ما أجمل خطب الساسة, ما أرق كلماتهم وما أعذب حناجرهم في إستعطاف وطلب أصوات الناخبين قبيل الإنتخابات, ولكن ما إن يتربعوا على العرش و يمسكوا صولجان الحكم تغدو لغتهم قاسية وحادة يملؤها الجفاء, فتتحول تلك الوعود إلى آثار أقدام سرعان ما تمحوها المياه وتمسي عهودهم كزبد البحر تحملها الرياح أطل علينا أعلى رأس في السلطة ليقول لنا ماذا نحن فاعلون, فبعث برسالة طمأنة للخارج عبر حماية مصالحهم ومؤسسات إنتاجهم, وأراح نفوس الفاسدين وشد من عزائمهم من خلال تأييده وتشبثه بقانون مصالحتهم خطاب يحملنا من مرحلة اللافعل إلى مرحلة اللامبالاة بهموم و مشاغل هذا الشعب فقد إفتقر إلى بث الأمل في قلوب المواطنين وطمأنتهم عن مستقبلهم فزاد من درجة الإحباط ليرسم بذلك صورة أكثر قتامة وكآبة, فلم يكن من تاريخية هذا الخطاب إلا توقيت بثه إنسدت الآفاق وغاب نور الصبح عن هذا الوطن في ظل تعاقب حكومات هجينة تألفت من أطياف سياسية غير متجانسة فغاب معها المشروع الوطني الواضح المعالم فإنزلقنا إلى حالة من العبث والإرتباك واللخبطة تعدد ربابين سفينتنا فلم نعد نعلم أي طريق نسلك, فالسفينة عاجزة عن مقاومة التيار, فقلوعها ممزقة, وألواحها متناثرة وحبالها متطايرة وسواريها منكسة وفي الأفق تلوح في وجهها الصخور الناتئة المحددة الأطراف كأنها رماح مصوبة إلى صدرها, وإن حلت الكارثة سيقفز القادة إلى مراكب النجاة ولن يبقى على ظهر السفينة إلا أبناء الشعب البسطاء ليواجهوا مصيرهم المحتوم تونسكم أغراض ومنازع, حكومة ذات رؤوس لا عداد لها, لجان وأحزاب, خطب ومحاضرات, كذب يحتجب وراء نقاب من الذكاء المستعار ورياء يختبئ في رداء من التقليد والتصنع, شيخان لا يفكران إلا بذاتهما, أما تونسنا فأحلام وأماني, تلال تتعالى بهيبة و جلال نحو إزرقاق السماء, علم و جمال, حماس الشباب وعزم الكهولة وحكمة الشيخوخة