جامعة تونس المنار تحرز تقدما ب40 مرتبة في تصنيف QS العالمي للجامعات لسنة 2026    عاجل/ الاحتلال يعلن اغتيال قائدين بارزين في الحرس الثوري الإيراني..    عاجل/ ترامب يمهل ايران أسبوع لتفادي الضربات الامريكية المحتملة..    توقيع اتفاقية قرض بقيمة 6,5 مليون أورو لإطلاق مشروع "تونس المهنية"    وزير السياحة يؤكد ادماج جميع خريجي الوكالة الوطنية للتكوين في مهن السياحة    عاجل/ الداخلية الليبية تؤكد تعرض عناصرها الأمنية لهجوم مسلح داخل طرابلس..    هل يحل الذكاء الاصطناعي محل الأطباء النفسيين؟    اليوم: أطول نهار وأقصر ليل في السنة    القصرين: بطاقات إيداع بالسجن في قضية غسيل أموال مرتبطة بالرهان الرياضي    وفاة بريطانية بعد إصابتها بداء الكلب في المغرب    عاجل/ أول تعليق من المنصف المرزوقي على الحكم السجني الصادر ضده..    اليوم: عمليات جراحية مجانية لفائدة أكثر من 800 مريض تونسي    وزير الخارجية التركي يحذر من تداعيات التصعيد المتواصل بين إسرائيل وإيران    رئيس المخابرات الأمريكية الأسبق: الولايات المتحدة ستغرق إذا ضربت إيران    اكتمال النصاب القانوني وانطلاق أشغال الجلسة العامة الإنتخابية    طقس السبت: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    وزارة الثقافة تنعى فقيد الساحة الثقافية والإعلامية الدكتور محمد هشام بوقمرة    الفنان أحمد سعد يتعرض لحادث سير برفقة أولاده وزوجته    الزيت البيولوجي التونسي ينفذ إلى السوق الأمريكية والفرنسية بعلامة محلية من جرجيس    مدنين: اختصاصات جديدة في مهن سياحية وانفتاح على تكوين حاملي الإعاقة لأول مرة    طقس السبت.. ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    الوجهة السياحية جربة جرجيس الأولى وطنيا وتوقعات بتسجيل أكثر من مليون زائر    كأس العالم للأندية: يوسف البلايلي أبرز المتغيبين عن مواجهة تشلسي    معركة شرسة بمحيط ترامب بين المؤيدين والمعارضين لضرب إيران    طقس اليوم السبت: أجواء صيفية مستقرة على كامل البلاد    ردّ فعل رسمي وعاجل من وزارة الخارجية بعد العثور على جثة عبد المجيد الحجري بستوكهولم    اليوم: الإنقلاب الصيفي...ماذا يعني ذلك في تونس؟    إغتيال قائد لواء المسيّرات الثاني بالحرس الثوري الإيراني    الانقلاب الصيفي يحل اليوم السبت 21 جوان 2025 في النصف الشمالي للكرة الأرضية    بايرن ميونخ يفوز على بوكا جونيور و يتأهّل إلى ثمن نهائي كأس العالم للأندية (فيديو)    أسرة عبد الحليم حافظ تُقاضي مهرجان "موازين" الدولي بالمغرب    كأس العالم للاندية.. الترجي ينتصر على لوس انجلوس الامريكي    وزير الاقتصاد.. رغم الصدمات تونس لا زالت جاذبة للاستثمارات    في اختتام مهرجان « Bhar Lazreg Hood» منطقة البحر الأزرق .. معرض مفتوح لفن «الغرافيتي»    بين طموح التميز وشبح الإقصاء .. النموذجي... «عقدة » التلاميذ !    "الستاغ" تعتذر من حرفائها..وهذه التفاصيل..    باجة: نسبة تقدم الحصاد بلغت 40%.    الأحد: فتح المتاحف العسكرية الأربعة مجانا للعموم بمناسبة الذكرى 69 لانبعاث الجيش الوطني    السبت 21 جوان تاريخ الانقلاب الصيفي بالنصف الشمالي للكرة الأرضية    صحتك النفسية فى زمن الحروب.. .هكذا تحافظ عليها فى 5 خطوات    عاجل : أزمة جديدة تلاحق محمد رمضان    ارتفاع لافت في مداخيل السياحة وتحويلات التونسيين بالخارج... مؤشرات إيجابية للاقتصاد الوطني    ارتفاع درجات الحرارة يسبب صداعًا مزمنًا لدى التونسيين    وزير السياحة: طلب كبير على طبرقة عين دراهم...التفاصيل    عاجل/ العامرة: إزالة خامس مخيّم للمهاجرين يضم 1500 شخصا    منصّة "نجدة" تساعد في انقاذ 5 مرضى من جلطات حادّة.. #خبر_عاجل    منتدى الحقوق الاقتصادية يطالب بإصلاح المنظومة القانونية وإيجاد بدائل إيواء آمنة تحفظ كرامة اللاجئين وطالبي اللجوء    التشكيلة المحتملة للترجي أمام لوس أنجلوس    "ليني أفريكو" لمروان لبيب يفوز بجائزة أفضل إخراج ضمن الدورة 13 للمهرجان الدولي للفيلم بالداخلة    المنتخب التونسي للكرة الطائرة يختم تربصه بإيطاليا بهزيمة ضد المنتخب الايطالي الرديف 3-1    عاجل/ عقوبة سجنية ثقيلة ضد الصّحبي عتيق في قضية غسيل أموال    ''التوانسة'' على موعد مع موجة حرّ جديدة في هذا التاريخ بعد أمطار جوان الغزيرة    بطولة برلين : من هي منافسة أنس جابر اليوم الجمعة ؟    كاس العالم للاندية : ريال مدريد يعلن خروج مبابي من المستشفى    تقص الدلاع والبطيخ من غير ما تغسلو؟ هاو شنو ينجم يصير لجسمك    الأوركسترا السيمفوني التونسي يحتفي بالموسيقى بمناسبة العيد العالمي للموسيقى    ملف الأسبوع...ثَمَرَةٌ مِنْ ثَمَرَاتِ تَدَبُّرِ القُرْآنِ الْكَرِيِمِ...وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ    أمل جديد لمرضى البروستات: علاج دون جراحة في مستشفى الرابطة.. #خبر_عاجل    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بوفاة السبسي... رحل "القائد" ! ... ورحل الباجي قائد السبسي..
نشر في حقائق أون لاين يوم 25 - 07 - 2019

رحل رئيس الجمهورية الثانية... في يوم مهيب... في يوم تحتفل فيه تونس بورقيبة بذكرى غالية على قلوب كل التونسيين... ذكرى 25 جويلية 1957، تاريخ إعلان قيام الجمهورية التونسية وتحررها من هيمنة حكم البايات... سبحان الله... وكأن القدر شاء ان ينصف هذا الرجل الذي اقترن اسمه بمحطات عديدة في حياته السياسية... فكان يوم وفاته يوم عيد وطني..

الباجي قائد السبسي أو "البجبوج" كما يحلو لمريديه ومناصريه مناداته، هو كائن سياسي استثنائي... فالرجل عايش وساهم في بناء اللبنة الأولى لدولة الاستقلال مع رفيق دربه مهندس الاستقلال، وباني الدولة الوطنية،الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة. وهو من تحمل كذلك العديد من المسؤوليات وتقلد شتى المناصب في عهد بورقيبة الذي اختاره مستشارا له في مناسبات عدة وعينه على رأس وزارات سيادية في فترات حساسة جدا. ومن اخطر المناصب التي تقلدها الرجل هو رئاسته لإدارة الأمن الوطني بعد اقالة ادريس قيقة ابان المحاولة الانقلابية سنة 1963 والتي كادت تعصف بالحكم البورقيبي وربما بالجمهورية الناشئة آنذاك.

ولعل تقلده لهذا المنصب الحساس والحيوي خصوصا في تلك الفترة التي شهدت صراع "بقاء" بين بورقيبة وخصومه الذين حاولوا اسقاط حكمه وربما التخلص منه نهائيا كما حدّثَتْ به الروايات والدراسات التاريخية، مثلت "النقطة السوداء" في تاريخ الباجي قائد السبسي.

فخصومه لم يتوانوا لحظة الى حدود الايام الاخيرة من حياته في اللعب على هذا الوتر وتشويه تاريخ الرجل وحتى الدعوة الى محاكمته بتهمة تصفية خصوم بورقيبة من اليوسفيين وغيرهم. هؤلاء لم يراعوا التضحيات التي قدمها في سبيل حقن دماء التونسيين بعد ثورة 14 جانفي وخصوصا اثناء الأزمة السياسية الخانقة التي مرت بها تونس بين سنتي 2013 و 2014 بعد انسداد كل المخارج وتعطل لغة الحوار بين الترويكا الحاكمة والمعارضة المتشبثة باسقاط "النظام" خصوصا بعد النداءات المطالبة برحيل حكومة علي العريض في ما كان يعرف باعتصام الرحيل وتعكر المناخ الامني والسياسي بعد اغتيال الشهيدين شكري بلعيد ومحمد البراهمي.

الباجي قائد السبسي نزل بكل ثقله السياسي والمعنوي من أجل انقاذ البلاد من التفكك والفرقة. الرجل خبر السياسة وفنونها ومكرها وحيلها فهو امتهنها منذ ريعان شبابه في صلب الحزب الحر الدستوري الجديد مع رجال صادقين ومخلصين لوطنهم منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر. السبسي استلهم من تاريخه السياسي وخبرته في تلقي الصدمات وتجاوز الكبوات ليظهر مظهر الرجل الجامع والقادر على ان يجبر الجميع، اسلاميين وشيوعيين ووسطيين وعروبيين وقوميين على الجلوس الى طاولة الحوار.

ونجح الرجل في هذا المسعى نجاحا لافتا جعل من تونس نموذجا يحتذى. هذا الالتفاف حول قائد السبسي من قبل الجميع سياسيين ومنظمات شغيلة واعراف وحقوقيين ومجتمع مدني جعلت كل الاعين تتجه نحو "المعجزة" التونسية. ففي الوقت الذي انزلقت فيها دول ما سمي بالربيع العربي مثل سوريا ومصر واليمن وليبيا في اتون صراعات وحروب داخلية، نجحت بلادنا بفضل اعلاء لغة الحوار وبفضل حكمة وتدخل العقلاء على غرار السبسي من تجنب هذا السيناريو الكارثي... وهو ما جعل "الاب الثاني" للتونسيين بعد الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة يحظى بمكانة مرموقة وشعبية عالية لدى العديد من القادة والرؤساء في مختلف انحاء العالم.

تونس والتونسيون، لن ينسوا فضل هذا الرجل في تجنيب الوطن الانزلاق في غياهب الصراعات الداخلية وربما الحرب الاهلية بعد ان كشر الجميع عن انيابه وبعد ان لاحت عليهم بوادر الطمع والجشع وحب السلطة. السبسي، بحكمته ورجاحة عقله ودهائه ودرايته العميقة بفقه القانون وخفة روحه وقدرته الفائقة على الاقناع استطاع ان يجمع المناقضات وان يقرب وجهات النظر وان يعلو صوته ليكون صوت الحكمة في الوقت الذي تعالت فيه كل الأصوات مطالبة بحقها في السلطة.

زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي، أشد منافسي السبسي وأحد طرفي لقاء باريس الشهير، في اوت 2013, الذي جمع الرجلين ابان اشتداد الازمة السياسية، لم يخف قط اعجابه بالرجل وبحكمته. وهو لا يفوت الفرصة دائما في الاستشهاد بمواقفه وبالدعوة كلما تعرضت البلاد الى هزات سياسية الى الاستنجاد والاحتكام الى "صديقه" كما يصفه دائما. وهي شهادة ولئن رأى فيها البعض تملقا و"تقية" فانها تؤكد المكانة التي يحظى بها الرجل لدى خصومه.

هذا الاعتراف للرجل التسعيني الذي لم يفقد يوما وعيه السياسي الى حدود اللحظات الاخيرة من حياته، بمكانته السياسية ووزنه الشعبي ليس من باب الفضل ولا من باب المنة بقدر ما هو انصياع لحقيقة ثابته فرضها السبسي من خلال المسار السياسي الذي انتهجه منذ 27 فيفري 2011 تاريخ تقلده منصب رئيس الحكومة بعد استقالة حكومة محمد الغنوشي. فمنذ ذلك الوقت شرع قائد السبسي في تشييد تجربة سياسية جديدة مختلفة تماما عن سابقاتها بل وفارقة في تاريخ هذا الوطن. فكل المتابعين يؤكدون ان جميع القرارات والسياسات التي ارساها السبسي في تلك الفترة كانت لها تبعات مباشرة وانعكاسات مصيرية في تحديد المسار السياسي برمته في وطننا.

بالرغم من دخوله في مشاكل صحية اصبحت ظاهرة للعيان لم يتأثر السبسي بجميع المشاكل التي احاطت به خصوصا بعد احتدام الصراع وبلوغ القطيعة ذروتها مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي راهن عليه ذات يوم وفرضه على الجميع. ورغم بروز جبهة ممانعة قوية ترفض المراهنة على شاب اربعيني ليس له من التجارب والحنكة السياسية ما يخول له تقلد مثل هذا المنصب الحساس، الا ان "الشيخ" راهن على هذا الشاب ومنحه ثقة كبيرة... ولأن لا صداقات دائمة في السياسة فان هذه العلاقة القوية بين "الشاب الطموح" و"الشيخ الحكيم" لم يكتب لها ان تستمر وسادتها حالة من البرود الغريب ادخلت حالة من الارباك والغموض على المشهد السياسي برمته.

ورغم وفاته ومغادرته المشهد السياسي الا ان السبسي الذي كان والحق يقال مسكونا بحبه لمجد الرئاسة، ابى الا ان يكون حاضرا وان يترك بصمة في المسار السياسي من بعده. فمن خلال رفضه ختم التعديلات على القانون الانتخابي في الآجال الدستورية المحددة وفي غياب المحكمة الدستورية، ساهم قائد السبسي في خلق ازمة دستورية حادة في الوقت الذي تتستعد فيه البلاد الى الاستحقاقات الانتخابية القادمة تاركا الابواب مفتوحة على مصراعيها للتأويلات القانونية والدستورية. ولئن استهجن البعض هذا التصرف الذي اعتبروه خرقا للدستور دافع اخرون عن الرئيس الراحل مشيدين بموقفه الرافض للإقصاء وهو موقف ليس بغريب عن هذا الرجل الذي طالما آمن بالحوار كسياسة مثلى لتجاوز الخلافات.

برحيل الباجي قائد السبسي، أول رئيس تونسي منتخب بطريقة ديمقراطية وشفافة، تدخل تونس مرحلة سياسية جديدة. هي مرحلة في تقديرنا حساسة وبالغة الدقة ولكن ليست بالخطيرة كما يسوق لها البعض من الصائدين في المياه العكرة والمتعفنة. الهزات السياسية التي عرفتها بلادنا بعد الثورة وطريقة التعامل معها اثبت ان الطبقة السياسية في تونس عادة ما تتجاوز في مثل هذه المواقف اطماعها ونزواتها في سبيل المحافظة على الاستقرار والسلم الاجتماعي.
حفظ الله تونس من المتربصين ورحم الله الباجي قائد السبسي رئيس كل التونسيين.

نجاح هذا المسار الذي افضى الى بلوغ بلادنا اليوم مرحلة متقدمة من النضج على مستوى التجربة الديمقراطية خصوصا بعد صياغة الدستور الجديد والقطع نهائيا مع الفترة الانتقالية باجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية سنة 2014 جعل من السبسي رقما مهما في الحياة السياسية وتطورها. فحتى مع انفراط عقد التوافق واعلان القطيعة بين حركة النهضة وحركة نداء تونس التي أسسها الرئيس السبسي، سعى الرجل بكل دهاء الى المحافظة على شعرة معاوية حتى يجنب البلاد الدخول من جديد في مطبات سياسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.