فجّر يوم الجمعة 24 أوت الرئيس منصف المرزوقي مفاجئة من العيار الثقيل حين اعتبر أن ممارسات حلفاءه في الحكومة من حركة النهضة شبيهة بتلك التي اعتمدها نظام المخلوع، اتهامات الرئيس التونسي وردت على لسان أحد مستشاريه خلال افتتاح المؤتمر العام الثاني لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية. و قد أثارت تصريحات المرزوقي حفيظة أصدقائه في حركة النهضة الذين سارعوا الى الانسحاب من فعاليات المؤتمر و على رأسهم وزير الداخلية علي العريّض و سمير ديلو رئيس مجلس شورى الحركة عبد الفتاح مورو هذا بالإضافة الى عدد من القادة والوزراء الاعضاء فيها احتجاجا على كلام المرزوقي. وقال المرزوقي في خطابه ان "اخواننا في النهضة يسعون للسيطرة على مفاصل الدولة الادارية والسياسية عبر تسمية انصارهم (سواء) توافرت (فيهم) الكفاءة ام لم تتوافر" و أضاف ان هذه "ممارسات تذكر بالعهد البائد"، في اشارة الى عهد الرئيس المخلوع بن علي. ويمثل حزب "الرئيس" المؤتمر من أجل الجمهورية شريك النهضة في الائتلاف الثلاثي الحاكم الذي يضم أيضا الى حزب التكتل الذي يرئسه مصطفى بن جعفر. وانتقد المرزوقي الذي اسس حزبه في 2001 اصرار النهضة على النظام البرلماني و قال "لدغنا من هذا الجحر مباشرة بعد الاستقلال وعانينا نصف قرن من تبعات جمع حزب وان حصل على الاغلبية بصفة ديمقراطية ، للسلطتين التنفيذية والتشريعية في بلد هيأته القرون للدكتاتورية لا للديمقراطية ". ومن جانب آخر أعرب الرئيس المؤقت في رسالته عن " تفهمه للمخاوف" من محاولة حركة النهضة وضع يدها و السيطرة على مختلف دواليب الدولة و مؤسساتها. فتوى الشيخ راشد في الخطاب عبر راشد الغنوشي عن استغرابه من اتهامات المرزوقي للنهضة و أوضح أن حزبه يخالف آراء كثيرة يتبناها الرئيس المؤقت , وقد أوضح الغنوشي و لو ضمنيا أن المرزوقي لم يفهم دوره في هذه المرحلة أي الفصل بين الصفات السياسية و الحقوقية. و من جانب آخر رفض الغنوشي ترشح كل من تقلد منصب أو تحمل مسؤولية في العهد السابق الى الانتخابات القادمة و اعتبر ذلك "لا يجوز" قائلا " لن نسمح لقوى الردة بالعودة و انتاج رموز الماضي من جديد". و في سياق آخر أصر زعيم النهضة على أن حزبه متشبث بالنظام البرلماني "تحت حكم جمهوري يرعى الحقوق السياسية و المدنية" و أدان التشدد بكل أنواعه معتبرا أن الشعب التونسي " قادر على أن يدرج كل الحركات في المنظومة الديمقراطية". عبو يمتص الغضب لا يخفى على أحد أن كلمات المرزوقي كانت "سهام نارية" عجلت بانسحاب النهضاويين من فعاليات المؤتمر ، مشهد أراد محمد عبو الأمين العام بالنيابة لحزب المؤتمر من أجل الجمهورية التقليل من تداعياته المحتملة في العلاقة بين الحزبين. و اعتبر عبو أن راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة قد "تسرع في فهم خطاب رئيس الجمهورية المؤقت محمد منصف المرزوقي" معتبرا أنه "لا يمكن تأويل خطاب المرزوقي سلبا". أي مغزى من الرسالة ؟ لن تمر كلمات المرزوقي مرور الكرام بالنسبة لحليف اليوم و هذا ما مهد له انسحاب أعضاء النهضة الذين لم يستوعبوا خطاب المرزوقي. تصريحات الرئيس التونسي لم تأتي من فراغ فبعد الأحداث الأخيرة التي شهدتها ولاية سيدي بوزيد من شغب و عنف احتجاجا على الوضع المعيشي بداية من انقطاع الماء مرورا بانقطاع الكهرباء و وصولا الى البطالة. و بالإضافة الى ذلك " تأخير في بعث مشاريع التنمية في الجهات المحرومة (...) والتردد في اطلاق عنان العدالة الانتقالية ومحاسبة الفاسدين وتسوية ملفات الجرحى وعائلات الشهداء" كما صرح المرزوقي. بحسب المرزوقي تتحمل حركة النهضة المسؤولية الكاملة في الاحتقان بحيث أنها لم تلب المطالب الشرعية بصفتها تمتلك جل الوزارات و أهمها ، و الشكوك المتواصلة بخصوص استقلالية الاعلام والقضاء والهيئة الوطنية لتنظيم الانتخابات و التي ذكرها المرزوقي في خطابه بحيث أثار موقف النهضة "التي تسعى للسيطرة على مفاصل الدولة" (كما جاء على لسان المرزوقي) جدلا كبيرا ازاء هذه القضايا الحساّسة و خاصة تعييناتها المسقطة و آخرها تعيين مدير عام لمؤسسة دار الصباح. و قد يمثل عدم انسحاب رئيس الحركة راشد الغنوشي من فعاليات المؤتمر رسالة واضحة على أن العلاقة بين الحزبين بخير الى حد ما و هذا لا يمنع أن النهضة قد تغير نظرتها تجاه "الصديق" خاصة و أن الاتهامات كانت من دون شك من طرف مؤثر. هكذا كانت رسالة المرزوقي التي وجهها لحركة النهضة من خلال المؤتمر العام لحزبه..و اذا كانت هذه رسالة حزب في الحكومة فكيف سيكون اذا رد الحكومة؟؟