بعد روايته الطلياني التي تحصلت على جائزة بوكر و سال حولها كثير من المداد و عقدت من أجلها عديد المطارحات و الأمسيات الثقافية و الأدبية خرج علينا الأستاذ المبخوت بروايته الثانية تحت عنوان باغندا في 240 صفحة مقسمة إلى ثمانية فصول : شمس الحكاية ، الذئب الشاب ، الماركاتو ، النيغرو و الغادة الحسناء ، الأولتراس ، بروموسبور أولاد الطليانة ، غروب الحكاية ، أول تحقيق المستحيل . و قد صدرت الرواية عن دار التنوير للطباعة و النشر بتونس موسومة بصورة للغلاف للمصمم نجاح طاهر . إلتقينا بالروائي شكري المبخوت لنطرح عليه جملة من الأسئلة حول هذا المؤلف الذي رأيناه مغايرا لما جاء في روايته الطلياني و هو موضوع كرة القدم هذه اللعبة الجماهيرية ومن ورائها من مسيرين و مدربين و أنصار فكان رده الآتي مشكورا : 1- رواية باغندا فاجأت قرّاءك على مستوى الشكل و المضمون، فهل تعمّدت هذا التحول في الكتابة؟ هل فاجأتهم حقا؟ يسعدني ذلك فهذا يعني أنني لم أكرّر الطلياني التي جعلت القرّاء يرسمون صورة مّا من خلالها عن طريقتي في بناء الرواية ومقاربة الموضوعات. ورغم ذلك لا أرى شخصيّا اختلافا جذريا في الاهتمامات والشواغل والأسئلة الأساسيّة. ولكن من جهة اخرى لكل رواية مقتضياتها في بناء عالمها ورسم شخوصها وبنائها. من هذه الناحية أعترف أن ثمّة تغييرا وإن كان ظاهريا في الموضوع. فالروايات عن كرة القدم وعوالمها المتشعبة الثريّة الفاتنة الغريبة قليلة جدا بل إنني شخصيا لم أطلع على رواية في هذا الموضوع. بيد اننا حين ندقّق نجد موضوع التحوّلات التي شهدها المجتمع التونسي أخلاقيا وسياسيّا وقيميّا وفي الحياة اليوميّة حاضرة حضورها في الطلياني وإن وقع تناول ذلك من خلال استعارة لعبة كرة القدم من ناحية وما يحف بها من أبعاد مختلفة من ناحية أخرى. أما في خصوص الشكل، ففعلا تختلف باغندا عن الطلياني لأن فيها اشتغالا على استثمار جنس صحفي هو التحقيق الاستقصائي في كتابة نصّ روائيّ. وهذا جانب مقصود طبعا واختبار لممكنات في التخييل الروائي اعتمادا على شكل قوليّ يبدو لأوّل وهلة لطابعه الصحفي بعيدا عن التخييل الأدبي. ولكن الصحافة اليوم خصوصا في العالم الأنكلوسكسوني صارت تعنى اكثر فأكثر بالسرد والحكايات ثم إنّ الرواية جنس ادبي نهم يأكل كل شيء ويستوعب أنماطا من القول مختلفة متعدّدة. والواقع انّ وراء هذا الاعتناء بالشكل سؤالا جماليّا يتعلّق بالحد الفاصل بين الروائيّ وغير الروائيّ والأدبيّ وغير الأدبيّ. وإذا صحّ ما قلته لي من أن رواية باغندا فاجأت القرّاء فإنّ ذلك يبهجني فعلا. 2- يتهمك البعض بأن رواية باغندا هي عمل تجاري أكثر منه فني ترجو منه الربح السربع. كيف تردّ على ذلك؟ ليس لي ان أردّ على الاستيهامات ولا الاتهامات. فقط أسأل أين الجانب التجاريّ في الرواية؟ ومتى كان الاشتغال بالرواية عملا مربحا؟ إنّه لأمر مضحك فعلا. 3- نفترض جدلا أن ما قيل صحيح و أن التهمة في محلها، فهل غاب عنك أنّ المولعين بعالم الكرة و الرياضة من الصعب جدا أن يقرؤوا الرواية؟ الآن فهمت ما يقع وراء هذا الاتهام. والسؤال يحمل التناقض بين ما تسميه التهمة وما قدمته من دليل. وهذا ليس جديدا بالنسبة إليّ ففي الطلياني ذهب البعض إلى أنني أتعمّد الإثارة والجنس والبورنوغرافيا لأبيع الرواية والآن حين نتحدث عن كرة القدم نكون باحثين عن توسيع قاعدة القرّاء لنبيع أكثر (والمفارقة نبيع لقرّاء موهومين غير موجودين لأنهم ببساطة لا يقرِؤون كما قلت؟). فليكن. ولكنّنا نعرف ان أهل "الأدب الراقي" لا يحبون كرة القدم في العادة ومن ثمّة لن تستهويهم قراءة رواية عن هذه الرياضة أما عشاق الرياضة فالأرجح ان أغلبهم لا يتعامل مع الفنّ الروائيّ. معنى هذا ان الرواية لن تجد قارئا جديدا وستخسر القرّاء المعتادين. لأفترض معك هذا فأين الجانب التجاريّ والحال انّ الخسارة مضاعفة؟ لكن من يقول هذا الكلام لا أعتقد أنه قرأ الرواية. فهي عن كرة القدم نعم ولكن عالم كرة القدم ليس هو عالم الملاعب والفرجة فحسب. بل إنّ باغندا تشتغل على سوسيولوجيا كرة القدم وما يعتمل فيها من صراعات وقوى ضغط ورؤوس أموال وأضغاث أحلام وخيبات واستغلال … إلخ. هذا ما يجعل عالم الرياضة صورة من المجتمع بتناقضاته وطبقاته ووجوه الاغتراب فيه. فتحوّلات المجتمع التونسي حاضرة في الرواية بقدر حضور الرياضة. والأهم من ذلك أن رواية باغندا رغم أجوائها المحليّة التونسيّة أكدت من خلال ما كتبه غير التونسيين عنها خصوصا في مصر والسودان أنّها تناولت قضايا تتجاوز تونس ولها اشباه ونظائر في بلدان عديدة. وهذا موثّق في مقالات لا أعرف أصحابها ولا صلتي تربطني بهم. ويكفي أن يتحقق هذا حتى يكون لباغندا عمق وسمك إنسانيّين تتجاوز بهما السياق التونسي حتى إن لم اقصد إلى ذلك. 4- سؤال يبدو ساذجا و لكنه يخامرنا: هل أن الأسماء المذكورة في رواية باغندا هي أسماء حقيقية؟ و إن كانت كذلك فكيف لا تخشى متابعتها لك قضائيا؟ فعلا ذكرت بعض الأسماء الحقيقيّة على سبيل التكريم لأصحابها مثل الصديق الفنان سمير العقربي وهو ما قمت به في الطلياني أيضا. ولكن أسماء الشخصيات الرئيسيّة في الرواية كلها متخيّلة. كثيرون رأوا في شخصيّة عماد بلحوجة صورة سليم شيبوب رئيس الترجي سابقا. ولكنهم على شرعية ربطهم كقراء بين الشخص المصنوع من مداد وورق وبين الشخص الواقعي الحقيقي فإنّ عماد بلحوجة ليس سليم شيبوب لسبب بسيط جدا هو أنني لا أعرف حياة سليم شيبوب الشخصيّة ( بالمناسبة القليل الذي أعرفه عن هذه الشخصيّة الواقعيّة يمكن أن يصلح منطلقا لكتابة الرواية). ومن يرى نفسه في الرواية ويعتقد أنّني تجنيت عليه بأيّ وجه من الوجوه فليتقدم إلى القضاء. فهذا سيمثل دعاية مجانية للرواية. 5- إذا سلّمنا أن الكاتب لا يكتب إلا كتابا واحدا، فأيهما تعتبره كتاب شكري المبخوت؟ باغندا أم الطلياني؟ سؤال سابق لأوانه من ناحية انني لم أكتب كل ما أريد ان اقوله سرديّا. فالمشاريع كثيرة وربّما بعد ان تتوقف عرائس السرد عن زيارتي وإلهامي يمكن ان نعرف ما هو الكتاب الأهم. ومن ناحية أخرى هذا السؤال يوجه إلى القرّاء وإلى النقاد بالخصوص. فبالنسبة إلى المؤلّف لا يصدر عملا مبدئيّا إلاّ إذا كان راضيا عنه. وفي ما يخصّني لا أستطيع أن أفاضل بين الروايتين. ورغم ذلك يوجد فرق أساسيّ. فعبد الناصر الطلياني شخصيّة آسرة لي وهي مفتوحة على احتمالات شتّى إذ تركته في رواية الطلياني في الثلاثين من العمر سنة 1990 وهو يغريني بمواصلة تتبع مساره في العقود اللاّحقة وبالفعل نجد قصّة طويلة في مجموعة السيّدة الرئيسة يعود فيها الطلياني في حين أنّ باغندا ملف أغلقته ولن أعود إليه على الأرجح رغم أن الكثير من التفاصيل والقضايا التي تتصل بعالم كرة القدم مازالت تحتاج إلى تخييل ولكن فليكتب عن ذلك غيري إن شاء. " إذا رأى شكري المبخوت أن عالم كرة القدم ليس هو عالم الفرجة فحسب بل إنّ باغندا تشتغل على سوسيولوجيا كرة القدم وما يعتمل فيها من صراعات وقوى ضغط ورؤوس أموال وأضغاث أحلام و خيبات واستغلال … ، شكري المبخوت يوقظ قراؤه برواية باغندا بواقع الإستهام و الأحلام المفروضة عليهم حيث يعتقد من لا فلس في جيبه أنه إشترى لاعبا بملايين الدولارات و مدربا و الحال أنه لا يستطيع أن يشتري كسوة جديدة لنفسه . . . عالم الوهم الجديد هذا هو ما شرع للبعض بإعتبار كرة القدم إفيونا جديدا للشعب