لم يكن يوم 19 نوفمبر بالنسبة لعشاق الثقافة يوما عاديا في مدينة صفاقس. كان يوما واعدا بالإبداع والابتكار من جانب نخبة من المثقفين تنادوا من اجل إحياء تقاليد عريقة في الحكي والحكاية، تقاليد طواها النسيان وكادت أن تسقط من الذاكرة لولا الجهد الاستثنائي الذي بذله السيد وحيد الهنتاتي وهو صاحب الفكرة مدعوما من نخبة من المثقفين المهتمين بالشأن الثقافي حتى تعاد للحكاية القها القديم ووهجها الساحر. أمام أكثر من 500 متفرج غص بهم مسرح المركب الثقافي محمد الجموسي بصفاقس، آتين من أجيال مختلفة، انطلقت الفعاليات الأولى لمهرجان الحكاية والحكي في موعده المحدد. وأمام الجمهور الآن نخبة من الحكائين خضعوا لاختبارات دقيقة من بين أكثر من 100 مترشح، بعضهم يمتلك خبرة سابقة في العروض المسرحية والفنية، و بعضهم الآخر يعتلي لأول مرة خشبة المسرح. اخذ الكلمة الأولى السيد منير الفلاح المندوب الجهوي للثقافة ودعا إلى تشجيع فنون الحكي وإلى إتاحة الفضاءات إلى الشباب وإلى المبادرات الفنية الخلاقة مؤكدا على التزامه بتنشيط الساحة الثقافية في صفاقس. وبعد كلمته الموجزة والتي استحسنها الجمهور تتالى الحكاؤون على الركح. كل حكاء يحمل ميزة معينة سواء في لباسه أو في هيئته أو في حضوره. لوحظ ارتباك على بعض الحكاءات ممن لم يسبق لهن الوقوف أمام الجمهور الذي لم يبخل بتشجيعها بطريقة ودودة ما أعاد الثقة في نفسها. ولكن من بين هذه التجارب تألقت ثلاثة اجمع الحاضرون واتفقت لجنة التحكيم على طرافتها وعلى جماليتها. العروض الحكواتية تختلف باختلاف الحكائين ذاتهم، فهناك من منح عرضه بعدا مسرحيا وفرجويا واضحا، والبعض الأخر اكتفي أثناء العرض بالجلوس فيما كان جانب ثالث مفرطا في حضوره الجسدي وفي بعده الحركي . الجمهور تابع الفعاليات بكل اهتمام ولكن الأهم هو أن تستمر هذه التقاليد الجميلة في الحكي. ويبدو – وكما أفادني السيد وحيد الهنتاتي – إن هناك نية واضحة في تعميم هذه التجربة وإخراجها إلى المناطق القصية ما يبشر فعلا بدوام هده التجربة الأدبية والثقافية الرائدة والتي ما انفكت تستقطب مهتمين جددا في تونس و في العالم. للحكاية لذة لا تقاوم وللحكاء حضور يشد الأبصار والأسماع ونحن نرى أن هذه التجربة جديرة بكل تشجيع ومتابعة خاصة وأن القائمين عليها تحدوهم رغبة قوية في بناء الثقافة لتونس بعد الثورة لتونس 14 جانفي.