لكأنه يُشاهدها ويحسب انفاسها وحركاتها وهو يكتب نصه عن الملكة شجرة الدّر... ولكأنها هي جربت كل المنافذ والامكانات لتلملم ما اكتنزت به منذ نعومة كبريائها فتنثره شُهبا للغة، وينازك للحرية فوق ركح «حرّ» في ابعاده الافقية بالاساس. لكأنهما سارا طويلا في اتجاهات متقاطعة ليلتقيا في نقطة خارقة ومارقة عن مسار متشابه الخطاب والاخراج، مساره لا يستقيم الا بالمكرور المعاد والحديث المبتذل في أغلبه... تقاطعا والتقيا بالنهاية في «امرأة»، حيث جاء هو مُثخنا بنصه الآبق عن السرب الحبري المتآكل، وانتصبت هي فوق ركحها الطافح بالايحاءات والدلالات الكامنة في احشاء المطلق، فكرة وزمنا. ..هو ذا لقاء «إمرأة»، المسرحية التي جمعت بين الكاتب عز الدين المدني والمسرحية زهيرة بن عمار، انطلقا من شخصية «شجرة الدّر» لينفتحا على فكرة واحدة متعددة، اختزلتها انا في ان كل امرأة هي بالضرورة آلهة خصب وحياة... والتكثيف، كان الآلية الاكثر ملائمة لمثل نصه ولمثل تصورها المسرحي، اذ سيكتشف كل من سيشاهد مسرحية «امرأة» تلك القدرة العجيبة على تكثيف النص من قبل كاتبه، وتلك الحنكة الركحية لدى الممثلة زهيرة بن عمار على تكثيف كل المستلزمات الركحية والاخراجية التي تخيرتها لانجاز المسرحية، فالضوء والموسيقى والحركة وعدد الشخوص والنطق والملامح والتوزيع البصري لحضور الممثلين، اتسمت كلها بسمة التكثيف لتنجح في تفجير كل الدلالات والاحالات الممكنة والمستعصية التي أراد الكاتب عز الدين المدني الافصاح عنها... ولئن سيختلف المشاهدون لهذه المسرحية حول تصنيفها، وقد ينقسمون الى شقين، فمنهم من سيصنفها ضمن المسرح التاريخي وربما سيصنفها القسم الثاني ضمن المسرح التجريدي، وهذا واردٌ، غير انني، انا كمشاهد، لم استطع تصنيف مسرحية «امرأة» لا في الخانة الاولى ولا في الثانية لاعتبارين اثنين، الاول اني ارفض التصنيف والتحقيب على ضرورته في بعض الاحيان، وثانيا لأني اعتبرت مسرحية «امرأة» نصا واخراجا، حداثية بكل المقاييس، لايماني بأن الحداثة هي لحظة مكاشفة حقيقية قد تأتي في القرن الاول وقد نفتقدها في القرن العشرين... والدليل على ذلك موضوع المسرحية ومداره الرئيسي: المرأة، واعتقد ان «الصعوبات» التي ستواجه المتقبل اثر مشاهدة مسرحية «امرأة» ستأكد ان الحداثة ذهنية قبل ان تكون «امتيازا» لانسان ما بعد القرن العشرين مثلما يتصور اغلب الناس. للاشارة شارك في هذا العمل المسرحي الى جانب عز الدين المدني كاتبا وزهيرة بن عمار مخرجة وممثلة ودراماتورجيا، شارك قيس رستم (سينوغرافيا) وسميرة جبابلية (تصميم رقصات) ومارتين قفصي (تصميم ملابس) ومولدي عرعار (انارة) والممثلتين ايمان مبروك وساندرا بن شيخة.