عدنا والعود أحمد…وعادة الدماء تتدفق في شرايين شوارعنا وطرقاتنا…وعادت قلوب مؤسساتنا التربوية للخفقان من جديد…وانتشر أصحاب الميدعات الزرق كعصافير السنونو "الخطاف" بيننا ينشرون البهجة والحيوية بين الجميع…صخبهم ..عبثهم..ضحكاتهم…عدوهم…إنهم بهجة الحياة …إنهم أمل آبائهم وأمهاتهم ووطنهم…كل شيء يمكن تجاوزه..كل شيء يمكن الاستغناء عنه عند ضيق الحال…إلا شيئا واحدا…إنه مستقبل الأطفال ..ومستقبل الوطن…إنهم طلاب العلم والمعرفة وأغلى استثمار يستثمر فيه التونسيون…كل التونسيين..لا مساومة بمستقبل أبنائنا…لا مساومة بمستقبل الوطن… ورغم الهنات الكثيرة التي تعاني منها الحياة التربوية في بلادنا بكل مكوناتها وباعتراف الجميع..وحاجتها المتأكدة لثورة حقيقية على كافة الأصعدة…إلا أن التونسي مازال يعتبر الاستثمار في العلم وفي أبنائه هو أغلى استثمار عنده وأحب استثمار إلى قلبه.. وقد تحدثنا في مقالات سابقة عن بعض الهنات التي تعاني منها المدرسة التونسية منذ ما يقارب العقدين من الزمن من اهتراء للبنية التحتية ..وارتجال في اتخاذ القرارات"الترقيعية" ومن خضوع للإملاءات الخارجية..ومن عدم مواكبة للتطورات العلمية فيما يتعلق بالتعليم والتعلم والتربية …وعلى ضعف التكوين والرسكلة للإطار التربوي…وعلى تدهور الأوضاع المادية والمهنية لرجال التربة والتعليم…ولكنني اليوم سأتطرق إلى موضوع لا يقل أهمية عن سابقيه ألا وهو موضوع المحيط المدرسي وحرمة المدرسة تلك التي تعرضت خلال السنوات الفارطة للتنديس دون أن نجد من يتصدى لتلك الخروقات بحزم لوضع حد لها. عند مروري اليوم من أمام أحد المعاهد الإعدادية ..لاحظت مجموعات من الشبان المتسكعين الذين اتخذوا من "التبزنيس" شغلا لهم…وليس من الصعب على أي منا أن يتعرف على هؤلاء الشباب..فأنت تستطيع تمييزهم عن غيرهم من التلاميذ بلباسهم الغريب: سراويل ممزقة تكشف نصف إليتهم، أقمصة تكشف عن عضلاتهم المفتولة ،سلاسل وأساور تزين رقابهم ومعاصمهم، يدخنون أنواعا مستوردة وباهظة الثمن من السجائر ويحتسون أنواعا مختلفة من المشاريب" في بعض الأحيان تكون كحولية"، تنبعث من هواتفهم المحمولة أو سياراتهم الأغاني الهابطة، يتجمعون أمام مداخل المعاهد في شكل حلقات للحديث بصوت مرتفع مع الضحك والقهقة…شغلهم الوحيد التهكم على كل داخل وخارج "خاصة من التلامذة الذكور أو الأساتذة ومغازلة أو حتى مراودة التلميذات؟؟؟ البعض الأخر وللتعبير عن فحولته وتميزه عن الآخرين وجلبا للأنظار يعمد إلى القيام بحركات بهلوانية على متن دراجته الهوائية أو النارية..فتراه طورا يسير بسرعة جنونبة مع التظاهر بدهس أحد التلميذات..أو المرور بالقرب من مجموعة من التلميذات والصراخ والقيام بحركات لا أخلاقية..أو السير على عجلة واحدة… وكم من الحوادث وقعت جراء هذه التصرفات المستهترة…وكم من الفتيات أصبن بالهلع..أو وقعن فريسة لهؤلاء الصيادين الذين لا هم لهم سوى إشباع نزواتهم العابرة …وكم من العائلات أصيبت بالصدمة عند اكتشاف تغيب أبناءهم أو بناتهم عن الدراسة لفترات طويلة أو حتى انقطاعهم عنها بعد أن غرر بهم من طرف هؤلاء المتسكعين؟؟؟ فإلى متى تستمر هذه الظاهرة دون أن يتدخل أحد؟؟؟ أين أولياء أمور أولئك الشبان؟؟؟ أين إدارة المعاهد والمؤسسات التربوية؟؟؟ أين الشرطة وأجهزة الأمن؟؟؟ أين وزارة التربية والشؤون الاجتماعية؟؟؟ أين الدولة؟؟؟ إن هذه الظاهرة أصبحت تمثل قلقا كبيرا لكل أولياء أمور التلاميذ ..وهاجسا وتحديا للمجتمع التونسي برمته وبكل مكوناته…ولم يعد من الممكن السكوت عنه أو تجاهله…فمتى ننتقل من التوصيف والتذمر والتشكي إلى الفعل ؟؟؟