سمعتكم تتحدثون يوما عن شهر رجب، وقلتم بأنه لم يرد فيه حديث يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم، فما حكم صيام رجب، وهل هو من السنة أم هو بدعة؟ ج : لم نتعرض لصيام رجب في الحديث الذي سمعه الأخ منا، وإنما قلت فيه بأنه من الأشهر الحرم، والصيام في الأشهر الحرم مقبول ومستحب، على كل حال. ولكن لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه صام شهرا كله، سوى رمضان. وكان أكثر ما يصوم في شهر شعبان، ولكن لم يكن يصومه كله، وهذه هي السنة النبوية في ذلك... فإنه كان يصوم ويفطر في سائر الشهور، وكما ورد "كان يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم" فما يفعله بعض الناس من صيام رجب كله، كما كنا نرى ذلك في الأرياف من قبل، فقد رأيت بعض الناس يصوم رجب وشعبان ورمضان والأيام الستة من شوال، ويسمونها "الأيام البيض" وبعد ذلك يفطر، ويكون عيده في اليوم الثامن من شوال... وتكون حصيلة صيامه هذه الشهور الثلاثة والأيام الستة المتواصلة، لا يفطر إلا يوم العيد. وهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة ولا عن السلف الصالح. فالأولى صيام أيام وإفطار أيام، لا التتابع في الصيام. وكل خير في اتباع من سلف وكلي شر في اتباع من خلف فمن أراد الاتباع، وأراد الثواب الكامل، فليتبع النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يصم رجب كله ولا شعبان كله. فهذا هو الأولى. وبالله التوفيق. س: كثيرا ما نسمع من خطباء الجمعة -وخاصة في أول شهر رجب- أحاديث يروونها في فضل هذا الشهر، وفي الثواب العظيم الذي يعده الله لمن يصوم ولو يوما واحدا من هذا الشهر.. ومن هذه الأحاديث "رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي". فما رأيكم في هذه الأحاديث؟ وهل يصح فيها شيء يعتد به؟ وما حكم من يروي للناس أحاديث مكذوبة ينسبها للنبي صلى الله عليه وسلم؟ ج : لم يصح في شهر رجب شيء، إلا أنه من الأشهر الحرم، التي ذكرها الله في كتابه (منها أربعة حرم) وهي: رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم.. وهي أشهر مفضلة.. ولم يرد حديث صحيح يخص رجب بالفضل، إلا حديث حسن: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم أكثر ما يصوم في شعبان، فلما سئل عن ذلك قال: أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان. فهذا الحديث يفهم منه أن رجب له فضل أما حديث "رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي" فهو حديث منكر وضعيف جدا بل قال كثير من العلماء إنه موضوع.. يعني أنه مكذوب، فليس له قيمة من الناحية العلمية ولا من الناحية الدينية. وكذلك الأحاديث الأخرى التي رويت في فضيلة شهر رجب بأن من صلى كذا فله كذا ومن استغفر مرة فله الأجر كذا.. هذه كلها مبالغات، وكلها مكذوبة. ومن علامات كذب هذه الأحاديث ما تشتمل عليه من المبالغات والتهويلات.. وقد قال العلماء: إن الوعد بالثواب العظيم على أمر تافه، أو الوعيد بالعذاب الشديد على ذنب صغير، يدل على أن الحديث مكذوب. كما يقولون مثلا على لسان النبي صلى الله عليه وسلم: "لقمة في بطن جائع خير من بناء ألف جامع" هذا حديث يحمل كذبه في نفسه.. لأنه من غير المعقول أن اللقمة في بطن الجائع ثوابها أعظم من الثواب المترتب على بناء ألف جامع. والأحاديث التي وردت في فضل رجب من هذا النوع... وعلى العلماء أن ينبهوا على مثل هذه الأحاديث الموضوعة والمكذوبة ويحذروا الناس منها.. فقد جاء أنه "من حدث بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" ولكن قد لا يعلم أن ما يرويه من الأحاديث الموضوعة، فهذا يجب أن يعلم، ويعرف الأحاديث من مصادرها.. فهناك كتب الحديث المعتمدة، وهناك كتب خاصة في الإعلام بالأحاديث الضعيفة والموضوعة مثل "المقاصد الحسنة" للسخاوي، "تمييز الطيب من الخبيث لما يدور على ألسنة الناس من الحديث" لابن الديبع، "كشف الخفا والإلباس فيما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس" للعجلوني... وهناك كتب كثيرة.. ينبغي أن يعرفها الخطباء.. ويكونوا على إلمام بها، حتى لا يرووا حديثا إلا إذا كان موثوقا به، فإنه من الآفات التي دخلت ثقافتنا الإسلامية هذه الأحاديث الموضوعة والمدسوسة.. التي روجت في الخطب وفي الكتب وعلى ألسنة الناس، وهي في الحقيقة مكذوبة ودخيلة في الدين. ولذا ينبغي أن ننقي ونصفي ثقافتنا الإسلامية من هذا النوع من الأحاديث. وقد وفق الله تعالى من العلماء من عرف الناس الأصيل من الدخيل والمردود من المقبول وعلينا أن نستفيد من ذلك ونتبعهم فيما يبينون لنا من علم... والله ولي التوفيق.