كشف تقرير صدر في بداية ديسمبر الحالي عن مكتب منظمة العفو الدولية بتونس، أن أحد أخطر أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي ما اصطلح على تسميته "الاغتصاب الزوجي" وهو أن يجبر أحد الزوجين شريكه على إقامة علاقة جنسية هو كاره لها. ويعرف الدكتور المختص في العلاج النفسي السلوكي والجنسي سفيان الزريبي، الاغتصاب في نطاق الزواج بأنه "إكراه أحد الزوجين الطرف الآخر على إقامة علاقة جنسية رغم إرادته "، مبينا أنه "سلوك مرضي حيواني" باعتبار أن الرجل الذي يجد لذة في ممارسة الجنس بالغصب والعنف ويستمتع بآلام شريكه في علاقة مليئة بالدموع والصراخ والنحيب وملطخة بالدماء هو شخص "غير سوي ". كان عسيرا جدا النبش في تفاصيل هذا الصنف من العنف، رغم أن للضحايا عنوانا أو بالأحرى عناوين معلومة. مركز الإحاطة والتوجيه التابع للاتحاد الوطني للمرأة هو العنوان الوحيد الذي "تسربت" منه فصول من معاناة ضحايا الجرائم " المشروعة ". جرائم جنسية تهز فراش "الرباط المقدس " ترددت فاتن الجبالي المرشدة الاجتماعية بالمركز كثيرا قبل أن تسرد ل¬(وات) وقائع كانت استأذنت من بطلاتها لروايتها ووافقنها. بالهمس تارة وبالإشارة طورا وبيدين مرتعشتين وقسمات مضطربة تكشف عن استحياء، حكت فاتن مأساة صابرة (اسم مستعار) امرأة الخمسين عاما على فراش "الرباط المقدس ". قالت فاتن "كان زوجها الذي يصغرها بثمان سنوات يوثق يديها إلى رأس السرير ليشبع نهما جنسيا يعاني منه ". لم يكتف زوج صابرة بممارسة "ساديته" يوميا من فرط رغبته الجنسية. كان والحديث لفاتن، يطلب الجماع ليلا نهارا ويوقظها من عز نومها حين تستبد به النزوة فيفرغها في وحشية وقد أشبعها عنفا. تروي صابرة أنها أدركت بمرور الأعوام استفحال إدمان زوجها على الممارسة الجنسية لكنها لم تكن تملك شجاعة ولا قوة لصده. فهي مجرد ربة بيت وهو رجل معروف في جهته وما كان العرف ولا العادات ولا التقاليد ولا حتى المجتمع قادرين حسب اعتقادها، على إنصافها. في هذا الباب، يؤكد الزريبي أن الاغتصاب في إطار الحياة الزوجية لا يهم شريحة اجتماعية دون أخرى وليس له علاقة بالمستوى الثقافي والاخلاقي أو بالتدين، مشددا على أنه ليس علامة قوة وإنما دليل ضعف ونقص في الثقافة الجنسية واضطراب في الشخصية بما يؤدي إلى سلوك اندفاعي وفقدان السيطرة على النفس وعدم تحكم الشخص في أفعاله. تدهورت صحة صابرة مع تقدم العمر وساءت حالتها النفسية ولم يخمد لهيب الشهوة لدى زوجها، بل استحال شذوذا حين أصبح يستقدم لفراش الزوجية بغايا يواقعهن بحضور زوجته ويرغمها على المشاركة في هذه الجريمة الجنسية. لم تقدر صابرة على الهرب من جحيم الزوجية فلا مأوى آخر لها. لكنها بين الفينة والأخرى تلجأ إلى مركز الإحاطة والتوجيه بالمنظمة النسوية لتروي معاناتها ثم لا تلبث أن تعود إلى الجحيم. ذكرت فاتن أن صابرة تأتي إلى المركز لا تحمل من متاع الدنيا إلا "صرا" يحفظ أدباشها وتبيت ليلة قدومها في العراء بإحدى محطات الحافلات. وما كانت أمل (اسم مستعار) تمنع زوجها عن إتيانها لولا أنه يصر على أن يواقعها في وضع يحرمه الشرع وتأباه الأخلاق وتعافه النفس السوية. لم تخف أمل أنهااعتادت مشاركته « الجريمة" قبل الزواج وخيل إليها أن الأمور ستتغير بعد البناء لكن شريكها تمادى فصار لا يحلو له جماعها إلا حين يأتيها على هذه الشاكلة. جفاف المشاعر… طريق إلى العنف ويعكس فرض علاقة جنسية على الزوجة وفق الأخصائي النفسي، انعدام التواصل بين الطرفين وذهاب المودة والرحمة بينهما وهو ما يؤكد وجود "إشكالية علائقية" مردها جفاف المشاعر بين الأزواج واتساع الهوة بينهما وإحساس الزوج بفقدان القدرة على التقرب من شريكة حياته واستمالة قلبها لدرجة يصبح معها غير قادر على ممارسة الجنس إلا باستعمال العنف والإكراه. تعرضت أمل ذات 29 ربيعا إلى أضرار جسدية خطيرة لم تكن كافية لكبح جماح شذوذ "نصفها الثاني"، الذي أضحى يجرها جرا للعلاقة الجنسية أمام أنظار ابنته البالغة من العمر 3 سنوات دون أن يهتز لنحيبها أو يحرك ساكنا لذعر شديد انتابها من صراخ أمها الذي يرج كل مرة أركان "المستودع " الذي يسكنونه. تقول المرشدة الاجتماعية وهي تعض نواجذها تبدي أسفا، "لقد فقدت البنت النطق نتيجة انهيار نفسي وتم إيواؤها بمركز للإحاطة النفسية بالأطفال ". وشدد سفيان الزريبي على أن العلاقة الجنسية القائمة على التعنيف والسادية والشذوذ، تخرج عن إطار العلاقة الزوجية العادية لتدخل في إطار ما يسمى ب¬"العنف الجنسي" وهو مفهوم يدل قطعا على وجود إشكالية وصعوبات داخل النواة الزوجية التي عادة ما يغلب عليها في هذه الحالات العنف وعدم التواصل والتفاهم. ومن غرائب جرائم "الاغتصاب الزوجي" حكاية حياة (اسم مستعار أيضا) مع زوجها الذي لا تروق له عملية الجماع إلا حين ينهال على معاشرته ضربا مبرحا ما جعله يتسبب لها في إحدى المرات في كسر بأحد أضلاعها. يذكر أن منظمة العفو الدولية كانت دعت تونس إلى مراجعة القوانين باتجاه الاعتراف قانونيا بمفهوم الاغتصاب الزوجى. وقالت الباحثة فى شؤون شمال افريقيا بمنظمة العفو الدولية ماجدولينا المغربي، إن الكثير من التونسيات يجدن أنفسهن أسيرات لدوامة العنف بما فى ذلك تعرضهن للاغتصاب الذى غالبا ما يكون على أيدي أزواجهن. وحسب سامية دولة، القاضية والمكلفة بمهمة بديوان وزيرة المرأة والأسرة والطفولة، قنن المشرع التونسي أحكام جريمة " الاغتصاب" بالفصل 227 من المجلة الجنائية الذي تنص الفقرة الأولى منه على أنه "يعاقب بالإعدام كل من واقع أنثى غصبا باستعمال العنف أوالسلاح أو التهديد به ". القانون لا يحمي "الصامتات " وشددت دولة على أن هذا الفصل جاء "عاما" باعتبار أنه استخدم عبارة "أنثى"، مشيرة إلى أن العبارة في فقه القانون إذا جاءت مطلقة تجري على إطلاقها وهو ما يعني أن " القانون التونسي يجرم الاغتصاب سواء كانت الضحية زوجة أم لا " . وترى القاضية أن الإشكال الحقيقي بالنسبة إلى هذا النوع من الجرائم يكمن في عدم تقدم الزوجات اللاتي يتعرضن للاغتصاب الزوجي بشكاية في الغرض. وأردفت " امرأة واحدة فقط من بين أربع نساء يتعرضن للعنف المادي من قبل أزواجهن يقدمن شكاية، فما بالك بضحايا العنف الجنسي؟ ". واستدركت مضيفة قولها "من الضروري تطوير المنظومة القانونية باتجاه التنصيص صراحة على تجريم الاغتصاب الزوجي وفق ما نص عليه الدستور الجديد في الفصل 64 القاضي بأن على الدولة اتخاذ كافة الإجراءات من أجل حماية المرأة من العنف ". ولا تتوفر بتونس إحصائيات دقيقة عن حالات "الاغتصاب الزوجي " باستثناء نتائج تحقيق كان أجراه الديوان الوطني للأسرة والعمران البشري سنة 2010 أظهرت أن 14 فاصل 2 بالمائة من النساء يصرحن أنهن تعرضن للعنف الجنسي من قبل شريكهن مرة على الأقل. وتصدر إجبار الزوجة على الجماع أنواع العنف الجنسي بنسبة 10 فاصل 9 بالمائة مقابل 5 فاصل 5 بالمائة من النساء يجبرن على وضعيات جنسية لا يرضينها في حين بلغت نسبة النساء اللائي يقع تعنيفهن ثم إجبارهن على الجماع 3 فاصل 9 بالمائة. آداب المعاشرة الزوجية "عبادة وصدقة" في الإسلام ويحرم الإسلام "الإكراه على الجماع" تحريما مطلقا وفق ما صرح به مفتي الجمهورية حمدة سعيد، في حوار مع وكالة تونس إفريقيا للأنباء. وقال المفتي "إذا كنا اليوم نجد أشخاصا يتصرفون من منطلق إجبار المرأة على إتيانها وهي كارهة فهذا من باب الجهل بالدين لا لكون الإسلام يبيح ذلك أو يعطي حقا للرجل دون المرأة لمباشرة هذه العلاقة ". وأوضح أن الإسلام ينطلق من مبدأ "ما رأيت مثله في سائر الديانات ولا الثقافات ولا الكتب ولا الفلسفات" وفق تعبيره، وهو أن الله تعالى "خلق المرأة والرجل من نفس واحدة"، مستدلا بالآية القرآنية "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة" (سورة الروم). وفسر معنى السكن هي الراحة والاستقرار والطمأنينة وراحة البال بالنسبة إلى الزوجين، مضيفا أن المودة هي المحبة والرحمة هي المعنى الروحاني النفساني الذي يجعل كلا من المرأة والرجل يشعران بطمأنينة واستقرار وراحة نفسية. واعتبر الإسلام العلاقة الحميمية بين الزوجين "عبادة"، يقول المفتي مستندا إلى حديث رسول الله عليه الصلاة والسلام "يأتي أحدكم بضعه ويكون له بذلك صدقة ". كما فرض الدين الإسلامي على الشريكين ما يسمى ب¬"آداب المعاشرة الزوجية" التي يتعين أن يتحلى بها الرجل والمرأة على حد سواء، بحسب ما صرح به مفتي الجمهورية، مضيفا قوله " ليس هناك دين ولا فلسفة أكثر تحضرا ولا رقيا ولا مدنية من الدين الإسلامي الذي يسوي بين المرأة والرجل ويفرض مثل هذه الآداب في المعاشرة الزوجية ويمتع كلا منهما بحقوقه ".