رئيس الدولة يشرف على اجتماع بقصر قرطاج..    سوسة: سلاحف بحرية مهددة بالاندثار تخرج إلى شاطئ القنطاوي في مشهد نادر    المندوب العام لحماية الطفولة: فتح بحث قضائي في فيديوهات الأطفال بالمهرجانات... وتداول الصور دون إذن مخالفة صريحة للقانون    حملات لوحدات الشرطة البلدية تسفر عن القيام ب 54 عملية حجز    بنزرت/ حجز 5,45 طن من مادة الدلاع وإعادة ضخها في المسالك القانونية..    عاجل: زلزال بقوة 5.7 درجات يضرب هذه البلاد    عاجل : واشنطن تُلزم بعض المسافرين بكفالة مالية ضخمة لدخول أراضيها    غزة: كندا تسقط مساعدات وتتهم دولة الاحتلال بانتهاك القانون الدولي    الحوثيون يعلنون استهداف مطار بن غوريون بصاروخ بالستي فرط صوتي    واشنطن تدين قرار وضع الرئيس البرازيلي السابق قيد الإقامة الجبرية    قناة السويس ترد على طلب ترامب بشأن المرور المجاني للسفن الأمريكية    الصربي ديوكوفيتش يعلن انسحابه من بطولة سينسيناتي الأمريكية للتنس    وزير الشباب والرياضة يُكرّم الجمعيات الرياضية الصاعدة ويؤكد على دعمها وتحسين ظروف عملها    هل السباحة ممكنة اليوم..؟!    يهم التوانسة...درجات الحرارة هكا باش تكون اليوم وغدوة    الثلاثاء: البحر مضطرب بهذه السواحل    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    فنان الراب العالمي بلطي يروي قصص الجيل الجديد على ركح مهرجان الحمامات    فنان الراب العالمي بلطي يروي قصص الجيل الجديد على ركح مهرجان الحمامات    اكتشاف علاج واعد لأحد أخطر أنواع سرطان الدم    6 فوائد مذهلة للكمون ستجعلك تتناوله يوميا..    سلطات مالي تعلن تحرير 4 سائقي شاحنات مغاربة    من مسبح المرسى الى سماء العالمية ..أحمد الجوادي قاهر المستحيل    تاريخ الخيانات السياسية (36) ..المعتزّ يقتل المستعين بعد الأمان    أخبار الحكومة    المدير الجهوي للتجارة بنابل ل«الشرق» استقرار في التزويد.. وجهود لضبط الأسعار    بنزرت الجنوبية: وفاة 4 أشخاص غرقا في يوم واحد    تونس: تجميع أكثر من 11,7 مليون قنطار من الحبوب إلى غاية نهاية جويلية 2025    بلاغ رسمي للملعب التونسي    أخبار النادي الصفاقسي .. حصيلة ايجابية في الوديات.. وتحذير من الغرور    بعد إلغاء الحكومة لجلسات تفاوض حول النقل .. اتحاد الشغل يهدّد    شبهات التلاعب بالتوجيه الجامعي ..فرقة الجرائم المعلوماتية تلاحق الجناة    المنستير: تظاهرة "فنون العرائس على شاطئ روسبينا" في دورتها الثانية بداية من 15 أوت 2025    ليلة الاثنين: بحر مضطرب بالسواحل الشرقية والشمالية    النجم الساحلي يتعاقد مع الظهير الايسر ناجح الفرجاني    وزير السياحة: سنة 2026 ستكون سنة قرقنة    القصرين: سواق التاكسي الفردي يتوجهون نحو العاصمة سيرًا على الأقدام تعبيرا عن رفضهم للقائمة الأولية للمتحصلين على رخصة "تاكسي فردي"    بطولة افريقيا للشبان لكرة الطاولة بنيجيريا: المنتخب التونسي يختتم مشاركته بحصد 8 ميداليات منها واحدة ذهبية    مهرجان نابل الدولي 2025... تكرار بلا روح والتجديد غائب.    ماء في الكميونة يعني تسمم وأمراض خطيرة؟ رّد بالك تشرب منو!    التوجيه تحوّل لكابوس: شكون تلاعب بملفات التلامذة؟    أمطار وبَرَدْ دمّرت الموسم: الزيتون والفزدق والتفاح شنيا صار؟!    الدلاع راهو مظلوم: شنوة الحقيقة اللي ما تعرفهاش على علاقة الدلاع بالصغار؟    عاجل/ الإعلان عن موعد انطلاق "أسطول الصمود" من تونس باتجاه غزة..    والد ضحية حفل محمد رمضان يكشف حقيقة "التعويض المالي"..    سليانة: رفع إجمالي 275 مخالفة اقتصادية خلال شهر جويلية    "روبين بينيت" على ركح مهرجان الحمامات الدولي: موسيقى تتجاوز حدود الجغرافيا وتعانق الحرية    وزارة الأسرة تؤمن مواكبة 1200 طفل من فاقدي السند ومكفولي الوزارة عرض La Sur la route enchantée ضمن الدورة 59 لمهرجان قرطاج الدولي    عاجل/ خبير بيئي يفجرها ويكشف: مصب برج شكير كارثة..وعمره الافتراضي انتهى..!    إصابة عضلية تبعد ميسي عن الملاعب ومدة غيابه غير محددة    جريمة مروعة تهز دمشق: مقتل فنانة مشهورة داخل منزلها الراقي    تحذير طبي هام: 3 عناصر سامة في بيت نومك تهدد صحتك!    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    من بينها السبانخ.. 5 أطعمة قد تغنيك عن الفيتامينات..تعرف عليها..    تاريخ الخيانات السياسية (35): المنتصر يقتل والده المتوكّل    اعلام من باجة...سيدي بوسعيد الباجي    ما ثماش كسوف اليوم : تفاصيل تكشفها الناسا متفوتهاش !    شائعات ''الكسوف الكلي'' اليوم.. الحقيقة اللي لازم تعرفها    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بنادق سائحة لأحمد نظيف: الكتاب الصدمة أوالضرب في الدربالة
نشر في حقائق أون لاين يوم 18 - 04 - 2016

إذا كان التوحيدي قد قال "إنّ الكلام على الكلام صعب" فإنّني أقف أمام كتاب أحمد نظيف قائلا "(الّي تلمه النمالة في عام يأكله الجمل في فم).
هذا ينطبق على ما فعله نظيف في كتابه فقد جمعه بأناة النملة ودأبها، بدأت قصته مع سجن المرناقية في 2007 وانتهى كتابا مكتملا سنة 2016 (تاريخ وصوله إليّ مطبوعا) بعض الاحالات تتعلق بما كتب سنة 2015 (شهر مارس) هذا التجميع الدؤوب استقرّ صباحا بين يدي لأنتهي من القراءة في منتصف الليلة نفسها.
الكتاب متوسط في حجمه. قطْع اوراقه وعددها متوسط ايضا (140 صفحة تقريبا) ولكنه احتوى من المعارف والمعلومات ومن السّرد والتّحليل مايجعله بحجم مسيرة التّاريخ الذي تناوله. يعود بالسّرد إلى سنوات بعيدة في اوائل القرن العشرين (ماضينا الحزين) وينتهي بهعند منتصف العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين (حاضرنا المشوش) وهذه المسيرة تخفّف حزن الماضي وتزيل بعضا من غموض الحاضر وتكشف ملْمحا من ملامح قسوته وتفاهته(حكاية قرن من الزمان والتاريخ "الاحداث" مهمة جيدة وعسيرة).
في خطابنا اليومي وفي همومنا النفسية وحياتنا السياسية والاجتماعية تقف صورة الإرهابي ماثلة تملا الفضاء وتحدده فنحن نعيش معها ونعايشها في وجوهنا المختلفة كما أننا نعيش داخلها أو تعيش داخلنا لتحدد حركاتنا وتحكم نشاطنا بمختلف وجوهه فتكبلنا بالخشية والخوف أو تحررنا من خوفنا ووهمنا .إنها الصورة الاكثر حضورا وتواترا في حياتنا شئنا أم أبينا ولعلناإذ ننكر علاقتنا بها إنما نؤكد هذه العلاقة ونؤصّلها في إنكارنا. فنحن عندما ننكر الصورة نؤكد هذه العلاقة بنوع من الهروب الساذج كالطفل يخفي رأسه لكي يتفادى الخطر ويهرب منه إنّه هروب فاجع مُنْكَر نحو طفولة ساذجة وبريئة في عالم لايحتمل البراءة ولايؤمن بها.
إننا إذ ننكر نتورّط أمّا حين نعترف ونحاول الفهم فإنّنا نتورط أكثر فأكثر فاغلب التونسيين يخشون الإرهاب ويخافون تبعاته فيحاربونه ويهاجمونه أو يتنصلون ممّا يحيل عليه كاللحّية واللّباس الأفغاني وحتى ارتياد المساجد يخافه العاديون كما يخافه الإرهابيون. وهم إذ يفعلون ذلك إنّما يجذرون حضوره فيهم، يؤكّدون انهم في مجاله يعيشون.
جُلّ التونسيين يناقشون الإرهاب ويجعلونه موضوعا لخطاباتهم في منابر متنوعة من الجلسات الخاصة الى اللقاءات العامة الى الاحاديث السرّيّة (ان تُسمّى الزوجة او الحبيبة او الصديقة /الخليلة داعوشة انما هو خوف من خطر ما خطر يتهدد الفرد والجماعة).يناقش التونسيون الإرهاب صورة وشخصا ,يناقشونه صورة تنطبع في أذهانهم يتشربونها من وسائط الإعلام ويتلقونها من الرسائل المختلفة التي ترد عليهم من الأخبار والصور والمشاهد والأحاديث , ويناقشونه شخصا في تحقّق الصّورة في حياتهم اليوميّة من خلال جيرانهم وزملائهم في العمل وأبنائهم وأقاربهم ...
في هذا الخضم يظهر كتاب أحمدنظيف" بنادق سائحة تونسيون في شبكات الجهاد العالمي "لرسم صورة قد تكون مختلفة عن مألوف صورة الإرهابي في وعي التونسيين وحياتهم
الكتاب متوسط معتدل في حجمه وفي عدد صفحاته وفي طريقة تناوله لموضوعه ولكنه متطرف في منهجه وفي معارفه فهو ابعد عن التوسط وعن الاعتدال إذ لا يعمد إلى تلفيق المواقف والرؤى وإلى مسايرة المألوف المعتاد منها ولا يتوخى سياسة القطيع التي ترفض المختلف وتجافي الحارق .الكتاب يجمع معارف متنوعة تاريخية وتحليلية وسياسية واستراتيجية وعقدية ويحاول ان ينسق حضورها لتكشف ما لايريد كثيرون كشفه فيتلكؤون عند الحديث عن الظاهرة وتضيع منهم خيوط الخطاب الجلي ّالواضح وسبل التحليل "العلمي" للظاهرة وإنّما يكتفون بمِزَق الأفكار وأمشاج المواقف التي لاتبين ولا توضح ولاتفيد.
ينطلق خطاب أحمدنظيف في الكتاب من موقف واضح ورؤيةمحدَّدة: موقفأعرب عنه منذ البداية، فهو متورِّط في مسألة الإرهاب من زمن بعيد (نسبيّا) وتَوَرّطه تاريخيّ بتجربة السجن "الخطأ" بتهمة القرب من الإرهابيين. كماأنه عاشر الإرهابيين في سجنه وفي مسار تكوينه المعرفي في الاختصاص الصحفي من جهة وبهوية المواطن من جهة اخرى، عاشر المؤلف الإرهابيين في سجنه وفي حياته بطرق مختلفة فعرف حكاياتهم واطّلع على خفايا تكوينهم وتفكيرهم. من هنا يتميز تناوله للمسالة وعمق إدراكه لحقيقتها وخواصها.
ولأنّه تونسي بشكل أو بآخر فقد تناول صورة الإرهابي التّونسيّ تحديدا ليؤكد أنّ كليشيهات من نوع "نحن شعب مسالم والإرهاب"موش متاعنا" والإرهاب ليس تونسيا والإرهابيّ مُهمَّش ومحتقَر وبطّال وفقير ومن الدّواخل " إنّما هي مغالطات يطمئن إليها عامة الناس وبعض 'المحللين'لأنها مريحة ترضي غرور شعب ال 300 سنة من الحضارة وكأنّها في نظرهم بنيت بالتصفيق والهتاف وليس بالدماء وعلى جثث كثيرة وبدم غزير كما تقول وقائع التاريخ.
لم يسأل كثير من التونسيين أنفسهم سؤالا وجيها وهم يواجهون الإرهاب معيشا أو متخيّلا (ولعل كثيرا منهم الى اليوم لايسألون أو لا يتجرؤون على السؤال): هَل نحن قابلون كغيرنا لأنْ نكُون إرهابيين في الدّاخل أو في الخارج أو بشكل أكثر رومنسية (ونحن نحبها هربا من قسوة الواقع) هل الإرهاب (الأسْود) يليق بنا؟ وغياب هذا السؤال أو على الأقل هامشيّة حضوره بيننا يعود في جانب منه إلى محاولة إيهام النفس بأنّ ما نعيشه مجرّد كابوس عارض أو حلم مزعج ينتهي بمجرد اليقظة وفتح العينين.
الحقيقة كما يظهرها الكتاب أننا "دواعش" بشكل او بآخر. وان خوفنا من الإرهاب هو –في الحقيقة-خوفنا من أنفسنا ومن حقيقتنا الماثلة أمامنا كلّما اعترانا الصّدق مع أنفسنا وليس مجرد خوف عليها من الآخر الغازي الغريب إنّنا نخاف الإرهابلأنّنا في لحظات صفائنا ندرك أنّه منا وفينا وبيننا.
التونسيون في الكتاب ليسوا إلاّ آلات قتل ووسائل تدمير يوظفها "عزرائيل" عن طريق آخرين لزرع الموت والخوف ليس التونسيون في "بنادق سائحة " إلاّ عناصر تخفي هويتها وتتحرك في فضاء معقّد هو "شبكات" تتداخل عناصرها وتتشابك لتصنع في النهاية شَرَكا للتونسي كي يكشف عن دواخله ولكي يحدّد هويّته من "جهاد عالمي" نحن جزء منه شئنا أم أبينا. إنّ التّونسي في هذه الشبكات ضحيّة تُقتل او تُفجّر وعنكبوت ينسج الشباك وينصبها ويقع فيها فريسة جهاديّة.
التونسيون يسيحون جهاديّا لأنهم لم يجدوا في وطنهم ما يحقّق لهم ما تحقّقه عوالم أخرى هي جهاديّة بامتياز: جهادية لأنّها تسهّل صناعة الشّبكات وتنوّع وسائل اصطياد الضّحايا إنهم هناك يبحثون عن متعة لم يجدوها في وطنهم : متعة ان تكون "مناضلا" من اجل هدف اسمى وأن تقتل لكي تنال لذة آنية :البطولة والفخر أو مؤجَّلة: الجنّة والحُور. لايجد التونسيون ما يروق جهادتيهم الوطنيّة فيسيحون جهاديّين غرباء وإن كانت هويّتهم التّونسيّة راسخة في تميّزهم عن بقية الجهاديين في افغانستان والبلقان والعراق وسوريا....... فيتميزون بمخيماتهم وأعلامهم وأعمالهم.
عندما يسيح الجهاديّ التونسي فإنّ عينيه وقلبه وبندقيّته تبقى معلّقة بتونس بلد المنشإ ومصدر الفخر الجهادي (بلد عقبة بن نافع وأسد بن الفرات طبعا حنبعل وعليسة لا وسيدي محرز وسيدي بوسعيد لا ايضا) تعني الجهاديّة من ضمن ما تعنيه العسكرية وهي جوهر عقيدة القتال والغزو والحرب لذلك تنقطع صلة الجهاديّ بكل معاني الجهاد الاخرى (الحقيقيّة أو المزعومة) من مثل الدفاع عن الوطن والعرض والمال والعمل من أجل الأسرة والأبوين والآخرين و (وقد عدّ جهادا).
السياحة الجهادية كذّابة والحيّ- الجهادي يروّح والمِرْواح يكون بالجسد في حال السّلامة وبالصّيت الذي يُبْهر ويستقطب او بالتجربة تُنْقل إلى آخرين مباشرة بالتدريب أو بواسطة ما تيَسّر من وسائل التّواصل ( الكتابة الفيديو وو). البنادق الجهاديّة السّائحة موجودة دوما. وُجِدت في كل القارّات وفي كلّ المحطّات الجهاديّة ولكنّها تعود دوما الى قلب الرّحى - تونس الام الوطن -.
البنادق الجهاديّة التّونسيّة السّائحة في الخارج سائحة أيضا في تونس: سائحة لأنّها تضرب السّياحة مباشرة (سوسة وباردو ضرب مباشر) أو عن طريق التّرويع والصّدمة (هنشير التلة وبنقردان تسييح غير مباشر). وسائحة لأنّها تمارس رياضتها المفضّلة في الجبال الخضراء ومراكز التّدريب المنتشرة في كلّ ركن من البلد، كما أنّها تستعين بخبرات أجنبية تشجيعا للسّياحة الجهاديّة وردّا للجميل الجهادي. سائحة داخليّا في كلّ الفضاءات من السّاحات العامّة بالخيم إلى الإدارات إلى المساجد والمقاهي والبيوت وكل فضاء يحتمل حضور الجهادي السائح.
الأخطر أنّها سائحة في عقول كثيرة ومعنى سائحة أنّها منتشرة وأنّها كذلك غير محدّدة الملامح ولا معروفة الخطر والتهديد. مواطنونا أمننا وقضاؤنا جميعهم يتعاملون مع الظّاهرة بنوع من الميوعة واللامبالاة فالمواطنون يحبون الإرهاب السّائح فيهم وبينهم (الافكار والأشخاص) يحبّونه لأنّه متديّن وجهاديّ وضدّ الكفر والعلمانيّة ولأنّه بطل يدافع عن أمّة وقضيّة.
المحامون والحقوقيّون يدافعون عن الإرهابيّ بواقع حقوق الإنسان وتحت غطاء الحرية الذي كشف عورات كثيرين منّا جهلا او تجاهلا فتحوّل إلى سيف مسلَّط على الإنسان إرهابيا أو مضادًّا للإرهاب.
أمنُنا يتعامل بنوع من الرّخاوة العجيبة مع الظّاهرة الإرهابية. تشتدّ قبضته إلى حدّ التّغوّل وتتراخى إلى حدود التّوافق مع الظّاهرة في وجوهها المختلفة. يشدِّد القبضة مع كلّ طارئ إرهابيّ (عمليّة أو تحذير أو تخوّف) ويرخي القبضة مع كل فترة استراحة "بيولوجية" وسياسيّة. فيكون التّوافق مع ظاهرة التّهريب (صنو الإرهاب) وفق قانون الفرح الدائم ( افرح بيا).
القضاء هو الآخر لم يسلم من النَّوَسان بين هذا وذاك فيشتد مرّة ويتراخى أخرى ولا يتصرّف باعتباره سلطة مستقلّة لها رأي وموقف وحقّ دستوريّ قانونيّ شرعيّ في تقييم أوضاع البلد وأحواله وسلوك السّلك القضائي أقرب إلى سلوك إداريّي العالم الثالث منه إلى سلطة مستقلة وصاحب سلطان.
لم يقل الكتاب والكاتب هذا بشكل صريح ولكنّه لايترك في نفس القارئ التونسي إلاّ هذا أو ما يشبهه إنّنا نتعامل مع الظّاهرة الإرهابيّة بنوع من الميوعة في الفهم والتصدّي والموقف. فلعل ظهور الكتاب مع احداث بن قردان يعيد تعديل الكفة وإفاقتنا على فشلنا الجمعي والفردي الذي عشناه وما زلنا نعيشه.
أحداث بن قردان عوض ان تكون " طريحة التوبة" وإشارة المنبِّه للخطر تجاه ظاهرة تتهدّدنا سياسيّا واجتماعيّا واقتصاديّا وحتى اخلاقيا (القتل مهنة والإرهاب صناعة ومنهج حياة ) تحوّلت إلى نوع من المخدِّر الذي يمسح من ذاكرتنا رعبا عشناه لأيّام' رعبٌ عاشه اهل بنقردان في طعامهم وشرابهم ودمائهم وعشناه صوتا وصورة وحرفا في وسائل الإعلام وإنْ ذقنا شيئا من مرارة دمه وعمق ألمه.
هذا الحدث حولته وسائل الإعلام في فوضى الإخبار وهشاشة التّحليل الى منوّم للجماعات ومحفّز للتّراخي لدى الأفراد والجماعات. فلم نشهد تحليلا يقوم به فنيّون حقيقيّون ولا نحن عرفنا حقيقة ما حدث وكيف يمكن تلافيه وتجنبه لاحقا. لم نجد تحليلا علميّا للواقعة من وجوهها المختلفة ولم تتجاوز جهودنا الإشادة بأهالي بن قردان وشجاعتهم وبتضخيم ردود الفعل العفويّة دون أن نهتمّ بمضاعفاتها وأخطارها وما يمكن أن تمثِّلَه من خطر على المواطن ومن عرقلة للعمل الامني / العسكري ومن تشتيت للانتباه عامة (الملاحظ أنّ نجاح التّصدّي في بن قردان يعود إلى إلتزام المواطنين بالبقاء في منازلهم في السّاعات الأولى من العملية).
لم نجد تناولا تحليليا للحدث ولا تفاعلا مع ارتداداته يمكن أن يكون مؤطر للفهم ومُجْليا للغموض ومُحدِّدا للأسباب والنتائج فهل عرفنا إلى يومنا هذا ما الذي حدث ومن قام به ومن دفع إليه ومن خطّط له ومن موّله وما أسبابه البعيدة والقريبة؟ لم نعرف إلى اليوم لماذا في ذلك التّوقيت ولصالح من؟ وما النقائص وما الفجوات؟ لا شيء من هذا تم بطريقة رسميّة علميّة واضحة ما رأيناه مجرّد مهاترات سياسيّة في وضع لا يحتمل السياسيّات الخطابيّة لأنّه أمنيّ وعسكريّ بامتياز(سؤال محاكمة المتهمين الذين القي عليهم القبض أيكون أمام المحاكم العادية أم العسكريّة استغرق أيّاما وأسابيع ولا حس ولاخبر ماتت القضية ومات السؤال دون أنْ يولد الجواب).
كلّ تلك الإشادة بأهل بن قردان (وهم مستحقون لها )هل تحوّلت إلى نوع من التحرّكات الملموسة التي تجعلهم أكثر تيقّظا وأشدّ حرصا ام أنّنا استنفدنا جهدنا في المديح المريح وتركنا أهل البِلا(د) في بلا(د)هم وعدنا إلى معتادنا فرحين مسرورين.
كتاب أحمد نظيف يعرّي ما أمكنه هذا الخلل ويضعنا على بداية طريق الفهم عندما يجمع خيوط الماضي والحاضر ويؤلف بين الايديولوجي والسياسي ويزاوج بين الخبري والتحليلي. بداية الطريق للفهم هي الشّك في قناعاتنا الغبيّة ومواقفنا الحمقاء في ما يخص الظاهرة الإرهابية وبنادقها السائحة والتي ما زالت تسيح بيننا في فضاءاتنا المختلفة (العقل والبيت والاسرة والحي والادارة والبلد والقرية والزنقة).
السياحة مع الكتاب سياحة معرفة للتاريخ وللسياسة وللمجتمع وسياحة تجليةللفهوم والمفهوم وكسر للقناعات البليدة فالكاتب لم يخاطب الاكاديميين والنخب فلهم خطابهم ودينهم إنّما خاطب أبناء شعبه ممن أحاطت بهم السبل وعشيت أبصارهم عن الطريق. ترك المؤلف خطاب النخبة للنخبة وتوجه إلى من لم تتوضح عنده السبل لأنّهم هم السائحون في قضية الإرهاب.
الكاتب يخاطب بنصه وأفكاره المواطن الذي يراه مصنوعا من معارف الإعلام بمشاربه المختلفة ومواقفه المتنوعة والمقولب ايديولوجيا وسياسيا فبعض الإعلام أعمى (الإرهاب فزّاعة) وبعضه أعشى (في الشعانبي رياضيون) وبعضه يرى كأنّه لم ير وآخر يرى لكي يقول ما لايراه( البحث عن الكنوز / وبن علي صانع الإرهاب) وبعضه الاخر يرى ويرى ويريد ان يرى الجميع ما يراه (الإرهاب يصنعه هذا او ذاك : النداء مرة والنهضة اخرى واليسار ثالثة والأمن الموازي وو) ونحن نتابع الإعلام نحس على وجه الحقيقة ان الإرهاب كائن غريب نزل على كوكبنا
عندما تسيح البنادق فإنّها تعود الى موطنها فالإرهابي يروح ولو في الأخبار والطير يقول يا وكري .
والإرهابي في كتاب السيد النظيف تونسي ساح وساح وساح وعاد إلينا مرتدا كتلك الآلة لاسترالية العجيبة فهل نحن قادرون على التقافه ام اننا ننتظر مرة اخرى صيحة بعد الضربة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.