب على ترامب اتباعها بعد تشخيصه ب"القصور الوريدي المزمن"    اليوم درجات حرارة عالية والشهيلي داخل على الخط    وزيرا الفلاحة والتجارة يشرفان على اجتماع لمتابعة وضعية تزويد السوق بالمنتجات الفلاحية ومواجهة الاحتكار    غزة.. عشرات الشهداء والجرحى وقصف يستهدف النازحين والمنازل والبنى التحتية    نقابة الصحفيين تنعى الصحفي يوسف الوسلاتي: وداعًا لأحد أعمدة الكلمة الحرة    موجة حر تضرب تونس خلال هذه الفترة... درجات الحرارة قد تصل إلى47°    صفاقس: تجهيزات طبية حديثة بمركز الوسيط... التفاصيل    مهرجان الحمامات الدولي: مسرحية "ام البلدان" تستعير الماضي لتتحدث عن الحاضر وعن بناء تونس بالأمس واليوم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



تحيا الأقدام وتسقط العقول
نشر في الحوار نت يوم 07 - 12 - 2009


تحيا الأقدام وتسقط العقول

طه البعزاوي
على هامش الموضوع
ترددت كثيرا في نشر هذا النص بعد فراغي من كتابة جل فقراته قبل العيد وذلك من باب تجاوز الأزمة وتوقع أن يمحو العيد بعضا من آثارها، ولكن بعد مرور العيد استأنف الإعلام المشبوه حربه! حتى أنني رأيت أحد الإعلاميين على القناة الفضائية المصرية يوم 3 ديسمبر 2009 أي بعد أسبوعين من الأحداث وهو يستنكف من أن يقول كلمة الإخوة الجزائريين فيقطعها من منتصفها ويراجع نفسه ليقول الدولة الأخرى! ... وقد سبق للإعلامي ثامر أمين أن أنب متدخلا مصريا في برنامج "البيت بيتك" قائلا :"أرجوك بلاش كلمة الإخوة الجزائريين علشان الحساسية ..." هذا وغيره من التفاهات هو الذي حملني على نشر هذه الكلمات!

حالة من المشي بالمقلوب بدأت تنتشر في الشارعين الجزائري والمصري منذ الإعلان عن موعد المباراة الأولى التي جمعت فريقي البلدين لكرة القدم في الجزائر! ثم توسعت الحالة وانتشرت انتشارا شديدا بحلول مقابلة القاهرة! واستفحل الداء وعم البلاء إثر مقابلة الخرطوم! ... فقد انقلب الشارعان على رأسيهما وسقطت العقول ورفعت الأحذية والأقدام! ... شاذ أو خائن وعميل من حافظ على اتزانه وترك عقله مكانه! ولم يساير الهستيريا! ... هستيريا لم تقبل حتى بالذين حاولوا أن تكون لهم منزلة بين المنزلتين! ... الذين لم يحافظوا على اتزانهم التام ولم ينقلبوا على رؤوسهم مرة واحدة! ... منطق "بوشي" جديد: "إنها الحرب ولا مجال فيها للحياد! ومن ليس معنا فهو ضدنا"!

التاريخ السيء يعيده الحمقى
ما يجري من حرب إعلامية بسبب تصفيات كرة القدم بين مصر والجزائر أحضر التاريخ أمامنا وأعاد إلى ذاكرتنا سباق "داحس" حصان قيس ابن زهير و"الغبراء" فرس حذيفة ابن بدر ، وقد تدخل "جمهور" الغبراء لمساعدتها في الفوز على "داحس" فكانت الحرب التي دامت حوالي أربعين سنة بين عبس وذبيان حتى كادت الحرب أن تفنيهما وهما أبناء عم!
ولم تكن تلك الحرب هي الوحيدة التي قامت بين أبناء العم من أجل سبب تافه وكادت تفنيهم فحرب "البسوس" التي نشبت بين بكر وتغلب من أجل قتل ناقة دامت أربعين سنة! وكادت تفني الحيّين
تلك بعض حروب الجاهلية ولم تخل الحقبة الإسلامية من حروب لأسباب تافهة بين الإخوة وأبناء العم!
ولكن لسائل أن يسأل ما علاقة حروب الجاهلية والإسلام بما يحدث اليوم من مناوشات بين الإعلامين المصري والجزائري وبين الجمهورين! ... والجواب أن ما نعيشه اليوم لا علاقة له بالرياضة أو المنافسة النزيهة بين إخوة أو أصدقاء! قد طغت لغة الحرب على ما يحدث وأصبح القاموس المتداول: "القتلى؟ ... الناس بتموت! ... الجرحى! ... المصابين!... المحاصرين!... المهاجمين!... الضحايا! ... المعركة! ... الموقعة! ... الحرب! ... السكاكين! ... السيوف! .... المطاوي! ... الطائرات الحربية! ... الرايات! .... الأعلام!

هي حرب إذا! ... وليست حربا تحكمها قوانين وأخلاق وإنما حرب جاهلية بامتياز! ... ولستُ هنا بصدد حشد الأدلة على صحة زعمي فما أكثرها، ولكنني أكتفي بمشهد لإعلامي مصري من برنامج "القاهرة اليوم" هو السيد أحمد موسى وهو ينادي بقتل الجزائريين في القاهرة وإماتتهم ثأرا "لقتلى" المصريين في الخرطوم من قبل الجمهور الجزائري ساعات بعد انتهاء مقابلة الخرطوم، (انظر الرابط) هذا الذي ينادي بالثأر الجاهلي ورفيقه "عمرو اديب" وبقية الذين على شكليهما قد صدعوا آذاننا بأن المصريين علّموا اللغة والدين لبقية الشعوب العربية؟ ولا أدري هل من الدين أن يَقتل مصريّ جزائريا في القاهرة لأن جزائريّا "قتل" مصريا في الخرطوم؟ على افتراض وقوعه هل هذا دين "لا تزر وازرة وزر أخرى" أم هذا هو دين المهلهل التغلبي وجساس البكري؟!
أما مشهد السيد عمرو اديب وهو يدعو لهزيمة الفريق الجزائري ليلة مقابلة القاهرة :"يارب نفسي الجزائريين يتنكّدوا! ... نفسي الجزائريين يتهدّوا! ... نفسي الجزائريين يخسروا ..." فيذكّر باستفتاح أبي جهل يوم بدر حين قال: "اللّهم أقطعنا للرحم وآتانا بما لا نعرفه فأحنه الغداة، اللهم أيّنا كان أحب إليك وأرضى عندك فانصره اليوم" فأنزل الله عز وجل قوله في سورة ابراهيم "واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد من ورائه جهنم ويسقى من ماء صديد"!
اشتعلت "الحرب" والحمد لله الذي باعد بين البلدين ولم يجعل لهما حدودا مشتركة!

معركة مجهولة القادة
هذه الحرب التي حمي وطيسها خاصة من جانب وسائل الاعلام المصرية، قنوات فضائية على مدار الساعة، الراديو، الجرائد والمجلات لا حديث إلا عن الكرة وتبعاتها! ... رفعت الأحذية وأسقطت العقول، نطق الجهال والإنتهازيون والمزايدون وتضاءلت أصوات العقلاء والحكماء! ... يقول بملء فيه النصر لأحفاد الفراعنة على حساب البربر! ... ثم يفاخر بأنه من عرّب البربر وأدخلهم في الدين، ولا ندري عن أي دين يتحدث وعن أي عروبة؟ ... دين الفراعنة وعروبتهم؟ أم عروبة عدنان ودين محمد (عليه الصلاة والسلام)
... ألا يكفينا فراعنة زماننا في شرق أمتنا وغربها حتى نستحضر الفر اعنة القدماء؟ ... يا له من سخف وغباء!
من يحرك "اللعبة" ويقود المعركة الساسة أم الرياضيون أم الجماهير المحبطة! أم أن كل يؤجج من جانبه وليس فيهم رجل رشيد!
عظم في عين الصغار مواجهة أعداء الأمة ومناصرة الإخوان الأقربين وفك الحصار وإطعام الجوعى، وصغر في أعينهم صناعة عداوات وهمية وإذكاء نار الفتنة وتعميم التجاوزات وأخذ الأبرياء بجريرة غيرهم من الحمقى والمغفلين! وساد منطق "انصر أخاك ظالما أو مظلوما" بمفهومه الجاهلي!
اتسعت الذاكرة "البسوسية" إلى كل الحماقات القديمة بين الشعبين الشقيقين وتصر على استحضار الإعتداء على طبيب مصري من قبل أحد اللاعبين الجزائريين سنة سنة 1989 رغم حدوث الصلح! وذلك لتأجيج العداوة بين الشعبين!
ولكن هذه الذاكرة كان بمقدورها أن تنسى الحروب والعدوان والقصف والتدمير والسير على أجساد الأسرى بالدبابات ودفنهم أحياء في الصحراء! بل وتنسى ما يحدث بين الفينة والأخرى من قتل لمواطنين مصريين داخل حدود وطنهم بنيران "الصديقة" إسرائيل! وتنسى كذلك اختلاط الدم المصري والجزائري في مواطن عديدة!


التوظيف السياسي
كرة القدم التي يسمونها "الساحرة المستديرة" سحرت عقول الناس وسلبت ألبابهم وقلبتهم على رؤوسهم، فتحول مركز الجاذبية لديهم من مركز الأرض إلى مركز "الجلدة المنفوخة"!
الكرة أصبحت أفيونا للشعوب تشغلهم عن مآسيهم وعن مشاكلهم الحقيقية! وقد أحسن الساسة توظيفها لخدمة أغراضهم ومزيد إلهاء الشعوب بها عن استبدادهم وحماقاتهم!
أكيد أن كثيرا من الساسة والجنرالات في الجزائر يوظفون الكرة للتعمية عن الفساد وعن المشاكل الحقيقية للجزائريين!
وكذلك عوّل ساسة مصر شديد التعويل على أن يقطع بهم ترشح الفريق المصري "للمونديال" خطوات عملاقة على طريق مرور آمن وسلس لملف توريث جمال مبارك على "عرش" أبيه! ... فحرص وشقيقه "علاء" على مواكبة المباريات والمبالغة في التشجيع ودفع الأموال الطائلة من أجل نقل المشجعين للسودان!
ولما أراد الله لهم غير ما أرادوا تظاهروا بمظهر القادة الواقفين مع شعبهم ضد العدوان "البربري الهمجي " من "بلطجية" الجزائر! .... السيد علاء مبارك الذي اتسع صدره للقبول بالعلم الإسرائيلي مرفرفا في سماء القاهرة، يطالب بإنزال العلم الجزائري وطرد السفير! ... الصهاينة أصبحوا رفاق سلام وأصدقاء استراتجيين، وأما الجزائريون فلن يقبل اعتذارهم ولا صلح ولا اعتراف ولا تفاوض معهم! ... استخف كثيرا من أبناء قومه فأطاعوه ....! وأشادوا به وبشقيقه فهنيئا لهم هذا الكسب السياسي الكروي!
أموال طائلة تنفق على الكرة من أجل التشجيع ونقل الجماهير في وقت يعاني فيه الشعبان من الفقر والحاجة! ... وكان أولى أن تنفق تلك الأموال على المساكين والمحتاجين وأن يوسع عليهم في أيام العيد هذه، فكثير من أرباب الأسر في البلدين يحلم بتوفير كيلو غرام واحد من اللحم لعياله فضلا عن أن يوفر لهم أضحية كاملة! ... والأمر في مصر أشد!
أموال طائلة تنفق على "اللّعيبة" الذين كل مؤهلاتهم في أحذيتهم وأقدامهم! ... ويوعدون بالملايين إن هم جلبوا النصر! ... في حين لا يجد كثير من العلماء وأصحاب الشهائد العليا ما يسدون به رمقهم أو ينفقون منه على عيالهم!
اذا اشتكى لاعب ركبته فأموال الدولة على ذمته ومستشفيات الداخل والخارج في خدمته! ... في حين يموت عملاق من عمالقة الأمة مثل عبد الوهاب المسيري (رحمه الله) وهو عاجز عن توفير ما يكفي من مال لعلاجه! (ولكل أجل كتاب)!
إذا اختل التوازن وساد الجهال رفعت الأقدام وأسقطت العقول!
وما يحسب لانجازات الكرة على الساحة المصرية هو عودة السيد علاء مبارك للأضواء بعد غياب طويل ولعلنا نشهد في مقبلات الأيام والسنين تنافسا بينه وبين شقيقه على عرش مصر "أم الدنيا" والفراعنة!


المبالغة
لا شك أن الهوس الإعلامي من الجانبين قد بالغ في تعظيم الأحداث وترويج الإشاعات والأراجيف! .... فبين توابيت القتلى الجزائريين في القاهرة وقتل وإصابة المصريين في الخرطوم ضاعت الحقيقة وهيّجت المشاعر! ... واشترك الحابل والنابل والجاهل و"العالم" في المعركة دون وعي أو على غير علم ولا هدى!
أكيد أن هناك حالات عدوان حصلت من الجانبين في مصر والجزائر والخرطوم ولكنها بحمد الله لم تزهق أرواحا حتى الآن على الأقل وأن ما حدث يمكن أن يحدث مثله بسبب أحداث شغب داخل بلد واحد أو بين أنصار فريقين من مصر أو فريقين من الجزائر! ... بل ويحدث مثله وأكثر منه في ملاعب أوروبا من طرف جموع "الهولقنس" المتخلفة، ولكن الأمر يعالج في إطاره دون أن تتحول المسألة إلى حرب دولية!
أما من يسمع الإعلام وخاصة الإعلام المصري يقول أن ما حصل في الخرطوم هي "غزوة" جزائرية ضد المصريين أطاحت بالرؤوس والأعناق!
فقد قدم الجمهور الجزائري على متن طائرات عسكرية مسلحا بالسكاكين والسيوف والمطاوي، ورغم أن الهجوم على أشده ولكن لم تُصب ولو ضربة واحدة مقتلا (والحمد لله)!

وفي اعتقادي أن سبب التهويل الأساسي مرده إلى ما ذكرنا من توظيف سياسي وركوب للموجة والتيار! وكذلك لل "أنا" المنفوخة جدا لدى كثيرا من النخب المصرية! والفزع من "الحقرة" (1) ومقاومتها الذي أصبح يمثل شكلا من أشكال التعصب لدى فئات عريضة من الجزائريين.

التعميم
"التعميم صخرة يرتاح عليها المتعبون" قالها أنطونيو قرامشي قبل عقود طويلة وبانت واضحة جلية في الصخب الإعلامي المنحط الذي وضع كل الشعب الجزائري والمصري في كفة واحدة! ... بل وسّع بعض الحمقى دائرة حربهم لتشمل الشمال الإفريقي والعرب والمسلمين!
أفيقوا يا قوم إنها لعبة "لركل الهواء" * كما يصفها الشاعر التونسي بحري العرفاوي، وأن الركلات ليست صواريخ ولا قذائف! ... بل قد اتسعت ساحاتنا ومياديننا وبيوتنا وصدور نسائنا وأطفالنا لصواريخ أعدائنا ولم تتسع "لركلات" إخواننا! ... أسود وأعزاء بالباطل على بعضنا ونعام وخراف أمام أعدائنا!


اسقاط العقول والحماقات المتبادلة
سقطت العقول ورفعت الأحذية حين بدأ الإعلام يدقّ طبول الحرب الكروية ناقلا للأجيال الماضي بآثاره وأحقاده الكروية!
سقطت العقول ورفعت الأحذية حين أصبحت الكرة أولى أولوياتنا فيها نحب وعليها نكره! ... فيها نسالم وعليها نحارب! ... وعليها توزع صكوك الوطنية وتهم الخيانة!
سقطت العقول ورفعت الأحذية حين اعتدي على حافلة الفريق الجزائري في اعتداء قيل أنه دبر بليل لتحقيق غايات خسيسة!
سقطت العقول ورفعت الأحذية حين كُذب الإعتداء جملة وتفصيلا وعرض الأمر بأسلوب كاريكاتوري ساخر من قبل الساسة والإعلاميين المصريين!
سقطت العقول ورفعت الأحذية حين اعتدي على الجمهور الجزائري بعد مقابلة القاهرة! ... وتجاهل الإعلام كل ذلك وركز على إشارة غير لائقة لفتاة من الجمهور الجزائري وجد إعلام "الهزائم" فيها ضالته وبقي يلوكها ويجترها! في حين تجاهل إشارة واعية من شاب مصري في شوارع الخرطوم ليلة المقابلة وهو يتوعد الجزائريين بالذبح من الوريد إلى الوريد(2)!

سقطت العقول ورفعت الأحذية حين تحدثت جريدة الشروق الجزائرية عن قتلى جزائريين في القاهرة ستصل توابيتهم تباعا لمطار الهواري بومدين في الجزائر دون تثبت من مصداقية الخبر ودون اعتذار أو تكذيب بعد تكذيب السفير الجزائري للخبر!

سقطت العقول ورفعت الأحذية لما خرجت الجماهير غاضبة في الجزائر تُدمّر كل ما له علاقة بمصر دون أن تجد من يرشدها أو يصدها!
سقطت العقول ورفعت الأحذية حين دُفعت الأموال الطائلة وسخرت إمكانيات البلدين لنقل الألوف من الجماهير في أسطول جوي مجاني لم يعرف له مثيل! والناس يتضورون جوعا وبردا ومرضا وجهلا في البلدين!
سقطت العقول ورفعت الأحذية حين اعتدي على حافلات الجماهير المصرية في الخرطوم من قبل الجماهير الجزائرية ثأرا لما حصل في القاهرة وردا على "الحقرة"!

سقطت العقول ورفعت الأحذية ثم غابت الحكمة والرشد وسقطت الأقنعة وأُعلي "هبل" في أيام حُرم لم يكن الجاهليون يتقاتلون فيها، ولكن جاهلية القرن الواحد والعشرين لم تستنكف من ذلك! فهول الأمر وأجج الإعلام المأجور النار ووجد الساسة المنبوذون فرصة لتثبيت أقدامهم من جديد!

وما أكثر المواطن التي أسقطت فيها العقول ورفعت فيها الأحذية، وليس المجال مجال استقصائها ولكن نكتفي بما أشرنا! آملين أن يأتي على أمتنا يوم تنزل فيه الأحذية منازلها وترفع فيه العقول إلى مواضعها!

توضيح ختامي
قد يجد القارئ الكريم فيما خططت ميلا على الجانب المصري أكثر من الجانب الجزائري، ولكن مرد ذلك إلى أنني كنت بالقاهرة في تلك الأيام حيث وصلتها بعد نهاية مقابلة القاهرة بساعات قليلة وغادرتها بعد ثلاث أيام من مقابلة الخرطوم وعايشت الحملة الإعلامية التعبوية حتى أصابتني بالصداع! واستغربت كيف استطاع الإعلام أن يستخف بعقول الناس ويحشدهم كل ذلك الحشد!
وقد تابعت الإعلام الجزائري قدر استطاعتي ولم أجد غير بعض جرائد ولغت في الفتنة ولكن ليس بالحجم والقدر الذي فعلته وسائل الإعلام المصرية! حيث شاركت جلها، رسمية و"خاصة" وزايدت على بعضها في الوطنية "الكروية"! ... وأصبح الذين قزّموا مصر وروضوها وقلموا أظافرها ونزعوا أنيابها! يذكروننا "بمصر الكبرى" و"مصر العظيمة" ومصر التي لا يقبل من أحد أن يستخف بها وبعظمتها أو يستهين بدورها! ... وليته كان كلام حق لا يراد به باطل!

في مصر شعب طيب جله شغلته لقمة العيش فلم يُسمع له ركزا، وبعضه استُخِفَّ وأوتي من ثغرة حبّه لمصر وشوقه للانتصارات وإن كانت وهمية!
كما أن في مصر من النخبة رجال ونساء عقلاء وإعلاميون وأساتذة كبار تكلموا ونبهوا للكارثة ولكن أصواتهم كانت خافتة وسط الهدير الصاخب المستخف بالعقول الناطق بالسخف والإبتذال وما أتيح له من وسائل لم تتح لغيرهم من العقلاء.
وفي الجزائر أيضا شعب طيب ونخب عاقلة ولكن العقل يغيب إذا تعلق الأمر ب "الحقرة" ... وقد لا تكون!

أنا مصري ويشرفني أن أكون حتى آخذ على يد كل مصري تأخذه العزة بالباطل، وأقف في وجه كل متعصب يهاجم مصر وشعب مصر ويخلط بين بين مصر وحكام مصر وبعض إعلامييها الفاسدين!
وأنا جزائري ويشرفني أن أكون حتى آخذ على يد كل جزائري تأخذه العزة بالباطل، وأقف في وجه كل متعصب يهاجم الجزائر وشعبها وشهداءها الأبرار!

"يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم "!
دعوها فإنها منتنة!


(1) مصطلح جزائري يفيد الإحتقار
(2) يمكن الرجوع إلي تقرير الطاهر المرضي مراسل الجزيرة من الخرطوم ليلة المقابلة

(بعض الروابط لما ذكرت)
http://www.youtube.com/watch?v=H2liF63R5D8&feature=related

http://www.youtube.com/watch?v=UsgUFHVLwjs

http://www.algeriatimes.net/news/algernews.cfm?ID=2868

* قصيد لبحري العرفاوي هذا نصه:

هدفٌ.... هدفْ

الإهداء: إلى الشعبين العظيمين في مصر والجزائر

"وتعظمُ في عين الصغير الصغائرُ وتصغرُ في عين العظيم العظائمُ "
أبو الطيب المتنبي

كلما اهتزتْ شِباكٌ ب "هدفْ"
صفق الجمهورُ غنى... وهتفْ:
إنهُ فوزٌ مُبينٌ
وانتصارٌ للشرفْ
إنهُ مجْدٌ يُشادُ
فوق عُشبٍ
بحذاءٍ.... وكتفْ
÷÷÷÷÷÷÷÷÷÷
كلما ركض بجلدٍ راكضٌ
خفق الفؤادُ ... وارْتجفْ
وتسمرتْ في الأرض حينا أعْيُنٌ
وتشوّفتْ في الجوّ حينا تكتشفْ
وتعالتِ الصّيْحاتُ في جبهاتها
وتجنّد الإعلامُ... وازدانتْ صُحُفْ
حرْبٌ إذنْ
سنخوضها.... بشهامةٍ
وسنمسحُ عار العُروبةِ
في جنينَ.... وفي النجَفْ
حرْبٌ إذنْ
هذي "الجُيُوشُ" نُعِدّها
مُذ ْ كمٍ سنينَ ل"تنهزمْ"؟
ونُعيدُها من غير "خُفْ"؟
سنُعِدّها لمعارك أخرى إذنْ
وسنعترفْ:
لا شئ يُشغلنا... ولا أطفالنا
عن لعْبة "ركل الهواءْ"
وعن التسلي بالتحفْ
حربٌ إذنْ
ها الوهْمُ يطفحُ عاليًا
والأرضُ تحتنا ترتجفْ

طه البعزاوي
3 ديسمبر 2009


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.