تفتح بعد موتي تحولت صفحة «شفتني وانا ميت» السورية على موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك» الى صفحة باسم «رسائل تفتح بعد موتي» . اثر العنوان في نفس القارئ يختلف، متحولا به من التندر بالموت الى محاولة جدية للتكيف معه عبر مشاركات يغلفها الحزن، مع رشات من السخرية السوداء. «غيرت عنوان الصفحة .. ثم ألغيتها تماما .. لم اعد استطيع التعامل مع الموت كنكتة » يقول دريد خريج كلية الهندسة الميكانيكية العاطل عن العمل منذ عام هو تقريبا عمر الصفحة الاولى. يوضح ان بعض اصدقائه عنفوه على الاستمرار في الصفحة بعنوانها الجديد بعد ان فقدوا احد افراد مجموعتهم في تفجير حي المزرعة بدمشق في فيفري/شباط الماضي. كان هذا الصديق قد كتب رسالة مطولة ساخرة الى اهله يهون بها عليهم في حال عاجله الموت في شارع ما دون ان يكون قد ودعهم كما يجب. فارق الصديق الحياة وتحولت الرسالة الهزلية الى نكتة سمجة تثير البكاء فأغلق دريد الصفحة معتذرا من الجميع. يضحك وهو يشير الى استمرار تدفق رسائل محبي الصفحة على بريده الالكتروني "يطالبونني بإلحاح بفتحها مجددا لينشروا هواجسهم وافكارهم التي يعتقدون انهم لا يستطيعون التعبير عنها وهم أحياء!! يريدون توثيقها ليقرأها من يحبونهم . استمررت في الرد عليهم معتذرا عن عدم النشر ومقترحا ان ينشروها على صفحتهم الخاصة او في اي منبر يريدون". يشير دريد الى ان بعض الرسائل تحتوي ما يثير البكاء .. يقول : "ثمة الكثير من الوصايا والاعترافات … يجب ان تكون لدينا الشجاعة في هذه الظروف بالذات للاعتراف والصراحة لا ان نؤجل ذلك الى ما بعد الموت … رسائل الموتى تثير حزنا عميقا لا يتبدد، وهي في الوقت نفسه لا تقدم ولا تؤخر". صديقه جود اهتم بمتابعة الصفحة مستغربا في كل مرة سلبية اغلب الرسائل" اصحابها يخفون مشاعر جميلة وعميقة عن اقرب الناس لهم … احداها تتوعد حبيبها بعد موتها بندم شديد .. تعنون رسالتها ب(انا بفرجيك يا حبيب القلب) !! لماذا هذا الامتناع عن البوح ونحن نواجه احتمالات الموت هنا كل يوم بألف لبوس؟ … التواصل والمصارحة مطلوبان اليوم اكثر من اي وقت مضى … لذا تدخلت كثيرا في التعليقات على كل رسالة ودعوت الكتّاب الى البعد عن السلبية واغتنام فرصة حياتهم للتمتع بكل لحظة وقول الحقيقة … كان اغلبهم يجيبني بأن لا احد لديه الوقت ليصغي لهم .. وان الكل لاهث وراء العمل والسفر ونشرات الاخبار … مزاج عام من التشاؤم يجعل التعبير عن الحب او السخط من تفاصيل اجتماعية صغيرة ضربا من الترف". إيناس خريجة علم الاجتماع واحدى "الأدمنز" في الصفحة توضح ان البوح لدى البعض اتخذ منحى سياسيا "ثمة رسائل لغاضبين من الآراء السياسية لآخرين قريبين منهم … نحن الذين كانت السياسة الداخلية بعيدة عن صلب حياتنا لعقود ولم نكن نردد شيئا خارج ما نسمعه في الاخبار .. بالتالي لن نصبح فجأة قادرين على تقبل اختلاف آرائنا عن بعضها بخصوص البلد … لاسيما ان كثيرين وصلوا الى مرحلة من التطرف حتى بات الدخول معهم في نقاش ما شيئا يمكن ان يصيبك بتسرع في دقات القلب". تقول ايناس : "لم افكر في كتابة رسالة خاصة بي الا بعد سقوط قذيفة على بعد امتار مني في قلب دمشق … جعلني المشهد المليء بالغبار والصراخ والركض ارغب في جمع كل اهلي واصدقائي حولي لأتلو عليهم كل ما لم اخبرهم به … أن انفرد بحبيبي لأقول له كم احبه حتى وهو منشغل بالتخطيط لمستقبل لا وجود لي فيه … نعم ثمة اشياء يصعب البوح بها عندما لا يتيح لك الآخر مجالا … كأن تتحدث عن الحب امام من يستخف به … الأكثر ايلاماً هنا ان يكون من علمك درسا ما هو نفسه من يريدك ان تكفر به !! .. هنا انت تتراجع .. تنكفئ الى ورقة وقلم لتبث خواطرك بدلا من ان تتركها تضغط عليك". خاص بموقع حقائق أون لاين ** رزان عمران: صحفية سورية مقيمة في دمشق