"يمكن للمرء أن يموت في سبيل وطنه، ولكن ليس له أن يكذب في سبيله". هذه المقولة الشهيرة للفيلسوف مونتسكيو قد يجوز تنزيلها في شكل تلخيص موجز للمقاربة التي انتهجها المؤرخ الجامعي فتحي ليسير في كتابه الجديد "دولة الهواة: سنتان من حكم الترويكا في تونس" والذي يعدّ أولى المحاولات الأكاديمية الرامية للتأريخ لتجربة مخاض الانتقال الديمقراطي العسير بعيد حدث 14 جانفي 2011. ففي متن هذا الكتاب الصادر مؤخرا عن دار محمد علي للنشر ، والذي من المنتظر أن يثير جدلا ومماحكات عديدة في الأوساط الجامعية والسياسية والإعلامية بتونس ، يغوص فتحي ليسير في أعماق تاريخ "ساخن" مازال حاضرا بقوة في وجدان ومخيلة وذاكرة التونسيين الذين عايشوا تجربة حكم أحزاب الترويكا بقيادة حركة النهضة، محاولا التمسك بالضوابط المنهجية العلمية الصارمة وبناصية الكتابة الموضوعية التي لا تخلو من نقد لاذع ومواقف تعكس مفهوم "المثقف العضوي" الذي لا يمكن قطّ أن يرابط فوق الربوة مكتفيا بالمشاهدة. يقول شيخ "قبيلة" المؤرخين التونسيين الهادي التيومي معلقا على ما ورد في مؤلف "دولة الهواة": "يجد القارئ في تضاعيف أبواب الكتاب الثلاثة: الحكومة والمجلس الوطني التأسيسي ورئيس الجمهورية المؤقت، معطيات غزيرة عن فشل الإسلاميين "الهواة" في تحقيق أهدافهم السياسية وتغيير طبيعة المجتمع بفضل النضال المستميت للحداثيين والمجتمع المدني، وعن السلفية الجهادية، وعن الاغتيالات السياسية، وعن انهيار الاقتصاد، وعن استشراء التهريب، وعن تفاقم احتجاجات البطالين في الجهات المهمشة، وعن دور القوى الإقليمية والدولية، وعن الحوار الوطني الذي قادته المنظمة الشغيلة وأفضى إلى إزاحة الترويكا سلميا من السلطة، وعن السلوك الإشكالي للرئيس المؤقت محمد المنصف المرزوقي". ويضيف الأستاذ المتميّز بجامعة تونس الأولى: "إن الإطلاع الفاحص على مادة وثائقية غزيرة جدا تميّزت بالحرص على الاعتدال في الأحكام وبالانحياز النزيه وباستعمال لغة أصيلة أصلية وقورة لا تجرح ولا تهين، هو ما يجعلنا ندرك خصال فتحي ليسير في كتابه هذا. فكلّ من يقرؤه يستحضر ما قاله ميكيافيلي: أفضل الذهاب إلى جهنم للحديث في شؤون السياسة مع المغضوب عليهم على أن يبرّح بي الضجر في الجنة مع الأغبياء". هذا وقد تمّ تقسيم مضمون الكتاب الذي هو من الحجم الكبير إلى ثلاثة أبواب ، ورد الأول تحت عنوان: "محمد المنصف المرزوقي: رئيسا إيكونوكلاست؟"، وجاء الثاني معنونا ب" قارة المجلس الوطني التأسيسي أو سيّد نفسه الذي كثر شاكوه وقلّ شاكروه"، أما الثالث فقد حمل عنوان "حكومتا الترويكا". وفي تصدير الكتاب خطّ الفيلسوف والانتروبولوجي يوسف الصديق بقلمه نصّا موسوما ب" مفهوم السائس وهاوية الهواية". ويشار إلى ان الدكتور فتحي ليسير أصدر مؤلفات ودراسات ومقالات علمية عديدة من بينها كتابه النظري: "تاريخ الزمن الراهن: عندما يطرق المؤرخ باب الحاضر". وهو يدرّس حاليا التاريخ المعاصر في جامعة صفاقس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية.