يتوهم من يعتقد أننا أصبحنا ديمقراطيين لمجرد صياغة دستور و تركيز هيئات " مستقلة " فالديمقراطية ليست مجرد عملية شكلية بل هي ثقافة و حضارة و سلوكيات. كل ما في الامر اننا بعد الإستقلال غيرنا شكل ديكتاتوريتنا و نوعيتها فمررنا من ديكتاتورية الدولة إلى ديكتاتورية النظام لنصل اليوم إلى ديكتاتورية الاحزاب. ففي زمن حكم الحبيب بورقيبة أسسنا ديكتاتورية الدولة التي بفضلها تم بناء تونس الحديثة ولهذا السبب لم يغنم بورقيبة (عدى بقائه في السلطة طبعا) و لا ابنائه او اصهاره بأي منافع شخصية فهي ديكتاتورية وطنية تصب لمصلحة الدولة فقط. ثم في مرحلة بن علي إنتقلنا من ديكتاتورية الدولة (والدولة هي أرض و شعب و سلطة) إلى ديكتاتورية النظام و النظام هو السلطة التي تمثل الثلث الصغير من تركيبة الدولة و أهم مميزات هته الديكتاتورية كونها تؤمن بالدولة لأن النظام مستمد منها لكنها لا تخدم سوى النظام و الممثل في شخص رئيس الجمهورية وكل من يحكم تحت إمرته و خصوصا عائلته و اصهاره لذلك كانت الدولة في عهده قائمة لكن تفشى فيها الفساد تحقيقا لمصالح أصحاب السلطة. ثم بعد رحيل بن علي إنتقلنا من ديكتاتورية النظام إلى ديكتاتورية الأحزاب بفضل نظام سياسي و انتخابي لا يخدم سوى الاحزاب وهته الديكتاتورية هي أخطر أنواع الديكتاتوريات على الإطلاق لكونها تتخذ شكل الديمقراطية لكنها في الحقيقة ديمقراطية شكلية مزيفة و لكونها عدوة للدولة الوطنية وتستنزف هياكل هته الاخيرة و مواردها وقوتها وحتى هيبتها و سيادتها لفائدة هته الاحزاب. فحتى ما تمت تسميته بمؤسسات مستقلة يقع إنتخابها و إختيارها من طرف هته الاحزاب كهيئة الانتخابات و المجلس الاعلى للقضاء و هيئة الحقيقة و الكرامة و هيئة مقاومة الفساد و المحكمة الدستورية وكل هيئة أرادوا ان يخرجوها من قبضة سلطة الدولة إلى قبضة سلطة الأحزاب. إن خطورة هته الديكتاتورية الاخيرة تكمن في قيامها على اسس تدمير الدولة و إحكام قبضة الأحزاب الحاكمة على كل الهياكل بدون إستثناء، و لا ادل على ذلك من أن الديمقراطية الحقيقية تنهار فيها الاحزاب الحاكمة كلما فشلت في إدارة شؤون الدولة و تتقلص شعبيتها و ربما حتى تنسحب من الحكم قبل نهاية ولايتها. أما في ديمقراطيتنا المزيفة التي تسير ضد قوانين الطبيعة فقد إرتهنت هته الاحزاب الحاضر و حتى المستقبل فرغم فشلها و تسببها في إفلاس الدولة و انهيار إقتصادها نجدها اليوم تتصدر نتائج كل عمليات سبر الآراء.