مسار انتقالي مشوّه تشوبه جرائم فساد أنتجت شرعية مغشوشة سحبت التجربة الديمقراطية في تونس إلى مستنقع تتآكل فيه ذئاب تأكل فيه حقوقا انتفض من أجلها ملايين التونسيين، فعن أي شرعية تتحدثون؟ أُجهضت الثورة التونسية وأُعتقلت طموحات الانعتاق من التفقير والتهميش بممارسات ظاهرها ديمقراطية وباطنها فساد مقنّن يُنتج طبقة حاكمة تصدر فتاوى سياسية تُحلل المحرّم وتحرّم المشروع. في الحقيقة، وبكل صراحة لم يعد يخفى علينا ولا على أي عاقل أن الكثير من المسؤولين في تونس قد بلغوا مرحلة اللذة السياسية بأساليب ملتوية أضعفت الشرعية الانتخابية للكثير منهم وأفرزت حكومات محاطة برذاذ الجرائم المالية والأخلاقية والدينية. وحتى لا يهلّل الكثير بحب زمن الدكتاتورية، وجب التأكيد على أن العيب ليس في الديمقراطية بل في ممارسيها من معتنقي ديانة السلطة وعبادة الكراسي، فالحكم في تونس حبيس لدى الأشخاص ولا يحتكم إلى القوانين، وتوقف المسار الديمقراطي عند نشوة إحداث دستور يقطع مع قوانين خطّها زين العابدين بن علي. ولم تعد ديمقراطيتنا ناشئة بانعطافها نحو الاستيلاء على أصوات الناخبين والسطو على المبادئ المثلى للانتخابات، وهذه القراءة ليست مبنية على موقف خاص أو مجرد قراءة ذاتية بقدر ماهي مستقاة من مضامين تقارير رسمية وطنية ودولية أثبتت عودة تونس إلى مربع التزوير حبا في "التوزير". وفي بيئة ينتعش فيها الفساد، تفرّخ الاستحقاقات الإنتخابية لوبيات فساد حاكمة ترعى كل الأساليب المحرّمة قانونا وذلك ما ينطبق فعلا على المشهد السياسي الحالي في تونس الذي تتزعمه كيانات وأحزاب لم تحترم ضوابط اللعبة الديمقراطية وهي الحقيقة الكاملة التي عرّتها محكمة المحاسبات. ودحض تقرير محكمة المحاسبات المتعلق بالانتهاكات المسجلة في الانتخابات التشريعية والرئاسية لسنة 2019 شعارات النزاهة والشفافية في الاستحقاقات الانتخابية التي نُمنّي بها النفس ورفع الغطاء عن شخصيات سياسية تمتهن التحيل على قانون الانتخابات للوصول إلى سدة الحكم. تقرير صادر عن مؤسسة وطنية لا أحد يقدر على التشكيك في استقلاليتها، أثبت أن الشرعية الانتخابية التي يتباهى بها البعض مغشوشة سادتها إخلالات وخروقات تتعلق أساساً بالتمويل الأجنبي للحملة الانتخابية لعدد من المترشحين للانتخابات الرئاسية، والقائمات المترشحة للانتخابات التشريعية. أدلة وقرائن قوية أثبتتها محكمة المحاسبات تدل على أن عدداً من الأحزاب والشخصيات تعاقدت بصفة مباشرة أو لفائدتها مع شركات أجنبية، من أجل كسب التأييد، على غرار زعيم حزب "قلب تونس" نبيل القروي وأحزاب النهضة وقلب تونس الذين تعاملوا مع شركة ضغط أجنبية وهي مخالفات ترتقي إلى جرائم انتخابية تمس من نزاهة العملية الانتخابية. وهذا الفساد الانتخابي أنتج ديمقراطية فاسدة لا تَصلح ولا تُصلحُ أنهك الدولة ووضعها دون معدل 50 نقطة في مؤشر مدركات الفساد الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية، وهو ما يعكس نقصا فادحا في مقومات الحوكمة والشفافية في القطاع العام تزامناً مع التضييقات الممارسة على المبلغين عن الفساد في القطاع العام. طاعون الفساد عاينته كذلك هيئة مكافحة الفساد وبرهنت تفشيه في كل مفاصل الدولة إلى أن بلغ حد انتاج الدولة للفساد تحت غطاء شرعية انتخابية حمّالة لكل مظاهر الإجرام السياسي. هي ديمقراطية فاسدة أو ضرب آخر من ضروب الدكتاتورية المقننة التي تسلب حقوق الشعب وتصادر طموحاته في العيش الكريم ما لم يستفيق وينتفض مجددا على لوبيات المال السياسي الفاسد.