"لن نمنحه فرصة التفرد بالحكم".. خطوة إلى الوراء ألزمها الإمبراطور السادس والستين على كتيبة النفط والدين وتجارة العمل الخيري بعد قنصها فرصة الابتزاز لتحقيق مآرب التوسّع في جنان القصبة وتغيير طبيعة الحكومة الى متحزبة. اقتحم الخبث السياسي هذه المرة المجال الاقتصادي بقوة واستبد به أيما استبداد حد ترهيب وتخويف قائد الفريق الحكومي من مصير مظلم سينتهي بسحب كل آليات التصرف في ميزانيات الدولة من الحكومة.
ووسط شكوك في قدرته على تجميع الأغلبية البرلمانية لإسقاط الحكومة، لجأ الحزام البرلماني الداعم للحكومة إلى لعب ورقة ابتزاز ضد المشيشي اعتمدت أساسا على تخويفه من سيناريو كبح عجلات التسيير الحكومي لاقتصاد البلاد وحجب ثقة البرلمان عن قانون مالية سنة 2021.
هذه المرة، طوعت أحزاب الائتلاف البرلماني الداعم للحكومة ممثلة في النهضة وحزب قلب تونس وائتلاف الكرامة قانون المالية لسنة 2021 لتحقيق أهداف سياسية واستعماله كورقة ضغط على رئيس الحكومة هشام مشيشي.
كل ذلك من أجل استجابة المشيشي لمطالب "ترويكا انتخابات 2019"، وتتعلق أساسا بتعيين أسماء من قياداتها في تركيبة الحكومة لكسب نفوذ في السلطة التنفيذية يتساوى ونفوذهم في السلطة التشريعية.
ومن يسعى لتحقيق شهواته يلجأ أحيانا لممارسة الرذيلة ليبلغ مرحلة التلذذ، إنها لذة السلطة وشهوة الحكم.
وبمرور الزمن ومع اقتراب موعد انتهاء الآجال الدستورية للمصادقة على قانون المالية، انقلب السحر على الساحر وأصبح هذا القانون سندانا فوق رؤوس ترويكا الحب المسموم، يخيفهم من توسع سلطة رئيس الجمهورية قيس سعيد في حال سقط القانون ومرت المباراة الى تفعيل الفصل السادس والستين من الدستور التونسي.
"إذا لم تتم المصادقة على مشروع قانون المالية في أجل 31 ديسمبر، يمكن تنفيذ المشروع فيما يتعلق بالنفقات، بأقساط ذات ثلاثة أشهر قابلة للتجديد بمقتضى أمر رئاسي، وتستخلص الموارد طبقا للقوانين الجاري بها العمل"، إنه بيت قصيد الفصل السادس والستين الذي أجّل مرحلة التمكين في الحكم توجسا، ودفع مكونات هذا الائتلاف البرلماني إلى مراجعة خياراته والتسريع في عملية المصادقة على قانون المالية قبل انتهاء المدة الدستورية المحددة باليوم العاشر من ديسمبر، خاصة وأن أحزاب المعارضة أرادت بدروها اسقاط قانون المالية، دون أن يتغافلوا عن تقديم الهدايا للوبيات المال والأعمال التي تمنحهم دعما ماليا في كل الاستحقاقات الانتخابية.
تم ذلك وبنجاح، صادق البرلمان على قانون المالية، وسقطت منه كل الإجراءات ذات البعد الاجتماعي وبدى ذلك واضحا وجليا من خلال إسقاط الفصول المتعلقة بذوي الإحتياجات الخصوصية والحرفيين والفلاحين، وترفيع منحة التقاعد بالنسبة للفئات الهشة ومنح امتياز جبائي للتونسيين لشراء سيارات مقابل منح امتيازات للشركات الكبرى بإدراج تخفيض ب 15% في الاداءات في قانون المالية لسنة 2021.
مكاسب سياسية مهمة، حققتها جبهة النهضة وحلفائها، أولها تجنب منح سلطة التحكم في المجال الاقتصادي لرئيس الجمهورية قيس سعيد، وثانيها رد الجميل لمن منحهم جميل التمويل المالي خلال الانتخابات، وثالثها إحراج حكومة المشيشي بمدها قانون مالية لا يتضمن أية إجراءات اجتماعية قد تُطفئ البركان والاحتقان الاجتماعي المتوقع انفجاره في كل ولايات الجمهورية.