أخيرا: الطفل ''أحمد'' يعود إلى منزل والديه    زلزال بقوة 4.6 درجات يضرب هذه المنطقة..    الإطاحة بشبكة مختصّة في الإتجار بالبشر تنشط في هذه المناطق    عاجل/ ستشمل هذه المناطق: تقلبات جوية منتظرة..وهذا موعدها..    جائزة مهرجان ''مالمو'' للسينما العربية للفيلم المغربي كذب أبيض    بعد مظلمة فرنكفورت العنصرية: سمّامة يحتفي بالروائية الفسطينية عدنية شبلي    شركة نقل تونس: خط جديد يربط تونس البحرية بمطار تونس قرطاج    يوميا : التونسيون يهدرون 100 مليار سنويا    تقلبات جوية في الساعات القادمة ..التفاصيل    مفزع: 17 حالة وفاة خلال 24 ساعة في حوادث مختلفة..    عاجل : بشرى للتونسيين المقيمين بالخارج    مواجهة صعبة لأنس جابر اليوم في بطولة مدريد    دكتور مختصّ: ربع التونسيين يُعانون من ''السمنة''    تونس / السعودية: توقيع اتفاقية اطارية جديدة مع المؤسسة الدولية الإسلامية لتمويل التجارة    قرار جديد من العاهل السعودي يخص زي الموظفين الحكوميين    معز السوسي: "تونس ضمن القائمة السوداء لصندوق النقد الدولي.."    بطولة ايطاليا : رأسية أبراهام تمنح روما التعادل 2-2 مع نابولي    العثور على شخص مشنوقا بمنزل والدته: وهذه التفاصيل..    غوارديولا : سيتي لا يزال أمامه الكثير في سباق اللقب    سان جيرمان يحرز لقب البطولة للمرة 12 بعد هزيمة موناكو في ليون    ثمن نهائي بطولة مدريد : أنس جابر تلعب اليوم ...مع من و متى ؟    طقس الاثنين: تقلبات جوية خلال الساعات القادمة    حزب الله يرد على القصف الإسرائيلي ويطلق 35 صاروخا تجاه المستوطنات..#خبر_عاجل    السعودية: تحذير من طقس اليوم    السعودية: انحراف طائرة عن المدرج الرئيسي ولا وجود لإصابات    سينعقد بالرياض: وزيرة الأسرة تشارك في أشغال الدورة 24 لمجلس أمناء مركز'كوثر'    دولة الاحتلال تلوح بإمكانية الانسحاب من الأمم المتحدة    عملية تجميل تنتهي بكارثة.. وتتسبب بإصابة 3 سيدات بالإيدز    العروض الأجنبية بين الحقيقة والخيال...هل يحمي الترجي نجومه من لعبة «السماسرة»؟    الرابطة الثانية (ج 7 ايابا)    أسير الفلسطيني يفوز بالجائزة العالمية للرواية العربية    غار الدماء: قتيلان في انقلاب دراجة نارية في المنحدرات الجبلية    افتتاح الدورة السابعة للأيام الرومانية بالجم تيسدروس    البنك التونسي للتضامن يحدث خط تمويل بقيمة 10 مليون دينار لفائدة مربي الماشية [فيديو]    نابل: إقبال هام على خدمات قافلة صحية متعددة الاختصاصات بمركز الصحة الأساسية بالشريفات[فيديو]    عميد المحامين يدعو وزارة العدل إلى تفعيل إجراءات التقاضي الإلكتروني    بودربالة يجدد التأكيد على موقف تونس الثابث من القضية الفلسطينية    انطلاق فعاليات الدورة السادسة لمهرجان قابس سينما فن    تسجيل طلب كبير على الوجهة التونسية من السائح الأوروبي    جمعية "ياسين" تنظم برنامجا ترفيهيا خلال العطلة الصيفية لفائدة 20 شابا من المصابين بطيف التوحد    تونس تحتل المرتبة الثانية عالميا في إنتاج زيت الزيتون    الأهلي يتقدم بطلب إلى السلطات المصرية بخصوص مباراة الترجي    وزير السياحة: عودة للسياحة البحرية وبرمجة 80 رحلة نحو تونس    بمشاركة ليبية.. افتتاح مهرجان الشعر والفروسية بتطاوين    برنامج الدورة 28 لأيام الابداع الادبي بزغوان    في اليوم العالمي للفلسفة..مدينة الثقافة تحتضن ندوة بعنوان "نحو تفكرٍ فلسفي عربي جديد"    8 شهداء وعشرات الجرحى في قصف لقوات الاحتلال على النصيرات    مدنين: وزير الصحة يؤكد دعم الوزارة لبرامج التّكوين والعلاج والوقاية من الاعتلالات القلبية    القواعد الخمس التي اعتمدُها …فتحي الجموسي    وزير الخارجية يعلن عن فتح خط جوي مباشر بين تونس و دوالا الكاميرونية    طقس اللّيلة: الحرارة تصل 20 درجة مع ظهور ضباب محلي بهذه المناطق    السيناتورة الإيطالية ستيفانيا كراكسي تزور تونس الأسبوع القادم    بنسبة خيالية.. السودان تتصدر الدول العربية من حيث ارتفاع نسبة التصخم !    تألق تونسي جديد في مجال البحث العلمي في اختصاص أمراض وجراحة الأذن والحنجرة والرّقبة    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المخطوفات الإيزيديات من قبل داعش ..المنسيات من طرف الجميع
نشر في حقائق أون لاين يوم 14 - 01 - 2015

"ذات ليلة قررت الانتحار. لففت غطاء راسي حول رقبتي وضغطت بقوة. كنت ارى الدنيا سوداء من حولي، ولا امل في الإفلات من يد داعش. ادركت ان الحل الوحيد هو الموت. ولكن منعتني قريباتي من تنفيذ مخططي"، هكذا عبرت بثينة (وهو اسم مستعارلحمايتها) احدى المخطوفات من قبل داعش و قد تم تحريرها مؤخرا، عن حجم المأساة التي كانت تعانيها حتى هانت عليها حياتها.
بثينة فتاة في العشرين من عمرها من قرية كوشو في قضاء سنجار وجدت نفسها بعد هجوم تنظيم الدولة الاسلامية (داعش) على قريتها ضمن الآلاف من النساء والفتيات اللاتي تم اختطافهن ليتم توزيعهن على بيوت داخل العراق وخارجه ويصبحن غنيمة حرب تتابدلهن الايادي والأسياد.
في لحظة ما فقدت الامل في النجاة وكذلك فتيات اخريات، منهن من حاولن الانتحار مثلها و نجحن واخريات تمكن من الفرار، في حين يبقى العدد الاكبر قيد الاسر، حيث يقدر باكثر من 5000 امرأة حسب ناشطين مدنيين ايزيديين يعملون على الموضوع، في حين احصت حكومة الاقليم 2600 من المخطفات.
ضرب، تعذيب، تجويع، تهديد بالقتل، اغتصاب، اجبار على اعتناق الاسلام، بيع وشراء هذا هو البرنامج اليومي لهؤلاء الفتيات القابعات في بيوت تحت سيطرة داعش في انتظار المجهول. وعدا بعض المحاولات الشخصية لناشطين ومنظمات محلية صغيرة لا احد يهتم بتحريرهن. فحكومة اقليم كردستان تشتكي قلة الامكانيات، في حين يغض المجتمع الدولي النظر عن قضيتهن.
رحلة الاختطاف
بدات مأساة الايزيديات يوم 3 آب/ اوت ، حين هجم داعش على قضاء سنجار، مستوليا على كل القرى الايزيدية فيها. ومنطقة سنجار هي معقل هذه الطائفة عبر التاريخ والتي يعد المنتمون اليها في العراق ما يقارب 700 الف شخص. لم يلق التنظيم مقاومة كبرى من البشمركة الذين كانت تقع على عاتقهم حماية تلك المناطق بل انهم انسحبوا قبل وقت قصير من وصول داعش، ليُترك الايزيديون امام مصيرهم الاليم وقد اعتبرهم التنظيم "كفارا" مما يجيز له قتلهم وسبي نسائهم واغتصابهن. المحظوظون منهم تمكنوا من الهرب الى جبل سنجار حيث بقوا لاسبوع بدون ماء او طعام ينتظرون المساعدات لاجلائهم. اما الاقل حظا، فقد وقعوا بين ايدي داعش الذي ارتكب بحقهم مجازر حيث عمد الى قتل الرجال واسر النساء والاطفال، واخذهم الى المناطق التي يسيطر عليها في العراق مثل الموصل (التي سقطت بيده منذ 10 حزيران/جوان) وتلعفر بالاضافة الى مناطقه في سوريا كالرقة ودير الزور.
سهام (اسم مستعار ايضا) تروي كيف هجم التنظيم على قريتها كوشو واخذها مع جملة من قريباتها وصديقاتها: "مساء الثاني من آب / اوت، علمنا ان التنظيم اقترب من قريتنا وقررنا الخروج والهرب ولكن عندما وصلنا الى نقطة تفتيش البشمركة، طلبوا منا العودة الى بيوتنا وطمأنونا انهم سيقومون بحمايتنا فعدنا. وفي صباح اليوم الثاني فوجئنا بانسحابهم، لنجد انفسنا وجها لوجه مع داعش الذي اعطانا مدة يومين حتى نعتنق الاسلام. قبل انتهاء المدة، جاءنا المدعو ابو حمزة ليخبرنا ان عفوا صدر عنا من قبل ابي بكر البغدادي وانهم سيعاملونا مثل المسيحيين ويسمحون لنا بالمغادرة والصعود الى الجبل. ثم علمنا ان اهل القرية المجاورة (الحاتمية) الذين تلقوا نفس الوعد، قرروا الهروب في الليل. الشيء الذي لم يعجب التنظيم فصب جام غضبه علينا".
"أٌمرنا - تواصل سهام – ان نتوجه كلنا الى المدرسة، "ثانوية كوشو للبنين"، هناك تم في مرحلة اولى فصل النساء عن الرجال وطلب منا نحن النسوة ان نصعد الى الطابق العلوي. بعدها بقليل سمعنا صوت اطلاق نار. عندما سالنا عن مصدره قيل لنا انه تم اطلاق النار على كلاب سائبة، لنعلم فيما بعد انهم قتلوا معظم رجالنا. ثم طلبوا منا ان ننزل الى حديقة المدرسة. هناك تم فصل الفتيات والنساء الشابات عن النسوة العجائز وعن الاطفال الذين يتجاوز عمرهم 3 سنوات، ثم اخذ الجميع في سيارات منفصلة اولا نحو تلعفر ثم نحو الموصل، لينتهي الامر بنا في منزل بثلاثة طوابق كان صاحبه قاضيا شيعيا. كنا ما يقارب 160 فتاة اغلبنا من كوشو".
الجميلات و صغيرات السن هن المفضلات
هذا المنزل كان احدى نقاط البيع حيث يأتي يوميا شيوخ عرب من داعش او من القبائل العربية السنية المساندة له لمشاهدة الفتيات وانتقاء من يريدون منهن. " كانوا ياتون الينا مرتين في اليوم يطلبون منا ان نصطف على الحائط وعندما كنا نحاول تغطية وجوهنا بوشاحاتنا او بشعورنا حتى لا يختارونا، كانوا يفرضون علينا كشفها" تؤكد نادية (اسم آخر مستعار) مضيفة " كانوا يفضلون البنات الجميلات، الصغيرات في السن وغير المتزوجات". اغلب القادمين كانوا من الكهول، تتجاوز اعمارهم الخمسين، حسبما اخبرتنا به الفتيات اللواتي قابلناهن، كانت الاولوية في الحصول على السبايا لامراء داعش وليس للمقاتلين الشبان.
العديد من الفتيات تم اغتصابهن في ذلك البيت. " كنا نسمع صراخ وتوسلات البنات اللاتي تم اختيارهن واقتيادهن الى الطابق العلوي. ثم يرجعن الى الغرفة التي نحن فيها في اليوم الموالي في حالة يرثى لها ووجوههن واجسادهن مليئة بالكدمات" توضح منى (20 سنة).
معظم البنات اللواتي قابلناهن يرفضن الاعتراف بتعرضن للاعتداء الجنسي او الاغتصاب. اولاً لان الموضوع في غاية الحساسية بالنسبة للطائفة الايزيدية وثانيا لان الفتاة نفسها لا تريد ان يعلم اهلها بما حصل معها. فيفضلن دائما الحديث عن صديقات لهن كن ضحية الاعتداءات. الا ان شرودهن المتكرر وهن يروين قصصهن، وعيونهن الفارغة وعلامات الالم التي ترتسم من وقت لآخر على وجوههن توحي بان الواقع غير ما يبين. ولكن يبقى دليل واحد لا يدحض على ما تعرضن له وهو حمل العديد منهن كنتيجة لعمليات الاغتصاب. (س) 19 سنة من كوشو، تحمل في رحمها دليل مأساتها. ويصعب عليها ان تخبر اهلها انها حامل من مغتصبها الذي كان يأسرها بالموصل، فتقول بان حملها هو من زوجها الذي قتله التنظيم امام عينيها هو واخوه وابوه.
تتذكر بعينين مليئتين بالاسى كيف اتى احد المقاتلين واختارها لياخذها معه، واعدا اياها انه لن يلمسها وانها ستكون مثل الاخت بالنسبة له ولكنه بعد بضعة ايام تراجع في كلامه. وعندما رفضت الاستجابة له، صار يضربها ويهددها بقتل طفلها ذي السنتين الذي كان معها حين خطفها داعش.
عدا الاعتداء الجنسي، يعمد مقاتلو التنظيم الى ضرب الفتيات والتنكيل بهن لاجبارهن اول شئء على اعتناق الاسلام ثم على قبول ما يسمونه "زواجا شرعيا" منهم. كما لا يتوانون عن تجويعهن وتجويع اطفاهن الرضع ، بالاضافة الى التهديد بقتل الصغار وضربهم حتى تستجيب المراة لما يريدون.
غنائم حرب باسعار بخسة
يتداول على المرأة الواحدة العديد من المقاتلين ويتم تمريرها فيما بينهم باثمان بخسة. حيث حدد داعش من خلال وثيقة قام باصدارها مؤخرا اثمان السبايا التي تختلف حسب سن الفتاة وجمالها. فالاعلى ثمنا هن اللواتي يقل سنهن عن 9 سنوات ليبلغ 200 الف دينار عراقي (ما يعادل 166 دولارا) اما التي يتراوح عمرها ما بين 10 الى 20 سنة فتباع ب 150 الف دينار(ما يعادل 125 دولارا)، تليها في الترتيب، المرأة التي يتراوح سنها ما بين 20 الى 30 سنة وتباع ب 100 الف دينار (83 دولارا) ثم المرأة ما بين 30 و40 سنة التي يبلغ ثمنها 75 الف دينار (62 دولارا) وفي اسفل سلم الاسعار توجد السبية التي يتراوح عمرها ما بين 40 الى 50 سنة وتباع ب 50 الف دينار (41 دولارا) . بعد البيع تنتقل الفتاة اما لمناطق اخرى في العراق كالموصل وتلعفر او تذهب خارج العراق الى سوريا او السعودية وحتى الى افغانستان.
في اوائل شهر كانون الاول / ديسمبر اصدر التنظيم كتيبا يشرح للمقاتلين كيفية التعامل مع السبايا حيث يبرر السبي "بالكفر" معتبرا ان ذلك يشمل النساء "الكتابيات والوثنيات" على حد سواء. كما يجيز الكتيب للمقاتلين نكاحهن مع تبيان قواعد ذلك. اذ يسمح لمالك السبية ان ينكحها مباشرة اذا كانت عذراء اما اذا لم تكن كذلك فيجب عليه انتظار " ان ينظف رحمها". كما يجيز التصرف في "الإماء" بالبيع والشراء والهبة بما انهن "محض مال يستطاع ان يتصرف به من غير مفسدة او اضرار". ويبيح ايضا الكتيب، الصادر عما يسمى ب" ادارة البحوث والفتوى"، ان يتم نكاح الفتاة القاصرة "ان كانت صالحة للوطء. اما اذا كانت غير صالحة للوطء فيكتفي (المقاتل) بالاستمتاع بها دون وطء".
منذ البداية، اهتم داعش بمصير الاطفال من الجنسين، حيث لم يكن حالهم احسن ممن هم اكبرمنهم سنا، اذ اعتبرت الفتيات الصغيرات غير البالغات، سبايا تجوز معاشرتهن. في حين تم فصل الصبيان ما فوق 3 سنوات عن امهاتهم ووضعهم في بيوت لوحدهم، بغاية تعليمهم القرآن واصول الشريعة الاسلامية. يروي مالك، 11 سنة، كيف تم وضعه في منزل مع قرابة 40 طفلا وكان المعلم يزورهم بالليل ليحفضهم القرآن. والويل لمن لا يحفظ لانه يتم ضربه! "كان المقاتلون المكلفون بحراستنا يقولون اشياء سيئة عن ديانتنا وعندما نسأل عن اهلنا يقولون لنا انهم قتلوهم. وكنت اخاف ان يقتلوني انا ايضا"، يتذكر مالك بحزن. ورغم انه تحرر من قبضة التنظيم فهو لا يزال يشعر بعدم الامان: "لحد اليوم عندما انام، احلم انهم جاؤوا لخطفي".
هذا الوضع المزري دفع بالعديد من الفتيات الى التفكير في الانتحار اما بخنق انفسهن او بفتح شرايينهن او بشرب السم. بعضهن نجحن في ذلك، حيث احصت نارين شمو، وهي واحدة من مؤسسي شبكة "ايزيديين عبر العالم" التي تعمل على موضوع المختطفات، 41 حالة. اما البعض الآخر فقد تم انقاذهن من قبل داعش الذي اعتبر موتهن خسارة له.
تحرير المختطفات بالتنسيق مع القبائل العربية
الكل لم يفقد الامل، حيث بدأ قسم من البنات يفكر جديا بالهروب، خاصة وان علاقتهن بالعالم الخارجي لم تنقطع رغم الحبس والسبي. فبعضهن حافظن على هواتفهن الجوالة، مخالفات في ذلك أوامر التنظيم بتسليمه كل ما يملكن وخاصة الهواتف. هذا التصرف مكنهن من الاتصال بشكل متواصل مع افراد عائلاتهن ومع الناشطين الايزيديين، في محاولة لايجاد طريقة للفرار. كن يخفين الهواتف داخل حفاضات الاطفال وتحت الارض ويتصلن كلما سمحت لهن الفرصة في غفلة من المقاتلين. هذه الاتصالات مكنت من معرفة اماكنهن وظروف عيشهن بالاضافة الى اعطاء معلومات هامة ودقيقة حول تحركات التنظيم.
من هنا بدأت تتحرك بعض الجهات لانقاذهن واهمها منظمة سيفو التي بدأت كمبادرة من ثلاثة اشخاص اكراد من سنجار: ابو دارا، محمود ماردين ودلير سنجاري. استغلوا علاقاتهم الواسعة مع شيوخ العشائر العربية ليطلبوا منهم ان يتدخلوا لدى مقاتلي التنظيم لاسترجاع الفتيات المختطفات، ومعلوم ان القبائل العربية السنية لها اتصال مع داعش.
تتمثل عملية التحرير، كما يفسرها ابو دارا، رئيس لجنة تحرير الرهائن، بان يتم اعطاء اسم البنت التي يراد تحريرها الى الشيخ العربي الذي يتفاوض مع داعش بشأنها على اساس انه سيأخذها كهدية او سبية ثم يقوم بتأمينها في بيت لمدة معينة. في الاثناء يقوم باعداد هوية مزورة لها ويشتري لها حجابا شرعيا. نحن من جهتنا " نتفق مع احد سواق التاكسي الذين نعرفهم ان يذهب لاخذ الفتاة من الموصل او تلعفر ويُقل معها أهله للتمويه، ثم يقوم باخراجها من المناطق التي هي تحت سيطرة التنظيم وايصالها الى اقليم كردستان، حيث ننتظرها نحن لتسليمها لاهلها"، يوضح ابو دارا.
طبعا هذه العملية ليست مجانية فالشيخ العربي كما التاكسي يأخذان مقابلا. يتسلَم الشيخ مبلغا ما بين 1000 و2000 دولار لتغطية تكاليف اقامة الفتاة الى حين ترحيلها. كما يحصل التاكسي الذي يقوم بنقلها على مبلغ يتراوح ما بين 1200 و1300 دولار. بحيث تبلغ الكلفة الاجمالية لتحرير الشخص الواحد ما يقارب 4000 دولار. ولا يخلو الامر هنا من استغلال للموقف حيث يبين محمود ماردين، المنسق العام للتحرير، ان هؤلاء الاشخاص او ما يمكن ان نسميهم "الوسطاء"، يطلبون اضعاف الاسعار الحقيقية لما يقدمونه من خدمات. فايجار البيت الذي يتم تأمين الفتاة فيه لا يتجاوز 40 دولارا، في حين يتم احتسابه ب2000 دولار واجر التاكسي الذي لا يتجاوز عادة 60 دولارا يُحسب ب1300 دولار، عدا ثمن الهوية المزورة التي تكلف في الحقيقة دولارا واحدا، في حين يأخذ الوسيط عليها 500 دولار والحجاب الشرعي الذي لا يتجاوز ثمنه في السوق 15 دولارا يباع لنا ب 250 دولارا. " ولكن لا تهم المبالغ التي ندفعها حتى وان كانت عالية. المهم عندنا هو ان نحرر اكبر عدد ممكن من المختطفات" يضيف ماردين.
تم الى حد الآن تحرير 223 شخصا (بين نساء و رجال و اطفال) منهم اكثر من 100 امرأة. و لم تقتصر جهود المنظمة على تحرير الرهائن في العراق وانما تجاوزت ذلك الى سوريا حيث يمتلك اعضاء المنظمة علاقات مع القبائل العربية هناك وتمكنوا فعليا من تحرير فتيات تم نقلهن الى هناك من قبل التنظيم. وهم حاليا بصدد التفاوض لتحرير 40 بنتا مختطفة.
الا ان عمليات التحرير هذه ليست بدون اخطار. ففي بعض الاحيان يتفطن داعش الى الخطة. " ذات يوم - يروي ابو دارا – اتصل بنا شخص قائلا انه يستضيف في بيته بنتين من المختطفات قام بتحريرهما وطلب ان نبعث له بسائق الى تلعفر لاخذهما. و لكن عندما وصل السائق الى هناك فوجئ بان الرجل اخبر داعش بقدومه فتم القاء القبض عليه وسجنه".
ولكن هذه المخاطر لا تثني ابودارا واصدقاءه في المنظمة عن مواصلة جهدهم لتحرير الرهائن. الا انهم يشتكون حاليا قلة الموارد المالية لمواصلة هذه العمليات. فحتى الآن هم يعتمدون على مواردهم الخاصة وقد شحت هذه الموارد مما اضطرهم الى ايقاف مجهودهم. وهم يشتكون ايضا من غياب جهات داعمة لهم سواء كانت حكومية او غير حكومية رغم ان منظمة "سيفو" هي تقريبا الوحيدة التي تعمل على الارض لتحرير المختطفات واعادتهن لاهاليهن ويعتمد عليها الجميع بما فيهم حكومة اقليم كردستان.
ضعف امكانيات الاقليم وتغاضي المجتمع الدولي
من جهتها فان حكومة الاقليم التي يحملها عدد كبير من الطائفة الايزيدية المسؤولية في ما حصل لهم، تعترف بانها لا تملك الامكانيات الكافية لحل مشكلة المختطفات. حيث تقول السيدة نازند باجيخاني، مستشارة رئيس لشؤون التعليم العالي وقضايا الجندر: " ليس لدينا الامكانيات الكافية لمواجهة هذا المشكل. فهدفنا ليس فقط انقاذ المختطفات وانما ايضا مساعدتهن على استعادة حياة عادية داخل عائلاتهن".
وتبين الدكتورة نازند ان استراتيجية الاقليم توزعت على محورين: اولا استعادة المختطفات بالاعتماد على وساطات القبائل العربية السنية وثانيا معالجتهن من الناحية الجسدية والنفسية وذلك عبر تدريب فرق طبية متخصصة، بالاضافة الى القيام بحملات توعية ميدانية لاقناع الاهالي بقبول بناتهن العائدات واعتبارهن ضحايا داعش.
ومع ذلك تبقى احتياجات الفتيات الايزيديات اللواتي تعرضن لاعتداءات التنظيم كبيرة. لان مشكلتهن لا تتوقف عند العودة الى اهاليهن. بل انهن يحتجن الى معالجة نفسية من آثار ما تعرضن له من اعتداءات جسدية وجنسية. معظم المختطفات العائدات اللوتي قابلناهن سواء في المخيمات او في بيوت اقاربهن يقلن انهن لم يتلقين اية زيارة من اي جهة لمساعدتهن في اعادة ترميم نفسيتهن وحياتهن. وهن يجدن انفسهن اليوم فرائس لذكريات مؤلمة لا تنفك تلاحقهن. تقول بثينة: "كل ليلة احلم ان مقاتلي داعش جاؤوا لاختطافي فاستيقظ من النوم مرعوبة. صرت اخشى ان اخرج وحدي في الشارع وكلما سمعت صوتا في الخارج اشعر بالخوف وعدم الامان". ويزداد الالم اكثر عندما يتذكرن ان بقية من افراد عائلاتهن لا يزالون في قبضة داعش وهن لا يعرفن عنهم شيئا، علاوة على خوفهن من انتقام داعش منهم بعد هروبهن. وهو ما حصل في العديد من الاحيان حيث تم ضرب الاهالي وسجنهم وتعذيبهم كعقاب. لذلك تحرص البنات المحررات على اخفاء هويتاهن الحقيقية.
ولكن المشكل الاكبر الذي تواجهه هؤلاء الفتيات هو نظرة الطائفة الايزيدية لهن والمجتمع بشكل عام. صحيح ان عائلاتهن فعلن كل ما في وسعهن لانقاذهن وتقبلهن. خاصة وان المرجعية الدينية الايزيدية حثت على عدم نبذهن واعتبارهن غير مسؤولات عما حصل معهن مما سهل عملية احتضانهن من جديد. فطالب الذي نجح في تحرير ستة من قريباته يقول: " بناتنا المغتصبات العائدات نستقبلهن ونضعهن في عيوننا لاننا نعرف ان لا ذنب لهن في ما حصل معهن من قبل داعش. بل نحن الان سنعتني بهن اكثر من ذي قبل". لكن لاشيء يمنع نظرات الشك التي لا تنفك تلاحقهن اينما ذهبن. فكما تفسر الناشطة الايزيدية نارين شمو التي هي في تواصل مستمر معهن، ان الفتيات يخفين عادة عن اهلهن ما حصل معهن من عمليات اغتصاب واعتداء جنسي. الا ان الشكوك تحوم دوما، في ذهن افراد المجتمع الذي يعشن فيه، حول امكانية وقوع ذلك. ويزداد الامر تعقيدا اذا اكتُشف ان الفتاة حامل من مقاتلي التنظيم. الشيء الذي دفع بعض الاهالي لأخذ بناتهم الى المستشفى للكشف عليهن حسبما يفيدنا به مدير صحة دهوك.
وامام ضعف امكانيات الاقليم لحل مشكلة المختطفات الايزيديات، تتجه الانظار الى المجتمع الدولي الذي يغض النظر عن المسالة. فرغم تحرك عديد الناشطين الايزيديين داخل العراق وخارجه بتنظيم احتجاجات وحملات في اوروبا وامريكا وارسالهم لتقارير مفصلة حول وضع الفتيات الايزيدات " فاننا لا نتلقى سوى الوعود" تعلق نارين شمو بأسف. وقد نظمت منظمات المجتمع المدني المحلية بالاضافة الى بعض النائبات في البرلمان وقفة احتجاجية يوم 27 ايلول / سبتمبر امام القنصلية الامريكية ثم امام مقر بعثة الامم المتحدة باربيل في محاولة لجلب نظر الراي العام الدولي، توجت برفض القنصل الامريكي مقابلة الوفد الذي اراد تسليمه عريضة احتجاج، في حين وعد ممثل بعثة الامم المتحدة بايصالها الى المنظمة الاممية.
في الاثناء تتواصل معاناة الآلاف من الفتيات الايزيديات الواقعات في قبضة داعش. املهن الوحيد ان يطال القصف الجوي مناطقهن فيكون الحل اما الموت او الحرية. حيث تقول بثينة: "كنا كلما سمعنا الطائرات نستبشر بقرب الخلاص حتى لو كان ذلك على حساب حياتنا".


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.