التقينا بفضيلة الدكتور " محمد سعيد رمضان البوطي " في حوار خاطف حول موضوع كتابه الجديد " الجهاد في الإسلام "، وطرحنا عليه الشبهة العصرية التي كثر تناقلها اليوم في وسائل الإعلام، حول حدود العلاقة بين الجهاد والعنف، وإن كنا لا نعتقد في الإشكالية بحد ذاتها . كثر الحديث في هذا العصر حول فتاوى الجهاد، فما هي فواصل مفهوم الجهاد من الناحية الشرعية ، وما هي حدوده ؟ وتحديد مفهومه ؟ د. البوطي / الجهاد في كتاب الله وفي شرعه قسمان جهاد عام وهو المعني بقول الله تعالى :" وجاهدوا في الله حق جهاده " والمراد به أن يجاهد الإنسان نفسه وهواه ليستقيم على ما أمر الله عز وجل به، وقد بدا هذا الجهاد منذ صدر الإسلام ومنذ أن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه في مكة. والقسم الثاني الجهاد الخاص والذي يراد به مقاتلة الناس اللذين يستلبون حقا من حقوق المسلمين، أو يهددون المسلمين في استلاب حق من حقوقهم أو يمنعون المسلمين من الدعوة إلى الله عز وجل والتعريف بدين الله . هذا هو المعنى الثاني للجهاد وكلى المعنيين مشروحان مبينان في مصادر الشريعة الإسلامية، ويتمكن كل من أراد أن يقف على تفسير أوسع لهذا الذي قلت أن يقف على ذلك في أمهات الشريعة الإسلامية . تتبنى البعض من التشكيلات الإسلامية أو جزء من المفاهيم إلى التحريض على الجهاد في كل الاتجاهات، واعتباره ركنا أساسيا في الإسلام دون مراعاة خصوصية المرحلة وواقعية الأمر ؟ فماذا ترون في ذلك ؟ د.البوطي / أحكام الله عز وجل لا تتغير من عصر إلى عصر. الثابت من أحكام الله لا تتغير من عصر إلى عصر . الجهاد بالمعنى الذي ذكرته لك ماض إلى يوم القيامة ، لا يجوز أن نلغيه ولا يجوز أن نضيف إليه إضافات جهادات مخترعة جديدة فلا يجوز مثلا أن نعلن الحرب على المسلمين إخوان لنا بين ظهر اينا باسم الجهاد لأن هذا اختراع لجهاد لم يوجد في دين الله، لا يجوز لنا أن نكفر مسلما لم تتوافر أدلة تكفيره ذريعة لنا أن نخترع جهادا موجودا في شرع الله ، ومسؤولية الجهاد تلاحق هِمَمْ كل المسلمين، اللذين يقتلون وتدور رحى الهلاك عليهم في الجمهوريات الإسلامية وغيرها ينبغي أن يهب إخوانهم للدفاع عنهم، هذا من الجهاد المشروع والعجب العجاب أن طائفة من اللذين يقعدون ويقومون بالحديث عن الجهاد هم غافلون كل الغفلة عن هذه الجبهات التي تدعوهم إلى الجهاد ، ثم يريدون أن يخترعوا سبلا متكلفة للجهاد الذي لم يشرعه الله عز وجل . آخرون يعتبرون أن الرد على الاستبداد السياسي هو شكل من أشكال الجهاد ، فما حقيقة ذلك ؟ د. البوطي / كيف يكون الرد ؟ اشرح لي الرد . بمعنى الرد المسلح على عنف الدولة أو التمرد . د. البوطي / إذا كان الاستبداد السياسي مصدره مسلمين لم يلعنوا الكفر البوّاح فلا يجوز في شرع الله ولا عند أحد من الأيمة المسلمين فيما أعلم أن يواجه هذا الاستبداد السياسي من المسلمين بالقتال. وأما إذا كان مصدر هذا الاستبداد السياسي أناس كفرة أعلنوا الكفر البوّاح أي الصريح كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعندئذ يأتي مفهوم الجهاد الذي ذكرناه، إذا كان هناك كافر يمنعني من أبلغ كلام الله فلا بد أن أقف في وجهه إن استطعت إلى ذلك سبيلا . مصطلح الجهاد يجرنا إلى الحديث عما يحدث في بعض البلدان الإسلامية التي تخربها الصراعات والحروب، وترفع بعض الفصائل شعار الجهاد المقدس بهدف إقامة الدولة الإسلامية، فكيف تنظرون إلى هذا الأمر ؟ د.البوطي / الدولة الإسلامية تقام بالنهج الذي أقامها أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، في مكة طبقت الدولة الإسلامية وفي المدينة نضجت وتم إقامتها. ماذا كان السبيل إلى إقامة هذه الدولة في السنوات الثلاث عشرة ؟ حوار والدعوة إلى الله والإجابة عن الأسئلة وإزالة الشبهات، هذا هو السبيل الذي تمت به إقامة الدولة. إذا اليوم عندما نريد أن نقيم الدولة الإسلامية نقيمها على النهج الذي أقام عليه أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي ندعو إلى الله ونبذل في ذلك الجهد كله ونتحمل الأذى الذي ينتابنا، السخرية وكل أنواع الأذى كما كان يتحمل كل ذلك أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، أما أن نبتدع من عندنا دينا جديدا يقول: لكي نبني الدولة الإسلامية ينبغي أن نقاتل المسلمين اللذين لم يكفروا بالله عز وجل خلافا لما كان عليه الصحابة ، فالواقع أن هذا اختراع لدين جديد لا عهد لنا به. ———————————– نشر في: