قبل أن يعجل علينا (1)أبو هند فيتّهمنا بالاستقواء بالصينيّين وانتحال طريقتهم في تسمية السنوات بأسماء الحيوانات كسنة الدجاجة وسنة الخنزير وسنة العنز إلخ... وأنا على يقين أن كثيرا من المتربّصين قد التقطوا العنوان وهلّلوا وكبّروا استعدادا للانقضاض، أقول أن العنوان لا علاقة له بالصين ونمورها، وإن كنت لا أرى مانعا أن نسير على هدي خيارات حاكمنا الرشيدة بالاستئناس بثقافة من سبقونا، فدولتنا اقتبست من الصينيّين إبداعاتهم في مجال حجب الانترنت ومراقبة الإبحار على الشبكة ولم ير أحد في ذلك ما ينتقص من قيمتنا الإبداعية في هذا المجال. لا يخفى على أحد أن الحلزون كائن خجول اعتاد التقوقع على ذاته والزحف على الأرض بعيدا عن الأنظار أو تسلّق الجدران في صمت، فلا ترى له عجيجا ولا تسمع له ضجيجا. بل يذهب البعض إلى القول أن الحلزون، لشدّة خجله جمع الجنسين في قوقعة واحدة حتى لا يكشف عورته لأحد أو بعبارة أخرى: خنثى بين الجنسين. كلّ هذا يجعل الحلزون يفضّل الظلّ والحياة بعيدا عن ضوضاء الشارع وأضواء المدينة وأعين المراقبين والمتربّصين، ويكتفي من الحياة بالكفاف، فإن استطاع إلى لقمة ألذّ سبيلا دون جهد سعى إليها وإلاّ فقوقعته تحميه وتقيه هزّات الأحداث. ولأنّ هذه النوعيّة من الكائنات هشّة وسريعة العطب فإن من الواجب على دولتنا التي وسعت عنايتها كلّ من يدبّ ويزحف في حدودنا وحتى خارجها أن تهتمّ بها وأن توليها من العناية ما يليق بمن كان سبّاقا في استنان السنوات أو ما يحلو لي أن أطلق عليه بالقضايا الحوليّة. وما دامت قد ارتأت أن تجعل سنة للطفولة تعالج فيها قضاياها وسنة للمسنّين وسنة للحوار مع الشباب بل ونجحت في تصدير تجربتها لتصبح دوليّة، وما دامت الآليّات المعتمدة لا تخدش خجل الشرائح المعنيّة فلا سنة الحوار مع الشباب أزعجت الشباب بحوار مع شيوخ الدولة وكهولها ولا سنة الطفولة أنطقت الطفل في المهد، فما المانع أن نعتمد نفس الآليّة لتخصيص سنة للحلزون، خاصّة وأنّ هذه الفئة الخجولة أخذت تتكاثر في مجتمعنا بشكل كبير، ففي المنزل والمقهى والإدارة والمصنع وأين وضعت رجليك لا بدّ أن تصطدم بأحد الحلازين يزحف تحت قدمي مسؤول أو يتسلّق جدار مدير أو يتقوقع على نفسه أو على نصفه الآخر خجلا وخوفا من الضوء لينجب حلازين خجولة بدورها وليتزحلق على إفرازاته باحثا عن الأمان والهدوء الذين لن تزعجهما ضوضاء الإعلام الحلزوني بدوره ولا بهرج سنة الحلزون التي ستكون كسابقاتها مناسبة لتكون تونس سبّاقة في مجال حماية الحلزون بحيث نضمن للأجيال القادمة من الحكّام شعبا متقوقعا لزجا زاحفا متسلّقا لا تأخذه في الحقّ... سَورة، ولا يخشى في التملّق والتزحلق لومة لائم؟ ولربّما تنجح التجربة التونسية في تربية الحلزون فتصبح مرجعا في علم الاجتماع يدرّس في الجامعات الكبرى ويحجّ لها أكبر سياسيّي العالم ليستأنسوا بتجربتنا الرائدة في تنمية الحلزنة. (1) ليس تعريضا بأحد وإنما اقتباس عن قصيد عمرو ابن كلثوم الشهيرة التي مطلعها: أبا هند فلا تعجل علينا / وأنظرنا نخبّرك اليقينا