يصادف اليوم دخول ثورة لبنان شهرها التاسع، إذ أنها انطلقت في 17 تشرين الأول/أكتوبر 2019 على أمل التغيير نحو مستقبل واعد. ولكن سرعان ما همدت الثورة بفعل عوامل عدة أبرزها عدم الاستجابة الشعبية بكثافة للمطالب التي تدعو إلى تغيير النظام السياسي برمته؛ والمعروف أن لبنان هو بلد ذو طابع طوائفي بامتياز إذ يتكون من فسيفساء خاصة عبارة عن 18 طائفة، ولكل طائفة زعيم سياسي روحي تاريخي، وهؤلاء الرموز هم من يتحكمون بأتباعهم الذين يشكلون غالبية من الشعب، أما قلة قليلة فهي تنادي بالإصلاح الجذري لكل ترسبات الماضي. ولكن ما يدور في الأيام الأخيرة هو مؤشر خطير ينذر بانهيار دولة بكاملها، فالأوضاع المعيشية باتت صعبة جدا، ومطالب الثورة بإعادة المال المنهوب من السياسيين لا تلقى أذانا صاغية، بل على العكس تتفاقم الأمور السلبية بوتيرة متسارعة، وأصبحت الحياة للإنسان كارثية، فلبنان الذي عرف عنه في الماضي أنه "سويسرا الشرق" بدأ يتحول إلى دولة مارقة على القوانين و الأعراف وقد ينحدر إلى دولة قبائل.. الحكومة الحالية لا تستجيب لمطالب صندوق النقد الدولي من حيث الإصلاحات في حال أرادت أن تستمد الدعم المالي الدولي، لأن الخزينة العامة باتت شبه خاوية، وتم إخفاء العملة الصعبة عن المواطن من قبل حاكم مصرف لبنان وبات شراء الدولار يتم عبر "السوق السوداء" للصرافين، فقد بلغ أرقاما قياسية وصلت إلى عشرة آلاف ليرة للدولار الواحد، بعدما كان يساوي ألف وخمسمائة ليرة فقط على مدى 28 عاما. وهذا انعكس ارتفاعا جنونيا بالأسعار وخصوصا المواد الغذائية وقد انخفضت القدرة الشرائية وازدادت حالات الفقر. هذه الأزمة انعكست أيضا على كل القطاعات إذ بات تسريح الموظفين والعمال أمرا روتينيا لأن الإفلاس كما يقول الجميع هو ما ينتظرنا، هذا الذي دفع أكبر المؤسسات إلى إغلاق أبوابها، في مقدمها شركة كوكاكولا العالمية وفندق "لو بريستول" العريق الذي يقع في شارع الحمراء التاريخي. الأمور تتفاقم..حتى مادة الفيول قد نفذت من مخازن شركة الكهرباء وبات محكوما على اللبناني أن يعيش على ضوء الشموع أو أن يتلوى بأسعار اشتراك المولدات لأن التقنين يلامس 20 ساعة يوميا. لبنان أصبح بالفعل إلى معجزة.. ويد العون غير متاحة حاليا إذ يعتبر حزب الله عقبة أساسية في طريق الإصلاح وتبدو كل الآفاق مسدودة في ظل غياب الدعم العربي حتى وليس أمام اللبنانيين سوى انتظار فتح أبواب الهجرة.