في الوقت الذي تتعمّق فيه أزمة حركة نداء تونس بسبب التنازع حول الصلاحيات وشرعية قيادة الحزب الذي يتجلى في حرب المواقع و انقطاع حبل الودّ بين الهيئة التأسيسية و المجموعة التي أطلقت على نفسها تسمية المسار التصحيحي،تنغمس حركة النهضة في الاعداد لاجتماع مجلس شوراها ،أعلى سلطة تقريرية و الذي سبقه نهاية الاسبوع الماضي لقاء تمهيدي لأعضاء هذه المؤسسة، وذلك قصد التحضير لمؤتمرها القادم و من بعده للانتخابات البلدية. من الملاحظ أنّ حركة النهضة قد اتخذت على الأقل ظاهريا موقع المتفرج من الربوة في هذا الصراع الذي يهزّ أركان شريكها الجديد في الحكم رغم خطورة التطورات الأخيرة التي بلغت حدّ تسريب وثائق سريّة بطريقة تمسّ من هيبة الدولة التي باتت مستباحة من قبل الأحزاب و لوبيات مال و أعمال تحرّك بعض خيوط اللعبة السياسية من خلف الستار و أحيانا من أمامه.و للأمانة فإنّ هذا الاختراق ليس بجديد على أجهزة الدولة التي مازالت تسيل لعاب هواة ومحترفي "الآفاريات" السياسة على حدّ السواء. صمت النهضة ومداهنتها حتّى لبعض الممارسات و التجاوزات التي تضرب مؤسسات الدولة في الصميم جرّاء حرب المواقع صلب النداء قد لا يبرّر بمبدأ الحياد أو التضامن مع الحليف الحكومي بقدر ما يفهم من منظور براغماتي شعاره:" مصائب قوم عند قوم فوائد". بلا شكّ أنّ حركة النهضة رغم نصف الهزيمة التي منيت بها في الانتخابات الفارطة فإنّها تبقى طرفا رئيسيا في المشهد الحزبي التونسي قبل و بعد حدث 14 جانفي 2011. هذا المعطى له جذور تنظيمية و تاريخية و ثقافية مرتبطة بطبيعة أطروحات هذا الحزب و آليات اشتغاله وهو الذي سبق أن وصفه رئيسه راشد الغنوشي ذات يوم بأنّه العمود الفقري للجسم السياسي في تونس مما يشي بتشخيص ينطوي على فهم عميق للواقع السياسي و المجتمعي و بواطنه. كثيرا ما ردّد عدد من القياديين في نداء تونس بناء على النسق الذهني المؤامراتي أنّ أزمة حزبهم ساهمت النهضة في إذكاء فتيلها عبر مناصرة فريق على حساب آخر ارتكازا على قاعدة "فرّق تسدّ" فدكّ "القلاع الحصينة" لا يمكن أن يجدي نفعا إلاّ إذا كان من الداخل، بحسب هؤلاء. تحليل حمّال أوجه لكنّه في المحصلة ضعيف ويفترض التنسيب فحال المطبخ الداخلي لنداء تونس منذ تأسيسه مكشوف و معلوم لدى القاصي والداني إلاّ لمن رام المباهلة والسفسطة لتزويق الواقع. إنّ أزمة نداء تونس ليست وليدة اللحظة وهي حصيلة منطقية لتراكمات و هنّات رافقت سيرورة تشكلّ هذا الحزب الظاهرة الذي حقّق ما يشبه المعجزة بعد كسبه للانتخابات التشريعية والرئاسية خصوصا بفضل الشجرة التي حجبت الغابة. لذلك من المهم القول إنّ الصراع الندائي هو داخلي بالأساس بين إخوة أعداء جمّعتهم الترويكا وفرّقتهم السلطة والغنائم و إغراءات النفوذ. أمّا عن النهضة فإنّها ستكون المستفيد الأكبر سياسيا من كلّ هذا لاسيما اذا استوعبت جيّدا دروس تجربة الحكم. لكن ماذا عن تونس وشعبها في ظلّ هذه التقلّبات والصراع المحموم حول الحكم؟ وحده المستقبل سيكون خير كفيل بالاجابة عن هذا السؤال الواخز رغم أنّ الملامح تلوح ارهاصاتها في الأفق.