ضاعلك الباسبور؟ هكّا تتصرف بش ما تتورّطش    الدورة التاسعة للتوجيه الجامعي 'وجهني' يوم 14 جويلية الجاري بالمركب الجامعي المرازقة بولاية نابل    عاجل/ اختراق استخباراتي إسرائيلي داخل ايران يكشف مفاجآت..!    إيران تعيد فتح مجالها الجوي أمام الرحلات الداخلية والخارجية والترانزيت..#خبر_عاجل    الحرس الوطني يُطيح بمنفّذي عملية ''نَطرَ''وسط العاصمة في وقت قياسي    هل السباحة ممكنة اليوم ونهاية الأسبوع ؟..وما حقيقة الزلازل في البحر المتوسط!..    عاجل/ جريمة اقتلاع عيني امرأة من طرف زوجها: معطيات وتفاصيل جديدة وشهادة صادمة..!!    بيان مفاجئ من وزارة الأوقاف المصرية بعد وفاة ديوغو جوتا    قمة نار في مونديال الأندية: كلاسيكو، ديربي، ومفاجآت تستنى!    نابل: الحشرة القرمزية تغزو الشوارع والمنازل وتهدد غراسات التين الشوكي    الشواطئ الرملية في تونس: لماذا التيارات الساحبة أكثر نشاطًا هناك؟    نحو اقرار تخفيضات في المطاعم السياحية للتوانسة وولاد البلاد...تعرف على التفاصيل    بُشرى سارة للتوانسة: السخانة بش تبرد شوية والأجواء تولّي أرحم..بداية من هذا اليوم    فضله عظيم وأجره كبير... اكتشف سر صيام تاسوعاء 2025!"    رد بالك تغلط وتخلي الشبابك ''محلول'' في هذا الوقت ... الصيف هذا ما يرحمش!    هل'' الميكرووند'' قنبلة صامتة في مطبخك؟ إليك الحقيقة التي لا يخبرك بها أحد!    تحب الماكلة الكلها هريسة؟ صحّح المعلومة قبل ما تمرض    نيس الفرنسي يضم حارس المرمى السنغالي ديوف لمدة خمس سنوات    طقس اليوم: الحرارة في تراجع طفيف    حمدي حشاد: البحر تبدّل.. أما ما تخافوش، عوموا أما التزموا بالنصائح هاذم    جريمة مروعة: شاب ينهي حياة زوجته الحامل طعنا بالسكين..!!    .. الجزائري بلايلي يستفز الفرنسيين بعد حادثة الطائرة    أفضل أدعية وأذكار يوم عاشوراء 1447-2025    شنوة صار في مفاوضات الزيادة في القطاع الخاص.. الاتحاد يوضح    بداية من 6 جويلية 2025: شركة نقل تونس تخصص 10 حافلات خاصة بالشواطئ    عاجل/ هذا ما تقرر بخصوص اضراب الأطباء الشبان..وهذه التفاصيل..    لقاء تشاوري بين مجموعة التعاون البرلماني مع الدول غير الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وإطارات من وزارة الخارجية    المنستير: الاتحاد الجهوي للفلاحة يطالب بمد فلاحي المناطق السقوية العمومية بالجهة بكمية 500 ألف م3 من المياه للانطلاق في الموسم الفلاحي 2025-2026    تشريعات جديدة لتنظيم التجارة الإلكترونية في تونس: دعوات لتقليص الجانب الردعي وتكريس آليات التحفيز    ترامب يتوقع رد "حماس" خلال 24 ساعة على مقترح وقف إطلاق النار    روسيا تشن هجوما جويا غير مسبوق على أوكرانيا    اتصلوا بكل احترام ليطلبوا الإذن.. ترامب: سمحت للإيرانيين بإطلاق 14 صاروخا علينا    هولندا تُشدد قوانين اللجوء: البرلمان يقر تشريعات مثيرة للجدل بدفع من حزب فيلدرز    المانيا.. سباحون يواجهون "وحش البحيرة" بعد تجدد الهجمات    رسميا.. ليفربول يتخذ أول إجراء بعد مقتل نجمه ديوغو جوتا    رجيم معتوق: تحذيرات من حشرة منتشرة على الشريط الحدودي بين الجزائر وتونس    النجمة أصالة تطرح ألبوما جديدا... وهذا ما قالته    عاجل: وزارة الصحة تدعو المقيمين في الطب لاختيار مراكز التربص حسب هذه الرزنامة... التفاصيل    فضيحة السوق السوداء في مهرجان الحمامات: تذاكر تتجاوز مليون ونصف والدولة مطالبة بالتحرك    تاريخ الخيانات السياسية (4)...غدر بني قريظة بالنّبي الكريم    «شروق» على مونديال الأندية: الهلال لمواصلة الزحف ومواجهة «ثأرية» بين بالميراس وتشلسي    بعد أيام من زفافه .. وفاة نجم ليفربول تَصدم العالم    صيف المبدعين...الكاتبة فوزية البوبكري.. في التّاسعة كتبت رسائل أمي الغاضبة    على خلفية وشاية كاذبة: تمديد الإيقاف التحفّظي للنائب السابق الصحبي صمارة    دعا إليها الرئيس خلال استقباله رئيسة الحكومة: حلول جذرية لكلّ القطاعات    طقس الليلة.. خلايا رعدية مع امطار غزيرة بعدد من المناطق    المنستير: برمجة 11 مهرجانًا و3 تظاهرات فنية خلال صيف 2025    عمرو دياب يفتتح ألبومه بصوت ابنته جانا    بداية من الأحد 6 جويلية: توفير 10 حافلات خاصة بالشواطئ    لطيفة العرفاوي تعلن:"قلبي ارتاح"... ألبوم جديد من القلب إلى القلب    منوبة: تقدّم موسم الحصاد بنسبة 81% وتجميع قرابة 320 قنطارا    تنظيم سهرة فلكية بعنوان 'نظرة على الكون' بقصر اولاد بوبكر بمنطقة البئر الاحمر بولاية تطاوين    عاجل : طلاق بالتراضي بين فوزي البنزرتي و الاتحاد المنستيري ...تفاصيل    مرتضى فتيتي يطرح "ماعلاباليش" ويتصدّر "يوتيوب" في اقلّ من 24 ساعة    "فضيحة": لحوم ملوثة تتسبب في وفاة طفل وإصابة 29 شخصا..#خبر_عاجل    بشرى سارة لمرضى السرطان..    3 حاجات لازم تخليهم سرّ عندك...مش كلّ شيء يتقال    ماهر الهمامي يدعو إلى إنقاذ الفنان التونسي من التهميش والتفقير    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حسن النّوايا لا يصنع رَجُلَ دولة...
نشر في حقائق أون لاين يوم 14 - 09 - 2021

تنتشر في تونس ظاهرة عجيبة هي إطلاق الألقاب المُضخِّمة للذات، على شخصيات في مواقع الحكم المختلفة، ولكن صار الأكثر ابتذالا هو استخدام تعبير رجل دولة، الذي ينعت به المعجبون بعض الساسة لمجرد إطلاقهم تصريحا يتسم بأداء مسرحي وانفعالات مبالغ فيها واستخدام لغة تساعد على إظهارهم كما لو كانوا أصحاب مواقف صارمة، معتمدين على ضعف الذاكرة من ناحية، وحاجة الناس إلى من يخاطب غرائزهم من ناحية أخرى، ولاحظتُ في الفترة الأخيرة أنه كثيرا ما اختلط على الناس الفارق بين السياسي ورجل الدولة.

يقول الكاتب الأمريكي جيمس فريمان إن "السياسي هو الذي يفكر في الانتخابات القادمة بينما رجل الدولة يفكر في الأجيال القادمة"، وهو هنا يضع مسافة كبيرة بين الصفتين إذ أن الأول يحتاج إلى صفات لا علاقة لها بالمستقبل، وإنما تركز على الحاضر وكيفية إرضاء غرائز الناس وإظهار قدراته على تأجيج مشاعرهم حتى وإن كانت المعطيات التي يطرحها غير صحيحة ولا قابلة للتنفيذ، وتزداد شعبيته كلما زاد إحباط الناس من واقعهم، فنجدهم يتمسكون بقشة حتى وإن علموا أنها لن تنقذهم من الغرق، بينما رجل الدولة يقف على مسافة بعيدة عن السياسي، إذ أن خطابه يكون في الأغلب مسكونا بهموم المستقبل القريب والبعيد ويكون أبعد ما يكون عن تحقيق مصلحة ذاتية، ومن الطبيعي أن نجد سياسيا يقف في مصاف رجال الدولة كما أن هناك رجال دولة كانوا في مواقع السياسي، وهي حالات نادرة تاريخيا.

يستمر السياسي طيلة ركوبه على السلالم مصارعا من أجل الاحتفاظ أو الوصول إلى موقع وظيفي يمنحه الصدارة والنفوذ وربما المال أيضا، ولا يتورع عن الكذب وتزييف الأرقام والحقائق والنيل من خصومه دون وقائع تبرهن ما يقوله، بينما يبقى رجل الدولة مترفّعا عن الخصومة الشخصية، مهموما محاصرا برؤيته المستقبلية وكيفية تحقيقها.

ومن أكثر الأمثلة توضيحا لمفهوم السياسي هي التي نراها في أعضاء ما يسمى بالمجالس النيابية المنتخبة، فنجد أن الكثير من هؤلاء يمارسون أدوارا متقلّبة خلال فترات وجودهم في مؤسساتهم، وتبلّدت مشاعرهم، وتبدلت ولاءاتهم بحسب تغيير الأوضاع، بل صار منهم من يقبل عن طيب خاطر بل ويلهث للتنازل عن يمين أقسم عليه مرات عدة مقابل مزايا وعطايا مادية.

في مقابل ذلك، لا يختلف اثنان في تونس، في الطهارة السياسية لرئيس الدولة قيس سعيّد، لكن وأيضا لا اختلاف في أنه سياسي صدفة أتت به نوازع الكفر بالأحزاب والشخصيات السياسية التي انتابت ومازالت نفوس الناخبين التونسيين وخاصة منهم الشباب. وقد وجد الرجل نفسه وخاصة بعد قراراته التاريخية في الخامس والعشرين من جويلية في موضع لا يحسد عليه، تتصارعه أمواج السياسي التائه، ومركب رجل الدولة قائد السفينة الذي عليه إيصالها لشاطئ النجاة، وهو ما دفع به إلى حالة من التخبّط وغياب الرؤية، هي بالمحصّلة نتاج انعدام تأصّل الصفتين لديه، صفة رجل السياسة وصفة رجل الدولة.

لذلك فإن الحالة السياسية التي تمر بها بلادنا تجعل الارتباك فاضحا لعمق المشكلة التي تزداد مظاهرها في تنامي حالة العبث داخل المجتمع وتنامي مظاهر العنف اللفظي، إلى جانب ما نراه طاغيا في إدارة الحوارات بالمدافع والقنابل، وصارت ساحات التواصل الاجتماعي ساحة خصبة لارتفاع معدّلات الكذب السياسي، وتحوّلت إلى أداة تشكل مناخا سلبيا يصعب التحكم في نتائجه.

وفي مثل هذه الأجواء يكون من غير الممكن إحداث التمايز بين الجاد المسؤول وبين التافه اللامسؤول، ومن المؤسف حقا أن أغلبية المتداولين صاروا أكثر انجذابا نحو الحديث، البعيد عن اللغة المحترمة والحوار الهادئ، وأصبح الصراخ ودعاوى التحريض هي الأكثر سيطرة على توجهاتهم وجذبا للمتابعين، وفي هذه الفضاءات المزعجة يتجلّى الفارق الفاضح بين السياسي ورجل الدولة.

والحقيقة أنه قلّما تجد رجلا صاحب فكر ورؤية منشغلا بالمواقع الاجتماعية، رغم أنها وسيلة مثلى لتبادل الأفكار وربما تلاقحها، ولكنها في واقعنا التونسي تحولت إلى منتديات للشتائم وتبادل الاتهامات.

وشخصيا صرتُ أكثر قناعة أنه عندما يصبح الصوت صارخا وموجها للطبقات المُحبَطة تزداد أعداد المتابعين والمهتمين، ويتزايد استخدام أقذع الألفاظ في حق المختلفين والخصوم. وفي حوار تابعته ذات مرة على إحدى القنوات التلفزية، كان النقاش يدور عن كيفية وسبب زيادة أعداد المتابعين لشخص معيّن في المواقع الاجتماعية، وكان الرد مذهلا: الحديث عن قضايا مثيرة للجدل بلغة يجب أن تكون معارضة للمؤسسات القائمة لأنها تصبح متنفسا أكثر من كونها منتدى للحديث عن المستقبل وهو ما يروق للمُحبطين واليائسين.

قد لا تكون ظاهرة الخلط بين السياسي ورجل الدولة محصورة على بلدنا خصوصا، والمنطقة العربية عموما، ولكنها أكثر خطورة، لأن استخدامها صار مُعيبا وضارّا، ويُظهر ضعف حالات التراكم الإيجابي واتساع مظاهر التراكمات السلبية...


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.