عاجل: إذا ما عملت حتى عملية على حسابك الجاري.. البنك يسكروا تلقائيا بعد 3 شهور    نسب الاستماع للإذاعات التونسية : موزاييك الأولى وجوهرة تحافظ على موقعها في المراكز الثلاثة الأولى    ابتداءً من الخميس: تحويل جزئي لحركة المرور على جسر لاكانيا    عاجل/ 100 شهيد في غزة خلال 24 ساعة    "هذا أمر مؤسف".. ترامب يتحدث عن الترشح لولاية ثالثة    مفاجأة.. لص سابق حذر من ثغرات أمنية في متحف اللوفر    عاجل: محاكمة 2480 مغربياً بعد احتجاجات''جيل زيد''    الإعصار ميليسا من الفئة ال5 يجتاح جامايكا بفيضانات ورياح مدمّرة    الرابطة الأولى: برنامج مباريات اليوم والنقل التلفزي    نوري يفوز على ألكاراز المصنف الأول عالميا في بطولة باريس للأساتذة    تونس: وزارة التربية تنشر فيديو توضيحي لعملية التسجيل في كونكور السيزيام والنوفيام    طقس اليوم: ارتفاع طفيف في درجات الحرارة    عاجل: منخفض جوي قوي سيؤثر على تونس بداية من هذا التاريخ    إغلاق نهائي لسينما "جميل" بالمنزه 6... نهاية مرحلة وبقاء الأثر    عاجل: تراجع انتشار فيروس كورونا بعد ظهور المتحوّر ''أوميكرون''    عاجل : السكتة الدماغية ...كل نص ساعة إصابة وكل ساعتين وفاة في تونس    كيفاش تعرف إذا كان عندك سكتة دماغية؟ أهم الأعراض اللي لازم تعرفها!    عاجل/ العاصمة: تحويل جزئي لحركة المرور على مستوى هذا الجسر    عاجل/ تفكيك شبكة لتهريب المخدّرات داخل قوارير أكسجين بسيّارات إسعاف    البيت الأبيض يستعين بمسلسل شهير.. لانتقاد الديمقراطيين    د. دغفوس: لا حالة طوارئ صحية والكمامة اختيارية للفئات الهشة والتلقيح هو خط الدفاع الأساسي    الكنام تعلن مواصلة العمل بمنظومة الطرف الدافع بصفة مباشرة مع الصيدليات    ترامب: الاقتصاد الأمريكي ينمو بوتيرة أسرع بثلاثة أضعاف من التوقعات    قابس: حملة "أوقفوا التلوث" تؤكد التمسك بتفكيك الوحدات وتدعو الي مسيرة شعبية يوم 31 أكتوبر    وزيرة المالية تؤكد تراجع نسبة البطالة الي 15.3 وتحقيق نسبة نمو ب3.2 بالمائة في الثلاثي الثاني من 2025    الكشف عن خطة أمريكية للقبض على مادور عبر قائد طائرته    برشلونة يستعين ب"الرجل الخبير" لتقويم سلوك نجمه يامال    دراسة تحذر: النوم تحت الأنوار قد يسبب أمراض القلب    البطولة العربية للأندية لكرة اليد للسيدات: تركيبة المجموعتين    فيلم "ريح السد" للنوري بوزيد يعود للقاعات في نسخة مرممة انطلاقا من 12 نوفمبر 2025    اريانة : يخرب جسد زوجته بسكين حتى الموت    سيدي بوزيد: عروض متنوعة في المهرجان الوطني فنون وابداع بمنزل بوزيان    فلاحتنا...17 اجراء جديدا لتصدير و تخزين زيت الزيتون...منح للفلاحين وجدولة قروض أصحاب المعاصر    خطير/ اقتحام وسرقة جامع بهذه الجهة..وهذه التفاصيل..    باجة: الدورة التاسعة لمهرجان الرمان بتستور من 29 اكتوبر الى 2 نوفمبر وسط توقع صابة طيبة للرمان بالمنطق    البطولة العربية للأندية للكرة الطائرة (سيدات): النادي النسائي بقرطاج يواصل التألّق ويفوز على فتيات العيون الكويتي بثلاثة أشواط دون رد    أحدهما متورّط في قضية التآمر على أمن الدولة .. تأجيل محاكمة سفير ومستشار سابقين أمام دائرة الارهاب    اليوم انطلاق موسم جني الزيتون بصفاقس .. صابة قياسية ..وآمال في تسعيرة تراعي الفلاح والمستهلك    حتى موفى سبتمبر: تراجع قيمة صادرات زيت الزيتون ب28،4 بالمائة    تنظيم الدورة الثالثة من تظاهرة "جامعة تونس المنار، منارة الثقافات" يوم 4 نوفمبر المقبل    راغب علامة لزوجته في عيد ميلادها: ''وجودك بحياتي نعمة''    عاجل: ملعب رادس هو الوحيد المعتمد لتونس في دوري الأبطال!    تونس تتجه نحو الاقتصاد في قيمة دعم المحروقات والكهرباء بنحو 726 مليون دينار سنة 2026    عاجل : وفاة الإعلامي اللبناني بسام برّاك    مونديال تحت 17 سنة لكرة اليد: المنتخب الوطني ينهزم امام نظيره الإسباني    عاجل: وفاة مفاجئة لنجم التيك توك...شكون؟    عاجل/ تحسّن صرف الدينار أمام الدولار والأورو    تعرفش سوم الدجاج والسكالوب بقداه اليوم في تونس؟    عاجل/ وزيرة المالية: الأولوية في التشغيل لهذه الفئات..    ميسي يتطلع للمشاركة في كأس العالم 2026 رغم مخاوف العمر واللياقة    حكم بالسجن لمغتصب فتاة من ذوي الإحتياجات الخاصة    تنديد بالإرتفاع المُشط في أسعار اللحوم الحمراء.. #خبر_عاجل    طقس الثلاثاء: الحرارة بين 19 و30 درجة مع سحب عابرة ورياح قوية    أولا وأخيرا: خلاص الفاتورة في الدورة    ملتقى حول الشيخ الطاهر بن عاشور    بالفيديو : صوت ملائكي للطفل محمد عامر يؤذن ويقرأ الفاتحة ويأسر قلوب التونسيين...من هو؟    مصر.. تعطل الدراسة في 38 مدرسة حرصا على سلامة التلاميذ    زحل المهيب: أمسية فلكية لا تفوت بتونس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عصابة الكوابيس السعيدة في تونس بقلم نزار بولحية
نشر في صحفيو صفاقس يوم 29 - 04 - 2015

شاب أعزل كان الهدف السهل والمباشر لحشد غاضب تسلح بالسيوف والسكاكين وقرر ذبحه في وضح النهار بوحشية.
الحشد الذي قدر البعض عدده بثلاثين نفرا قام بعد التأكد من أن روح الأعزل قد طلعت إلى بارئها بتقطيع الجثة والتنكيل بها، قبل أن يغادر وسط صدمة الحاضرين وذهولهم.
لم يحصل المشهد الوحشي داخل أدغال غابة من غابات السفانا، ولا على شاشات العروض السينمائية لأفلام الرعب أو الآكشن، بل في قرية صغيرة من قرى الجنوب التونسي، وتحت أنظار شرطيين اثنين رفضا التدخل تحت مبرر انهما لم يكونا ساعتها مسلحين.
وبحسب ما نشرته صحيفة «الشروق» المحلية، فقد «ذهب الضحية يوم الحادثة إلى عمله كتاجر متجول، فاعترضت سبيله عناصر العصابة ومنعته من العمل، فاتجه إلى مخفر الشرطة واعلمهم بما حصل له فطلبوا منه مغادرة المكان ورافقه عنصران من الأمن إلى منزله حتى يقوم بجمع أمتعته. وعند وصوله المنزل رفقة عوني الأمن، وجد ثلاثين عنصرا من العصابة يرابطون هناك، وعندما شاهدوه انهالوا عليه بالضرب ليقوموا بعد ذلك بذبحه وطعنه عشرات الطعنات في كامل جسده، مستعملين سيوفا وسكاكين وسط ذهول الأمنيين اللذين رفضا التدخل تحت مبرر انهما غير مسلحين».
أما المفارقة السريالية العجيبة الاخرى، فهي أن البلدة التي حصل فيها كل ذلك تسمى بلدة «السعيدة»، هل بقيت كذلك بعد هذه المجزرة، ثم هل كانت في الأصل هانئة ومطمئنة بالأمن والرخاء، أم بالعدالة وحقوق الانسان، أم بالكرامة والحرية؟ لا احد يعرف بالتحديد مصدر تسميتها أو سببها، فالناس لا يقرؤون في الغالب تاريخ الاسماء ويعتبرونها فارغة من المعاني ولا يذكرون بالمقابل الا ما حل بهم أو باسلافهم من نكبات. لكن فظاعة ووحشية ما جرى في «السعيدة»، ليست مجرد استثناء عابر في تونس. فمن يقرأ الصحف المحلية أو يشاهد برامج القنوات التلفزيونية، سوف يصدم بقصص اخرى لا تقل نزقا وجنونا، مثل حكاية الشاب الذي قتل غريمه وبقر بطنه ليأكل من كبده، والام التي تعمدت اشعال النار في غرفة بنتيها وسد منافذها إلى أن ماتتا حرقا، ثم قالت للمحققين إنها فعلت ذلك لانها لم تعد تجد ما تسد به رمقهما، والبنت التي قتلت أمها وابنها البكر بساطور بعد خلاف عائلي حول نصيبها من الميراث، وغيرها من الأهوال التي تحصل كل يوم ولا تستثني جهة أو جنسا أو عمرا، ولا تفرق أيضا بين جاهل ومثقف.
ومن الواضح أن التونسيين ينجرفون شيئا فشيئا وراء موجة كاسرة من أحقاد دفينة قد تقذف بهم في النهاية إلى هاوية سحيقة بلا قرار. لماذا يفقدون صبرهم بسرعة وسهولة، ويصبح التسامح وبرودة الاعصاب وغفران الزلات والخطايا موضة قديمة لا تستهويهم أو تجلب اهتمامهم؟ أليسوا متحضرين مثلما يقول عنهم الاعلام العالمي، وعقلاء في زمن صار فيه اشقاؤهم في العراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها يبيدون بعضهم بعضا من دون شفقة ولا رحمة؟
من يتأمل الصورة من بعيد ستلوح له مشاكل تونس وازماتها قطرة صغيرة في بحر شاسع وممتد من أزمات شديدة التعقيد والصعوبة، تتساقط على سطحه الأرواح كأوراق شجر خريفية، وتدك قرى ومدنا بأكملها فوق رؤوس سكانها ويهاجر الباقون من الاحياء خارج اوطانهم ليعيشوا المحنة ضعفين. لم تمر على التونسيين ولحسن حظهم ربع التجارب العنيفة التي عاشها بنو جلدتهم في الشرق وحتى في الجوار القريب. لقد كانت حياتهم هادئة ومستقرة وظلوا بعيدين عن مناطق الزوابع والاضطرابات، وترسخ لديهم شعور كاذب بأنهم في منأى عما يحصل لباقي العرب، لأنهم الأكثر تعليما وثقافة وحضارة. وجعلتهم النظرة السوداوية لبورقيبة للشرق وولعه الشديد في المقابل بأنوار فرنسا وتحضرها شخصيات منفصمة مشتتة الانتماء، لا يشدها رابط ولا تستقر على حال ومنقادة وراء المزاج والانطباع. لقد فقدوا المضادات الحيوية اللازمة لمواجهة الصعوبات والمخاطر، فانحسرت قدرتهم على تحمل الهزات وصارت ضئيلة ومحدودة المفعول عند الاختبار الاول على الارض.
كانت الامور تسير زمن الاستبداد وفق افتراض بوليسي يقضي بان بلد «المعجزة التونسية» مثلما وصفه يوما ما جاك شيراك، هو فردوس ارضي لا يشكك في انجازاته أو في ارقامه الفلكية لمعدلات النمو والرفاه، الا حاسد أو عدو. وظل القلق حبيس النفوس حتى استعاد التونسيون بعض الأمل الضائع بفرار الرئيس المخلوع، واهتزاز اركان النظام. ما حصل بعد ذلك هو ان المساجين ظنوا أن دورهم قد انتهى بفرار السجان، وان جدران السجن سوف تتداعى وتسقط فوق رؤوس الحراس بلا جهد ولا صبر أو تصميم. لم تكن لديهم لا رؤية ولا تصور للمرحلة الجديدة، ثم قبل ذلك وبعده لم يكن هناك شعب قادر على الانتظار ولديه الطاقة والاستعداد لتحمل الضغوط. هرب البعض إلى عوالم الافتراض بحثا عن جنات الأرض في قوارب الموت إلى اوروبا، او جنات السماء في رحلات الهلاك إلى الشام، وفضل آخرون حيازة أقرب اسلحة الدمار واسرعها فتكا بالنفس، ولم يكن مهما إن كانت مجرد حبل او مبيد حشرات او برميل بنزين، ما دامت النتيجة في كل الاحوال واحدة. اما الاكتشاف المر الذي توصل اليه الجميع بعد ذلك فهو أن لا قيمة للافراد في زمن الديمقراطية الوليدة، مثلما لم يكن لهم في السابق طوال عصر الاستبداد المديد من وجود أو كيان. فقد تحولوا إلى مجرد اصوات في لعبة الانتخابات أو أرقام على مزادات استطلاعات الرأي، والمحظوظون منهم فقط هم من استطاعوا الحصول على بطاقات العضوية داخل عصابة من العصابات الكبرى التي تقتسم البلد ومناطق النفوذ وفق قاعدة البقاء للاقوى.
لقد ضجت تونس قبل اسابيع لما استدعت النيابة العمومية مقدم برنامج تلفزيوني معروف ثم ابقته في حالة إيقاف وخرج محاميه ليقول بأن هناك مؤامرة دبرها ضده زملاء له، وأنه ينبغي اطلاق سراحه لان الاعلاميين والاطباء والقضاة ليسوا مواطنين عاديين، ويمكن تركهم بحالة سراح ثم التحقيق معهم. لكن الضجة سرعان ما انحسرت وخبت، وكان لافتا أن معظم وجوه السياسة والاعلام ممن كانوا يتسابقون لحضور البرنامج المعروف غابوا واختفوا ولم يسمع لهم صوت أو موقف بمجرد سقوط المقدم في اختبار العدالة. أما السبب فقد يكون واضحا ومعروفا، وهو تجنب «وجع الرأس» في قضية لا تبدي نقابة الصحافيين حماسا كافيا لها. صحافي آخر قال في برنامج تلفزيوني بان «هناك قضاة دواعش في تونس»، ولما تدخل الناطق الرسمي باسم النيابة العمومية ليلفت النظر إلى خطورة التصريح، ويطالبه بالأدلة وجد الكثيرين يتسابقون لشرح تصريحه والتحذير من خطر وشيك يتهدد حرية الصحافة، والامر هنا ايضا قد يكون مفهوما وواضحا، فالرجل لحسن حظه يحظى بدعم قوي من النقابة. اما خارج الاعلام فتمددت العصابات على كل شيء، فهي تحاصر مناجم الفوسفات ثم تحذر من افلاس الشركة التي تتولى الانتاج، وتمنع الامتحانات وتقرر اضراب المدرسين متى شاءت وعودتهم في الوقت الذي تريد، وتشارك بعد ذلك الحكومة في البحث عن حلول للمنظومة التربوية. تغلق المستشفيات والمحاكم وتهدد بقطع الكهرباء وتدمر الاخضر واليابس، ثم تطلق صيحات الهلع من ارتفاع سعر صرف الدولار. لا احد يجرؤ على كشفهم، أو حتى الاشارة اليهم من قريب أو بعيد، وليس أمام كل وزير يرغب في البقاء والاستمرار في المنصب الا حل واحد لاغير، وهو عقد اتفاق حسن جوار مع العصابة. أما إلى اين تقودنا تلك العصابات فلا احد يعلم بالتحديد. لقد تندر التونسيون طويلا على رئيس حكومتهم الاسبق حمادي الجبالي لما قال لمرافقيه عندما رأى اكواما من القمامة في أحد الشوارع «ما هذا اين الحكومة؟» لكنهم صاروا الان يسألون بمرارة وحسرة ما هذا اين احلامنا بالحرية والديمقراطية والرخاء؟ ثم يجيبون انفسهم على الفور بعد ذلك لقد تحولت للاسف الشديد إلى كوابيس سعيدة تزعجنا وتقتلنا فزعا ورعبا، لكنها تعجب الاخرين وتبهرهم وتدخل السعادة والبهجةعلى قلوبهم في الخارج. انها تماما مثل بلدة «السعيدة» اسم لا طعم ولا مذاق له الا في اذهان من بقيت لديهم قدرة التخيل بعيدا عن دروبها المليئة حزنا وألما وكآبة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.