عاجل/بعد التحقيق معهما: هذا ما تقرر في حق الصحفية خلود المبروك والممثل القانوني ل"IFM"..    هام/ بشرى سارة للمواطنين..    ماذا يحدث في حركة الطيران بفرنسا ؟    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    شهداء وجرحى في قصف صهيوني على مدينة رفح جنوب قطاع غزة..#خبر_عاجل    بطولة مدريد للماسترز: اليابانية أوساكا تحقق فوزها الأول على الملاعب الترابية منذ 2022    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    الترجي يطالب إدارة صن داونز بالترفيع في عدد التذاكر المخصصة لجماهيره    كأس ايطاليا: أتلانتا يتغلب على فيورينتينا ويضرب موعدا مع جوفنتوس في النهائي    اليوم: عودة الهدوء بعد تقلّبات جوّية    شهادة ملكية لدارك المسجّلة في دفتر خانة ضاعتلك...شنوا تعمل ؟    قفصة: تورط طفل قاصر في نشل هاتف جوال لتلميذ    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لهذه الأمراض بسبب لسعة بعوض.. علماء يحذرون    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    خلال لقائه الحشاني/ سعيد يفجرها: "نحن مدعوون اليوم لاتخاذ قرارات مصيرية لا تحتمل التردّد"    كتيّب يروّج للمثلية الجنسية بمعرض تونس للكتاب..ما القصة..؟    "تيك توك" تتعهد بالطعن على قانون أميركي يهدد بحظرها    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تركيا ستستخدم الذكاء الاصطناعي في مكافحة التجسس    قفصة: عمّال بشركة نقل المواد المنجمية يعلقون إضراب الجوع    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    بعد أزمة الكلاسيكو.. هل سيتم جلب "عين الصقر" إلى الدوري الاسباني؟    قرار جديد من القضاء بشأن بيكيه حول صفقة سعودية لاستضافة السوبر الإسباني    "انصار الله" يعلنون استهداف سفينة ومدمرة أمريكيتين وسفينة صهيونية    سعيد: لا أحد فوق القانون والذين يدّعون بأنهم ضحايا لغياب الحرية هم من أشدّ أعدائها    اتحاد الفلاحة ينفي ما يروج حول وصول اسعار الاضاحي الى الفي دينار    القبض على شخص يعمد الى نزع أدباشه والتجاهر بالفحش أمام أحد المبيتات الجامعية..    أخبار النادي الصفاقسي .. الكوكي متفائل و10 لاعبين يتهدّدهم الابعاد    في معرض الكتاب .. «محمود الماطري رائد تونس الحديثة».. كتاب يكشف حقائق مغيبة من تاريخ الحركة الوطنية    ماذا في لقاء رئيس الجمهورية بوزيرة الاقتصاد والتخطيط؟    ل 4 أشهر إضافية:تمديد الإيقاف التحفظي في حقّ وديع الجريء    هام/ الخطوط التونسية تغير برنامج 16 رحلة بداية من الغد    وفد من مجلس نواب الشعب يزور معرض تونس الدولي للكتاب    المرسى: القبض على مروج مخدرات بمحيط إحدى المدارس الإعدادية    دوري أبطال إفريقيا: الترجي في مواجهة لصنداونز الجنوب إفريقي ...التفاصيل    هذه كلفة إنجاز الربط الكهربائي مع إيطاليا    عاجل/ الاحتفاظ بأحد الاطراف الرئيسية الضالعة في احداث الشغب بالمنيهلة والتضامن    QNB تونس يحسّن مؤشرات آداءه خلال سنة 2023    الليلة: طقس بارد مع تواصل الرياح القوية    رئيس الحكومة يدعو لمتابعة نتائج مشاركة تونس في اجتماعات الربيع 2024    عاجل/ جيش الاحتلال يتأهّب لمهاجمة رفح قريبا    فيديو صعود مواطنين للمترو عبر بلّور الباب المكسور: شركة نقل تونس توضّح    تونس: نحو إدراج تلاقيح جديدة    ممثل تركي ينتقم : يشتري مدرسته و يهدمها لأنه تعرض للضرب داخل فصولها    هوليوود للفيلم العربي : ظافر العابدين يتحصل على جائزتيْن عن فيلمه '' إلى ابني''    اسناد امتياز استغلال المحروقات "سيدي الكيلاني" لفائدة المؤسسة التونسية للأنشطة البترولية    المنستير: افتتاح الدورة السادسة لمهرجان تونس التراث بالمبيت الجامعي الإمام المازري    نحو المزيد تفعيل المنظومة الذكية للتصرف الآلي في ميناء رادس    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    تحذير صارم من واشنطن إلى 'تيك توك': طلاق مع بكين أو الحظر!    الناشرون يدعون إلى التمديد في فترة معرض الكتاب ويطالبون بتكثيف الحملات الدعائية لاستقطاب الزوار    السيطرة على إصابات مرض الجرب المسجلة في صفوف تلامذة المدرسة الإعدادية الفجوح والمدرسة الابتدائية ام البشنة بمعتمدية فرنانة    دراسة تكشف عن خطر يسمم مدينة بيروت    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    أولا وأخيرا .. الله الله الله الله    مصر: غرق حفيد داعية إسلامي مشهور في نهر النيل    بعد الجرائم المتكررة في حقه ...إذا سقطت هيبة المعلم، سقطت هيبة التعليم !    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عرض"الكترو بطايحي" في افتتاح أيام قرطاج الموسيقية : إنما الموسيقى ثورة وخلق
نشر في حقائق أون لاين يوم 01 - 10 - 2018

لا معنى للواقع، إن لم يُبعث في روح كيان ما يولد من رحمه ولكنه لا يشبهه كثيرا، كيان قد يكون كلمة أو لحنا، ولا معنى له إن لم تقم ثورة على أعتابه، ثورة قد تكون تعبيرا فنيا حاد عن المألوف، تعبيرا يصنع من الاختلاف تناغما.وليس من اليسر أن ترضى بالواقع على ماهو عليه ولكنّ الأصعب أن تنشئ معنى آخر لهذا الواقع مغاير له ولكنه يضل من سلالته، ينهل منه ولا سير معه على نفس الاستقامة.

ان تدني صدفة بحرية من أذنك وتستمع إلى بوح أعماق البحار، قد يبدو لك أمرا بسيطا فهو لن يتطلب منك سوى لحظات من الإنصات، تعقبها سكينة روحية، ولكن هل فكّرت كم سيبدو الأمر صعبا لو حاولت أن تنقل تلك الاسرار الشفافة لغيرك، يبدو الامر متشابها إذا ما أصغيت للريح تداعب حبات الرمل في الصحراء فينبعث لحن شبيه بأنفاس عاشقين تواصلا بعد هجر، سيطربك الصوت وترتخي وتملأ داخلك به ولكن هل تستطيع ان تترجمه بأمانة.

الفنّان الحق، الذي يرى الموسيقى عملية خلق وحده القادر على التعبير عن الواقع بكل الزخم الصوتي الذي يحمله في ثناياه ويحول تفاصيله الأخرى إلى أصوات، هو قطعا لن ينقل الواقع كما هو، بل سيبوح به بفلسفة عميقة، كتلك التي استند عليها الموسيقي زياد الزواري في عرض "الكترو بطايحي" الذي افتتح أيام قرطاج الموسيقية، وكان مسرح الاوبرا بمدينة الثقافة مكانا لميلاد توليفة موسيقية جديدة للموسيقي، عملية خلق انبنت على فلسفة الاختلاف والتنوع.

"الكترو بطايحي" عرض تونس الحالمة

عرض "الكرتور بطايحي" للموسيقي زياد الزواري، وجه من وجوه تونس الحالمة، تونس التنوع والاختلاف والهوية والأصالة، تونس المنفتحة على التلوينات، هو عرض، تنبعث منه أصوات الرياح إذ عزفت ألحانها في أعالي الجبالي أو في عمق الصحراء، ويعبق برائحة أنفاس تونس من شمالها إلى جنوبها.

عائدة النياتي من تستور، وعبد الحق بصير من قابس، وماطر، وألفة الحمدي من منزل بوزيان، وإسلام الجماعي مدنين ومحمد أمين خالدي من قبلي ومحمد البرصاوي من تونس، وعدلي الناشلي من نابل، وسيف التبيني من زغوان بثوا رسائل من جهاتهم على شاكلة كلمات وألحان، شاركوا في رسم لوحة لوطن مداده الحب والحلم والهويةّ المنفتحة على عوالم الجمال.

بوَصلة " بريك" سافر العرض بالجمهور إلى أعماق تونس الحالمة، تونس التاريخ والهوية، تونس الأصالة والموروث الثقافي، انسابت نوتات الكمان وديعة عذبة كالنسيم المتسلّل من بين أزقة المدن العتيقة، نوتات تترجم كل الزخم الاجتماعي في الأحياء الشعبية، تعكس بارتفاع نسقها وانخفاضه كل مظاهر الانفعلات والتفاعلات الاجتماعية.

حديث الموسيقى

في عرض " الكترو بطايحي" سكت الكل وتحدّثت الموسيقى، نقلت قصصا منسية من الشمال إلى الجنوب، وآهات وضحكات وجنون وعبث، برؤية فنية جديدة زاوجت بين الأصالة والحداثة، حافظت على خصوصية الموروث التونسي واستلهمت من الأنماط الموسيقية العصرية.

وتسرّبت من حنجرة "عايدة النياتي" آهات من قلب المغارات، لتردّ عليها نغمات الناي إذ يبث فيها "صليح الجبالي" حكايات تونسية الهوى، ترافقه خلجات روح زياد الزواري التي تكتبها أنامله على كمانه،وكحبيب يسرّ إلى حبيبته بكلمات الحب داعب غسان الفندري غيتاره، فكانت النغمات عنوانا للحلم والامل.

ومن عمق الصحراء انبعثت النغمات البدوية، وتعانقت النوتات في حوار ثنائي بين كماني زياد الزواري وعدلي الناشلي، وتعانقت أصوات عائدة النايتي واسلام الجامعي حتّى توحّد الشمال والجنوب في الآهات الصادرة من حنجرتيهما، وينبعث في الأثناء صوت عماد توينلو محدثا إيقاعات "بيتبوكس"، وكأنّه يقول إنّ الاختلاف عنوان تنوّع وثراء.

وما أجمل حديث الموسيقى حينما تحكيه آلة السنطور التي عزفت عليها ألفة حمدي تلحينا جديدا بعنوان " بوزيّان"، والسنطور آلة تشبه القانون ترسل نغمات عذبة تحاكي عزف الكون، نغمات رافقها صوت العازفة وهي تصدح بأغنية تراثية بتوزيع موسقي جديد، كانت خامة صوتها عميقة جدا كنظرة الامل في عين أعين عجوز زينت التجاعيد وشمها.

إنشاد على مذهب "السطمبالي" و"البيتبوكس"

وعلى إيقاع طابع الإصفهان، انسابت نغمات الناي متحرّرة مفعمة بالحنين والشجن، وكان لارتفاع صوت الطبل وقع أقدام الفلاحين إذا ارتطمت بأديم الأرض، قبل أن تنبعث الأصوات منشدة " يا مصطفى"، على إيقاع صوت " الشقاشق" التي يهزّها عبد الحق بصير معلنا الحرّية دينا، وفي الأثناء لا ينقطع "البيتبوكس".

وإلى جانب آلة السنطور التي تنبعث منها نغمات هادئة وديعة، عزف محمّد البرصاوي على آلة "الديدجيريدو"، وهي آلة نفخ أسترالية قديمة تأخذك إلى عوالم الغابات الاستوائية حيث لا صوت إلا صوت الله متجلّيا في تفاصيل الطبيعة، آلة تحدث صوتا هرمونيا إيقاعيا، يتبعه شعور روحاني يحوم على مقطوعة " هندي تالة.

الفنّ رسالة والتزام

ولأن الفن رسالة والتزام فإنّ عرض "الكترو بطايحي" قدّم رؤية نقدية للثورة التونسية في مقطوعة بعنوان " زعمة ثورة" ، قد يبدو لك العنوان مستفزا وصادما في البدء، ولكنّه يحاكي واقعا سياسيا يتّسم بالغموض وإذا ما أنصت بإمعان للنغمات والنوتات، فستتتجلى لك الأحداث التي عاشتها تونس في الفترة الممتدّة بين 17 ديسمبر 2010 و14 جانفي 2011 ، كل مشاعر الحيرة والشكّ والترقّب سكبها الزواري في قطعة موسيقية راوحت بين "الصخب" والهدوء، وأضفت عليها إيقاعات " البيتبوكس" لمسة واقعية إذ بدت محاكاة لحالة الغليان التي شهدتها الشوارع في تلك الفترة.

الرؤية الإخراجية.. زينة عرض "الكترو بطايحي"

ولأنّ الإخراج جانب لا يقل أهمية عن محتوى العروض الموسيقية والمسرحية في حدّ ذاتها، فإن عرض "الكترو بطايحي" لم يغفل هذا الجانب، الذي أشرف عليه حسام الساحلي.والأصل في العروض الموسيقية هي الحكاية أو الرسالة التي أراد عرّاب العرض تبليغها، وما أجمل الحكاية حينما تُسرد وفق سلسلة من الصور.
أضواء بألوان مختلفة تماما كالتلوينات الموسيقية للعرض، أنشأت خطابا بصريا يدّ متابع العرض ويربطه بتفاصيل العرض، والأضواء والصور المتغيّرة في الشاشة خلف الركح مزجت بين البعد الاستيتقي والرمزي من خلال المضامين التي تحملها، كما أنها مثّلت مؤثرات ذهنية وعاطفية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.