" في حين تتسابق الجيوش في مختلف أنحاء العالم... " في حين تتسابق الجيوش في مختلف أنحاء العالم إلى التسلح وتحلم بتحقيق انتصارات على أعداء حقيقيين أو خياليين.. يحقق الجيش التونسي انتصارات ساحقة على الصحراء". بهذه العبارة، استطاع عضو مجلس الشيوخ الأمريكي "De Lacote" تلخيص نجاح المؤسسة العسكرية في مواجهة الصحراء القاحلة بمنطقة رجيم معتوق وتحويلها من منطقة صحراوية كانت خالية باستثناء بعض الرحل ومعتقل سياسي إلى منطقة آهلة بالسكان تتوفر فيها حاجيات العيش ومشروع فلاحي يدرّ أرباحا هامة على أهالي المنطقة والبلاد بشكل عام. فمشروع رجيم معتوق انطلق إثر استكشاف باطن الأرض سنة 1972 حيث تمّ العثور على كميات هائلة من المياه على عمق 350 مترا قدّرت حصة المنطقة منها ب2000 ل/ث مما يخول إحداث 2500 هكتارا من واحات النخيل، وتمّ تقسيم تنفيذه إلى 3 مراحل أساسية: 1 مرحلة تجريبية ب3000 هكتارا: 1984 - 1987. 2- القسط الأول 1152 هكتارا: 1990 - 2001. 3- القسط الثاني 1008 هكتارا: 2002 - 2015. وفي هذا السياق، تمّ إحدث ديوان تنمية رجيم معتوق، وهي مؤسسة عمومية لا تكتسي صبغة إدارية وتعمل تحت إشراف وزارة الدفاع الوطني، وذلك بموجب القانون عدد 145 المؤرخ في 31 ديسمبر 1988. ويتولى الديوان إحداث واحات نخيل تمسح 2500 هك (منها 300 هك تمّ إنجازها كمرحلة تجريبية قبل إحداث الديوان)، لفائدة المتساكنين الرحل بمنطقة رجيم معتوق قصد تركيزهم وتحسين ظروف عيشهم. أما أهداف هذا المشروع، فتتمثل أساسا في: - تركيز السكان الرحل بمنطقة المشروع وتحسين ظروف عيشهم - الحد من النزوح خارج المنطقة - إحداث مواطن شغل جديدة بالمنطقة - تخفيف الضغط على الواحات القديمة بجهتي نفزاوة والجريد - الزيادة في الإنتاج الفلاحي وخاصة "دقلة النور" القابلة للتصدير ب 20 ألف طن - أهداف بيئية تتعلق ب: * مقاومة التصحر من خلال إحداث حزام أخضر ضد زحف الرمال * خلق مناخ واحي بمنطقة المشروع * القيام بتجارب على فصائل نباتية وحيوانية تتأقلم مع المنطقة. هذا وقد أوضح مدير ديوان تنمية رجيم معتوق العميد فتحي شقشوق، خلال زيارة ميدانية لعدد من وسائل الإعلام الوطنية للمنطقة، أن القسط الأول من المشروع (1990 - 2001) أنجز ضمن اتفاقية تعاون بين تونس والاتحاد الأوروبي وإيطاليا، تمثل في هيئة وغراسة 1152 هك من واحات النخيل وصيانتها مدة 5 سنوات وإنشاء المرافق الاجتماعية اللازمة لفائدة المنتفعين ثمّ تسليمها إلى وزارة أملاك الدولة والشؤون العقارية بالتنسيق مع ولاية قبلي على المستفيدين بمعدل 1.5 هك (159 نخلة منها 139 دقلة) مع مسكن. وموّل المشروع كلّ من تونس بمبلغ قيمته 10 مليون دينار والاتحاد الأوروبي ب 15 مليون دينار وإيطاليا ب7 مليون دينار. وقد تمّ خلال هذا القسط الأول حفر 17 بئرا منها 13 للاستغلال و4 لمراقبة المائدة المائية، علاوة على إحداث قريتين بمنطقة رجيم معتوق وهما قرية الفردوس وقرية النصر، اللتان تضمان 768 مسكنا ومدرستين ومستوصفين وجامعين وحديقتي أطفال و4 مجامع مائية. وأبرز العميد شقشوق أنه خلال تقييم القسط الأول سنة 2002 تبيّن أن نسبة المقاسم المنتجة كانت دون المستوى المطلوب وأن نسبة استقرار المنتفعين بمنطقة المشروع بلغت تقريبا 40 بالمائة، الأمر الذي دفع وزارة الدفاع إلى القيام ببرنامج استصلاح، حيث تمّ إنجاز طريقة الري الانسيابي المحسن على كلّ المقاسم (1152 هك)، وهو ما من شأنه التخفيض في كميات المياه المستهلكة عند ري النخيل بنسبة 30 إلى 50 بالمائة وتقريب الدورة المائية، كما تمّ تعويض الغراسات الميتة وتكثيف الحماية وطرح الأرضية وردم المقاسم)، مما أدى إلى تحسين مستوى إنتاج المقاسم التي بلغت حوالي 80 بالمائة من المقاسم طور الإنتاج. أما على مستوى المنتفعين بالمشروع، فقد وقع تمكين المنتفعين من منحة شهرية وذلك طبقا لكراس شروط حتى دخول المقسم طور الإنتاج لضمان معيشة المنتفع، وتمكينهم كذلك من البذور والأسمدة وبعض المعدات الفلاحية، إلى جانب المتابعة الميدانية اليومية للمقاسم وتقييمها دوريا. وتمّ كذلك تفعيل العمل الجمعياتي من خلال تركيز مجمعات ذات مصلحة مشتركة والقيام بالتكوين والإرشاد المستمر وذلك ببعث خلية قارة الغرض، وقد فاقت نسبة الاستقرار 80 بالمائة. وفي ما يتعلق بالقسط الثاني من المشروع (2002 - 2015)، الذي بلغت قيمة تمويله 64.880 مليون دينار وساهمت فيه تونس (35.130 مليون دينار) وإيطاليا (29.750 مليون دينار)، فقد تمّ إحداث 1008 هك من واحات النخيل تتكون من 696 مقسما فلاحيا، بالإضافة إلى مد شبكة الري وحماية المقاسم، فضلا عن بناء قريتين جديدتين وهما قرية الأمل وقرية السلام اللتان تضمان 531 مسكنا وإنشاء المرافق الاجتماعية اللازمة المتمثلة في مدرسة ومستوصفين وجامعين ودار شباب و4 مجامع مائية ومقهيين ومحلين تجاريين. ويتمّ حاليا العمل على بناء 42 مسكنا ومدرسة مع مسكن وظيفي ومشروع مياه النز لواحتي الأمل 1 والأمل 2. وتمّ أيضا إحداث لجنة تونسية إيطالية تتولى الإشراف والتقييم لمختلف مكونات المشروع والموافقة على برنامج العمل السنوي والميزانية. كما وقع أيضا في إطار تحسين القسط الثاني من المشروع طرح الأرضية وتكثيف الحماية من خلال تقسيم المقسم إلى 6 أجزاء وحماية كلّ جزء عوضا عن حماية المقسم كاملا من الخارج فقط، وإجراء تحسينات على مستوى المساكن (المساحة المغطاة 68 متر مربع عوضا عن 45 متر مربع في القسط الأول)، علما وأن عدد سكان منطقة رجيم معتوق يبلغ حاليا حوالي 7000 متساكن. وتمّ أيضا تعميم طريقة الري الانسيابي المحسن وتكثيف الغراسة (230 نخلة/ مقسم عوضا عن 159 في القسط الأول) وإقرار تسليم المقاسم للمنتفعين بعد الغراسة مباشرة. كما وقع إحداث حزام أخضر من الواحات على طول 25 كلم للحد من زحف الرمال. نجاح هذا المشروع الذي تشرف عليه وزارة الدفاع الوطني يبرز بشكل خاص في نسبة إنتاج التمور والعائدات التي حققها حيث أفاد مدير ديوان تنمية رجيم معتوق بأنه في أكتوبر 2016 تمّ إنتاج 14000 طن من دقلة النور و1000 طن من الأصناف المختلفة، وهو ما يمثل 70 بالمائة الهدف الذي وقع تحديده في المشروع. ويوفر هذا الإنتاج مدخولا يقدّر ب28000 دينارا أي ما يعادل 28 بالمائة من كلفة المشروع. ويطمح هذا المشروع الذي استطاع تحقيق نجاح مبهر رغم مضي وقت ليس بطويل على تنفيذه فعليا، إلى التشجيع على تركيز المستثمرين الخواص لاستغلال مياه "النز" لزراعة الأعلاف والأعشاب الطبية وتربية الأسماك وإدراج المنطقة في منظومة السياحة الصحراوية. كما يسعى إلى التركيز على البحث العلمي الواحي الذي يهم المجالات التالية: - طرق الري والاقتصاد في المياه - تنويع الغراسات وإدماج أصناف جديدة - استغلال فواضل النخيل في الأعلاف والأسمدة - زراعة الأنسجة - الميكنة: التقليم، التلقيح، التدلية، التغليف وجمع الصابة. كما يهدف المشروع إلى استغلال الطاقة الشمسية لضح المياه من الآبار ، إلى جانب التنمية المحلية المتعلقة بتحسين ومد شبكة الطرقات، وتعزيز المرافق الصحية، وتوفير وسائل النقل، وتحسين شبكة الاتصالات.