الحثالة الدستورية البورقيبية التجمعية هي الفئة الوحيدة التي تمتعت بمناخ الحرية في تونس قبل 14 جانفي 2011. هذه الفئة كانت حرة ومتفاعلة مع الوضع القائم في إطار نمط علاقات اجتماعية سياسية يقوم على المحسوبية والاستزلام والدفاع عن منظومة ليبرالية كسولة أو كما يحلو لأصحاب الميولات الماركسية تسميتها "نظام كمبرادوري". الحثالة التجمعية تمتعت بالحرية على حساب الأغلبية الشعبية التي بقيت في حالة سبات تبحث عن القوت أحيانا وتهادن أحيانا أخرى و تبلع السكين بدمها من حين لآخر و تلتمس الاستزلام في لحظات يأسها ... فئة واسعة من "الرعاع" قتلت الديكتاتورية روحها النقدية والإبداعية رغم مستواها التعليمي المرتفع. لذلك كشّر التجمعيون والدساترة، الذين تمتعوا بالحرية لوحدهم، عن أنيابهم لتقديم أنفسهم كبديل لما تعيشه تونس اليوم من انهيارات ناتجة عن متطلبات الانتقال وتخبط الإسلام السياسي في خزعبلات الإيديولوجية وانعدام الكفاءة. الدساترة والتجمعيون تمتعوا بالحرية لوحدهم لذلك فإنهم يمتلكون نوعا من الروح السياسية والبراغماتية الركيكة التي يفتقدها الآخرون. لكن الحثالة التجمعية نشأت في مناخ الليبرالية الكسولة التي تقوم على أساس الاستزلام وحصر المصالح والامتيازات في فئة قليلة. لذلك فهذه الفئة، وبغض النظر عن منطق الإقصاء، غير مهيأة لتكون هي البديل لقيادة تونس في المرحلة القادمة. الإشكال الحقيقي يكمن في ضرورة إيجاد البديل للحثالة التجمعية / الدستورية التي كشرت عن أنيابها... شخصيا أعرف عديد الكفاءات التي تتمتع بنظرة استراتيجية ثاقبة لها رغبة في المساهمة من اجل إنقاذ تونس، لكنها لم تجد السبل الكافية للتعبير عن نفسها سياسيا وإيصال صوتها... وفي هذه النقطة لا نقصد الكفاءات التقنية المحنطة والتكنوقراطية، إنما الكفاءات التقنية والعلمية التي تحمل روحا ونظرة استراتيجية…