"الحبيب بورقيبة رجل قاد الحركة الوطنية ووصل بالبلاد إلى الإستقلال وبنى الدولة التونسية في ذكرى وفاته لانملك إلا الترحم عليه" هكذا كتب الشيخ راشد الغنوشي على صفحته على الفايسبوك في ذكرى وفاة الزعيم، قد تبدوكلمات في ظاهرها بسيطة لا تضاهي القصائد التي كتبت للزعيم ولكن عندما تأتي هذه الكلمات من العدو الأكبر الشيخ راشد الغنوشي الذي حاربه بورقيبة بشدة وطالته جميع أساليب التعذيب فأعتقد أنه أقوى تكريم ناله زعيم الحداثة منذ وفاته، اليوم ينتصر أمام الرجل الذي لطالما إعتبره عدوا لدود فنحن الشباب الذي لم نعش ذاك الزمن ربما لسنا في حاجة لنبش الأرشيف حتى نتعرف على موقف الشيخ راشد الغنوشي من بورقيبة يكفينا أنه منذ سنوات قليلة رفض الترحم على روحه. وهي خطوة مهمة تحسب إلى زعيم الحركة الإسلامية الذي يبدو أنه متمسك بالديمقرطية والحداثة إلى أبعد الحدود وبالتالي نجده يتجاوز الأحقاد الإيديولوجية ويقر بمزايا الزعيم ربما سعيا منه إلى تحقيق المصالحة الوطنية0 في الحقيقة بدأ هذا الإعتراف ضمنيا منذ أن دعى الشيخ راشد الغنوشي نواب حركة النهضة للتصويت على دستور مدني أقرمبدأ الفصل بين الدين والسياسة وهو إحدى ركائز الفكر البورقيبي بل هو جوهر الخلاف بين بورقيبة و الغنوشي الذي دفع ثمنه باهضا هذا الأخير. ثم أصبح بعد ذلك شريك للفكر البورقيبي الذي تجسد بإمتياز في شخصية السيد الباجي السبسي. لنراه اليوم يمر إلى مرحلة أخرى وهي أن يقر علنا و في خطوة غير مسبوقة بزعامة الحبيب بورقيبة و مزاياه على الدولة التونسية. وهو ما أثار ضجة كبرى في صفوف أنصار الحركة الإسلامية فإنهالت عليه التعاليق والشتائم التي ترفض بشدة الترحم على الزعيم الحبيب بورقيبة وطالت كلاهما أبشع النعوت. وهو ما يجعل زعيم حركة النهضة في مكان لا يحسد عليه فالظاهر للعيان أن أنصار الحركة ينقسمون إلى شقين، شق قد يقبل بهذه المراجعات الفكرية التحديثية للشيخ راشد الغنوشي والذي يسعى من خلالها لتونسة حركة النهضة و النئي بها عن الفكر الإخواني وشق 0خر يرفض بشدة مثل هذه المراجعات متمسكا بالمبادئ القديمة للحركة رغم إيمان زعيمهم بضرورة تجاوزها وإدراكه أن "حركة النهضة نبتة تونسية لايمكن أن تنمو خارج محيطها" ولذا وجب مراجعتها بفكر أكثر تحررا و حداثة يتماشى مع المجتمع التونسي. السيد راشد الغنوشي الذي طالته كل حملات التشكيك في مدى مصداقيته في تحديث الفكر النهضوي أمام تحدي كبير ينتظر أن يضع له حد في المؤتمر القادم للحركة فهل سينجح الشيخ في "تغيير بعض الأدمغة" كما نادى بذلك الزعيم ويتمكن من إقناع الشق المتزمت من أنصار الحركة ويلحقه بأفكاره الحداثية ؟ أم سيقبل ربما بإنسلاخ مجموعة كبيرة من أنصاره عن الحركة؟ وفي كلتا الحالتين يبدو أنه سيكون الزعيم الإسلامي الأكثر حداثة في الوطن العربي وهو فعلا إنجازا هاما سيحسب له فلم تعرف التيارات الإسلامية على إختلافها إلا بتشددها ورفضها لقيم الحداثة وأسس الدولة.