لم يمرّ حدث الاعلان عن تركيبة وهيكلة حكومة يوسف الشاهد مرور الكرام خلال اليومين الاخيرين ليخلّف بذلك صخبا وانتقادات ومشهدا أكثر ضبابية رغم توسيعه للقاعدة السياسية والاجتماعية للفريق الحكومي الجديد. فخلافا لما كان متوقعا،سرّع الشاهد في موعد كشف النقاب عن تشكيلة حكومته التي ضمّت لأوّل مرّة في التاريخ السياسي للبلاد شخصيات اسلامية ويسارية ودستورية وليبيرالية وقوميّة ونقابية ومستقلين في لوحة بانورامية تجسّد ظاهريا مقولة "الوحدة الوطنية" التي كانت عنوانا لمبادرة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي. حكومة الشاهد التي من المنتظر أن تعرض على أنظار مجلس نواب الشعب يوم الجمعة المقبل لنيل الثقة من عدمها كانت عرضة لسيل من الانتقادات والتحفظات وحتّى الرفض لوجود أسماء على رأس وزارات من غير اختصاصها العلمي والمهني وأخرى لا تتمتّع نظريا بالكفاءة اللازمة والقدرة على تحمّل مسؤوليات في دولة تعيش على وقع ظرف صعب للغاية جعلها على شفير الانزلاق نحو وضع أشدّ خطورة. تركيبة حكومة يوسف الشاهد ،على غرار التجارب السابقة التي هي وليدة نظام سياسي هجين وبائس أقرّ منذ وضع القانون المنظم للسلط العمومية أو ما بات يعرف لاحقا بالدستور الصغير في ديسمبر 2011، لم تخل من منزع قائم على الترضيات والمجاملات التي اختلط فيها الحزبي بالشخصي والجهوي بالسياسوي. بصمة رئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي وبعض مستشاريه هي الاخرى كانت بارزة للعيان في التركيبة الحكومية التي ظهرت في حلّة أشبه ب"الصحن التونسي". من هذا المنطلق، قد يجوز وصف تشكيلة حكومة الشاهد بحكومة المتناقضات التي ضمّت 26 وزيرا و14 كاتب دولة قدموا من كلّ فجّ عميق ومن ملل ونحل مختلفة لكن يبدو أنّه ينطبق عليهم قوله تعالى: "تحسبهم جميعا وقلوبهم شتّى". إنّ التصريحات والمواقف المتتالية التي ما انفكت تصدر عن أحزاب ممثّلة في التشكيلة الحكومية الجديدة على غرار آفاق تونس والكتلة البرلمانية للنداء،علاوة عن أطراف أخرى كانت موقعة على اتفاق قرطاج مثل حركة الشعب واتحاد الفلاحين توحي بارهاصات التناقضات التي تشقّ حكومة يوسف الشاهد الذي قد يجد نفسه مجبرا على اجراء تعديل قبل عرض وزرائه على مجلس نواب الشعب للتصويت. صحيح أنّ الشاهد يتمتّع بحظوظ وافرة لنيل الثقة من مجلس نواب الشعب لاسيما في حال مباركة النهضة وحزبه النداء ومكونات أخرى من أهمها حركة مشروع تونس، بيد أنّ ذلك لا يجب أن يحجب هشاشة "حكومة النيوديل" وعمق التناقضات التي قد تقصم ظهرها في أولى الاختبارات رغم تنوع تركيبتها الحالية التي ضمت طيفا واسعا من السياسيين المتحزبين وشخصيات ذات تجربة نقابية ومهنيّة ثريّة. يأتي هذا في ظلّ الوضع السياسي الراهن المتسم بالمراهقة والعبث الذي يكتنف مواقف وسلوكات بعض الاحزاب وقياداتها التي من الواضح أنّها لا ترى غضاضة في إعادة انتاج نفس أخطاء الماضي القريب، لاسيما خلال فترة حكومة الحبيب الصيد الذي لم يشفع التصويت القياسي لنواب الشعب مقارنة بمن سبقه خلال عرض حكومته الثانية تحت قبة باردو لديمومة طاقمه الوزاري الذي ما لبث أن حصل على شهادة وفاته السياسية والاخلاقية يوم اطلاق الباجي قائد السبسي لمبادرة حكومة الوطنية الوطنية بعد أربعة أشهر فقط من المصادقة عليه. لا مراء في أنّ رئيس الحكومة المكلف لم يتجاوز بعدُ مطبات وفخاخ مرحلة تشكيل الحكومة الجديدة التي سيبقى نجاحها رهين توفر الارادة السياسية في التجديد والتغيير ونكران الذات والمصالح الضيقة، على قاعدة السعي لكسب ثقة المواطن التونسي وإعادة الأمل في امكانية اخراج البلاد من المأزق الراهن وتقديم الأهم على المهم بناء على برنامج تفصيلي معقلن وجريء قابل للتطبيق وفقا لخطوات مدروسة وهو ما يجعل المسار السياسي الحالي برمّته إزاء سيناريوهات مفتوحة على احتمالات شتّى وسط حقل من الألغام التي تتهدّد مستقبل البلاد والديمقراطية التونسية الرخوة بطبعها.