قبل أسبوعين أشهر حدث دون السادسة عشرة من عمره إسلامه في محكمة معان الشرعية، وأعطي اسما جديدا في قضية جدلية تثير إشكاليات متعلقة بالدين، الدولة والمواطنة وحرية الفرد والمعتقد. كما تؤشر إنتقائية القائمين على المؤسسات الإدارية والأمنية والمحاكم الشرعية في تطبيق القوانين وتغلغل الفكر السلفي المتشدد في المجتمع والجهاز البيروقراطي وتداخل العرف العشائري بالقانون المدني مع تحدي الفقر والبطالة. وقبل أيام حاول طالب توجيهي من الزرقاء لم يكمل الثامنة عشرة من عمره تكرار تجربة الحدث الأول القادم من إربد، لكن أحد قضاة المحكمة الشرعية في معان رفض الاستجابة لطلبه بعد أن تحركت الأجهزة السيادية والأمنية، التي فاجأتها قضية الحدث الأول، فسعت لتوصيل رسالة للجميع بمنع ذلك لأنه يخالف القانون المدني. أكاد أجزم بأن غالبية الأردنيين لم تسمع بهذه القصة، الأولى من نوعها منذ محاولة قصر التحول للدين الإسلامي في منتصف تسعينيات القرن الماضي، بحسب مسؤولين. أو ربما قرأوا أجزاء غير متماسكة من الواقعة على مواقع التواصل الاجتماعي وفي وسائل إعلام الكترونية. والسبب واضح! فغالبية وسائط الإعلام التقليدية تجاهلت الخبرين؛ إما من باب الضرورات الوطنية والأخلاقية والمحافظة على النسيج الاجتماعي ومن وحي التسامح الذي يميز الأردن وسط إقليم متفجر يشهد شحنا دينيا وعرقيا ومذهبيا. وربما وجدت هذه الوسائط بأن طرح قضية حساسة كهذه قد يثير ردود فعل صاخبة في غنى عنها. أو لأن قضية الطيار معاذ الكساسبه الأسير لدى تنظيم داعش تصدرت أجندة كل مواطن ومسؤول وإعلامي وبرلماني وناشط حقوقي وسياسي، وعليه لا داعيَ لطرق ملفات جانبية تشتت الصف الواحد. في الحال الأولى تساهل مع مبتغى القاصر قائمون على محكمة أحداث أربد وعناصر من الشرطة. وتبعهم قاضي المحكمة الشرعية في معان وقاضي القضاة في عمان، دون التفكير بتداعيات هذه العملية على مجتمع مسكون بهواجس عديدة، أو الالتفات إلى نوعية الرسائل التي يريدون إيصالها حول العيش المشترك الذي ما يزال أنموذجا على مستوى المنطقة. التحول الثاني لم يصل إلى نهاياته، وبذلك ظل الموضوع خارج إشكاليات جدل: "أسلم أم لم يسلم". فالحكومة تحركت على مدار الأيام الماضية ومنعت القائمين على تنفيذ القانون بتفسير أحكامه، وفق أهوائهم ومعاييرهم ومفاهيمهم وإسقاطاتهم المرجعية والقيمية والفكرية. وطلب رئيس الوزراء تقريرا من القاضي بكل ما قام به. رسالة الحكومة واضحة بحسب مسؤولين. يعد إسلام القاصر الأول "مفسوخا" و"باطلا"، وفق القانون المدني الذي يحدد سن الرشد ب 18 عاما، وبخاصة أن العقيدة حق من الحقوق المدنية التي لا يستطيع أي كان تحت هذه السن الاقتراب منها. وفق هذا التفسير، يجب إرجاع الحدث إلى أسرته بحسب ما توصلت إاليه خلية وزارية بحثت عم إيجاد مخارج قانونية لهذا الاجتهاد غير المسؤول. لكن ذلك يحتاج للطعن بالقرار الصادر عن المحكمة الشرعية في معان وفسخه في قضية تحركّها وزارة التنمية الاجتماعية أو عائلته. والأمل أن تقوم الوزارة بذلك قبل أهله. إحداثيات قصة الحدث الأول درامية. بدأت قبيل عطلة أعياد الميلاد المجيد عندما أبلغ الحدث المولود في إربد يوم 8 / 3 / 1999 والده أنه يريد قضاء أسبوع راحة واستجمام في العقبة برفقة أصدقائه. لكنه لم يعد لأهله ولمنزله في حي التركمان في إربد، إحدى بؤر نشاط التيارات الجهادية التي تستغل الفقر والعوز وحاجة المهمشين إلى دعم مادي ومعنوي. الوالد القلق تحرك وأبلغ الشرطة عن اختفاء ابنه. بعدها بثلاثة أيام أبلغه مخفر المنطقة بأنهم عثروا على ابنه لكنه لا يريد العودة إلى منزله حتى لا يقتل لرغبته في اعتناق الإسلام. وطلبت الشرطة من الأب احضار دفتر العائلة، لكنهم لم يسمحوا له بمشاهدة فلذة كبده. وبعد يومين أخذ القاصر إلى محكمة الأحداث وعقدت جلستان دون إبلاغ الأهل بذلك أو سماع موقفهم. وبعد الاستماع لإفادة مراقب السلوك التابع لوزارة التنمية الاجتماعيه بأن الولد مهدد بالقتل من أهله ويحتاج إلى حماية رسمية، صدر قرار بوضعه في دار رعاية الشباب في شفا بدران. ومن هناك تواصل الفتى مع أشخاص انتظروه في سيارة وقادوه إلى القطرانة ومن هناك إلى معان، حيث وافق القاضي الشرعي على تغيير دينه واسمه وصدرت حجة إشهار الإسلام بموافقة قاضي القضاة. وهنا الطامة الكبرى. فقاضي القضاة وافق لحدث غير مسموح له بالانتخاب أو الزواج (إلا في حالات محددة) أو شراء السجائر وقيادة السيارة، بتغيير ديانته بهذه السرعة دون سؤال أو استهجان. وبذلك خرق تعليمات كانت قد وضعتها دائرته أواخر عام 2012 تتعلق بخصوص اعتناق الإسلام في المملكة، وإن كانت في الغالب تهدف للتعامل مع قضايا الزواج والطلاق ونفقة الأولاد. نعم السلطات المعنية بتنفيذ أحكام القانون بما فيها تلك القائمة على خدمة الشعب "تساهلت في الحد الأدني" حين سمحت لقاصر بالمعنى القانوني وبالغ بالمعنى الشرعي بأن يغير ديانته دون التحقق والتأكد من حال الحدث النفسية والاجتماعية والاقتصادية أو مراجعة أهله أو كنيسته وإشعارهم برغبة هذا الحدث! تصرف كهذا يحتاج إلى تحقيق ومساءلة المنفذّين من أجل حماية أسس دولة المؤسسات والقانون ونسيج الوطن المتمثل بالأفراد والجماعات على اختلاف أديانهم وأصولهم ومنابتهم. وكذلك صون العلاقات داخل الأسر ولحماية السلم الاجتماعي الذي يحسدنا عليه مواطنو الدول المجاورة الذين لجؤوا إلينا هربا من عواصف التطرف والعنف والكراهية المتناسلة منذ 2011. ما حدث إساءة للطفولة واستهتار ببراءة الأطفال وعدم احترام لمشاعر جزء من الكل الأردني. بانتظار قادم الأيام ومن سيعلق الجرس أولا ويطالب بفسخ قرار المحكمة الشرعية، تعد الجهات الأمنية المعنية العدة لاسترجاع القاصر الأول - من باب حملة استعادة هيبة الدولة - من مكان ضيافته في كنف عائلة في معان تقول إنه استجار عندها. من هناك سيوضع في دار أحداث تحت حماية أمنية لحين حل قضيته عبر فسخ قرار المحكمة. أهل القاصر يرحبون بعودته ويستغربون قصة التهديدات بقتله ويتعهدون باحترام أي قرار يتخذه بعد أن يبلغ سن الرشد. في الحال الثانية، قرّر شاب العودة إلى أهله في الزرقاء يوم الجمعة تاركا العائلة التي استضافته في معان. سلّمه نائب محافظ معان إلى شرطة الزرقاء، ومنها إلى وزارة التنمية الاجتماعية التي وضعته مؤقتا في دار إيواء قبل أن تسلمه رسميا لعائلته خلال الأيام المقبلة. بانتظار نهاية قصة الحدث الأول وجمعه مع أسرته، نأمل أن نكون قد تعلمنا من هذه التجربة لكي لا تتكرر مثل هذه الحادثة مع قصّر آخرين، قد تستغلهم تيارات أو شيوخ يبحثون عن إثارة النعرات الطائفية أو فكفكة نسيج المجتمع أو العثور على وقود بشري لنشر أهدافهم مستغلين الفقر والبطالة التي تعاني منها أسرة الحدث الأول. وقد يكون آن الأوان لإعادة دراسة تعديل مواد الدستور التي تحصر النظر في الأحوال الشخصية بالمحاكم الشرعية والكنسية، وأيضا سن قانون موحد للأسرة لمنع تجاوزات القضاة الشرعيين ورجال المحاكم المسيحية باسم هذه الحصانة. ولا بد من إعادة تنظيم العلاقة بين السلطات والمواطنين على أساس المواطنة بغض النظر عن الدين أو تغييره على أمل وقف معاناة فئة من المواطنين والانتقاص من حقوقهم الأساسية، ومنها المتصل بقضايا حضانة الأطفال والحصول على وثائق شخصية وتوزيع الميراث... حتى لا تضيع حقوق المواطن بسبب اعتبارات تتعلق بالدين أو تغيير الدين. فالدين مسألة شخصية بين العبد والله!! أما الوطن فهو للجميع.