في سابقة هي الأولى من نوعها منذ الثورة، أقدمت رئاسة الجمهورية على حجب الموقع الالكتروني لمجلس نواب الشعب، المعلقة أنشطته، في ممارسة تذكر بالنظام السابق للرئيس الراحل زين العابدين بن علي، الذي لم يكن يتوانى عن حجب المواقع المعارضة له أو التي تنتقد سياساته أو المصنفة بغير المرغوب فيها من قبل السلطات حينها. وفيما لم تصدر أي جهة رسمية إعلاما بخصوص حجب موقع مجلس نواب الشعب، أو الأسباب التي دفعت إلى ذلك، تبقى أصابع الاتهام موجهة لرئاسة الجمهورية كونها مصدر التعليمات والأوامر الرئاسية التي تتحكّم في البلاد منذ إجراءات 25 جويلية 2021.
حجب الموقع الالكتروني للبرلمان، بما فيه من أرشيف ثري جدّا للمجلس التأسيسي وللبرلمان الحالي، ولئن كان للحيلولة دون انعقاد أي جلسة للنواب المجمدين الذين دعوا لاستئناف العمل البرلماني وعقد جلسات عن بعد، إلا أنه يُعتبر تعديّا على حق المواطن التونسي في النفاذ إلى المواقع الرسمية للدولة وحقه في المعلومة التي يوفرها هذا الموقع.
ويذكّر حجب الموقع الرسمي للبرلمان، بسياسة الحجب التي اعتمدها النظام السابق، للمواقع المصنفة "غير المرغوب فيها" و"المعادية"، على غرار المواقع الإخبارية للجزيرة نت، وموقعي التواصل "يوتيوب" و"ديلي موشن"، وموقع "تونس نيوز" الإخباري، ووكالة "دي بي أي" الألمانية للأنباء، والموقع الرسمي لحركة النهضة المحظورة حينها، والمواقع الجنسية والاباحية.
وكانت السلطات التونسية في نظام بن علي قد زجّت في السجن معارضي سياسة الحجب، حيث أقدمت على سجن المدونين عزيز عمامي وسليم عمامو اللذين اعتقلا في بداية شهر جانفي 2011، للتحقيق معهما في اتهامات بمهاجمة وتعطيل مواقع إنترنت تونسية حكومية احتجاجا على الحجب، لتطلق سراحهما بعد تعهد الرئيس بن علي في خطابه الشهير ليلة 14 جانفي، بوضع حد للرقابة على الإنترنت، اثر اشتداد موجة الاحتجاجات على نظامه اثر 17 ديمسبر 2010.
وبالعودة لتقرير الحرية على الإنترنت في تونس الصادر في 2011 من قبل فريدم هاوس، فإن الحكومة التونسية إستخدمت ثلاث طرق كجزء من إستراتيجيتها الهادفة إلى التحكم بالإنترنت، وهي "الفلترة التقنية" و"إزالة وحذف المواد المنشورة" و"محاولة التأثير" و"احتكار الرأي العام على الإنترنت"، وهي ممارسات عادت مع الرئيس قيس سعيد بعد حجب الموقع الرسمي للبرمان، وغلق الحسابات الشخصية للنواب على منظومة التواصل والاجتماعات عن بعد في منصة "ميكروسوفت تيمز"، وهو أمر خطير جدا يعيد للذاكرة سياسة بن علي في التعامل مع معارضيه من خلال التضييق عليهم حتى لو كان ذلك بخرق للمواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت عليها تونس.
وفي هذا الشأن يجدر التذكير بأن "لجنة حقوق الإنسان في الأممالمتحدة، بصفتها جهة مراقبة للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، قامت بإصدار التوصية رقم 34، التي تنص على أن المادة 19، من هذا العهد "يحمي كل أشكال التعبير وأساليبها وطرقها ومن ضمنها أساليب التعبير الإلكترونية وتلك التي تعتمد على الإنترنت"، لذلك فإن حماية حرية التعبير ينطبق على الإنترنت بنفس المنطق الذي ينطبق فيه مبدأ الحماية على أشكال التعبير بالطرق الأخرى"، وفقا لما ورد في "الوثيقة التمهيدية عن القوانين الضابطة للانترنيت للمادة 19"، المنشور في 2012.
وكانت تونس قد وقعت على هذا الميثاق في شهر مارس من عام 1969 وهي ملزمة قانونيا بإحترامه على غرا بقية دول العالم، وضمان حق التعبير كما هو منصوص عليه في "المادة 19" من هذا الميثاق، و"في نفس الوقت تشترط التوصية العامة رقم 34 من الموقعين على العهد الدولي الخاص بالحرية المدنية والسياسية بالأخذ بعين الإعتبار مدى التقدم الذي تم الوصول إليه في مجال نشر المعلومات إلكترونيا عن طريق الإنترنت والهواتف المحمولة، لأن هذا التطور أدى إلى تغيّر جذري في الممارسات العالمية المتعلقة بالتواصل وتبادل المعلومات إلكترونيا"، وهو ما لم يتم احترامه في تونس بغلق الحسابات الشخصية للنواب على منظومة التواصل والاجتماعات عن بعد "ميكروسوفت تيمز".
عموما فإن "المعركة السياسية" بين رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس البرلمان المعلقة أشغاله راشد الغنوشي والنواب المجمدين الرافضين لاجراءات 25 جويلية و22 أوت، لا يجب أن تكون ذريعة للعودة لسياسات نظام بن علي في التعدي على حرية الانترنيت وضمان حرية التعبير على المنصات الالكترونية، التي تعتبر من أهم أشكال التعبير في هذا العصر.