منذ شهر مارس الماضي مازال مشروع قانون العفو و المصالحة المالية والاقتصادية يثير كثيرا من الجدل ويسيل كثيرا من الحبر بين الفاعلين في المشهد السياسي والمدني وظهر تباين كبير في المواقف والاراء بين الاطراف الداعمة والاطراف الرافظة له ( من التفاف على مكاسب الثورة ورسكلة وتبييظ للفساد وجريمة بحق التونسيين الى قانون ضروري لمصلحة البلاد (1)) وساد خوف من «طواحين مقبلة » نتيجة المد والجذب بين مختلف القوى داخل البرلمان وخارجه قد تعطل مسار العدالة والاصلاح وتضعف امكانيات البلاد لمواجهة التحديات الامنية والتنموية . إذا منذ مارس الماضي ولا أولوية للهيئة غير التصدي لمشروع قانون المصالحة وانخرط اغلب الفاعلين بما فيهم منظمات المجتمع المدني خيارا او اضطرارا في هذا المنطق ولم تنجز الهيئة عمليا شيئا يذكر ولا حتى لجانها الاخرى كلجنة المرأة او لجنة جبر الضرر أو لجنة الفحص واصلاح المؤسسات ظلت تراوح مكانها … ووقعت رئيسة الهيئة وبعض أعضائها في فخ المعارك التي لا علاقة لها بمهامهم الاصلية وتجلى ذلك في تصريحات اعلامية متضاربة ومتنافرة (2) اما بالنسبة للضحايا او الناجون من المحارق والباقون على قيد الحياة ومن لا صوت لهم وهم يعتبرون ان الهيئة خيمتهم وملجؤهم وملاذهم وهم جزء من المسار العدالة الانتقالية بل محوره ومدار اشتغاله فقد عيل صبرهم وهم يتمنون على الهيئة وأعضائها ان تبتعد عن التجاذبات السياسية والتصريحات النارية التي تخلق الاعداء ولا تكسب الاصدقاء نعم من واجبات الهيئة التصدي لمثل هذا المشروع وهي محقة في ذلك لكن لا بد من استراتيجية تشاركية وتفاعلية مع المجتمع المدني والضحايا لمزيد من النجاعة إننا نرى أنه من واجب اعضاء الهيئة وخاصة الذين لم يرافقوا مسار العدالة الانتقالية ان يبتعدوا على جر الهيئة الى معارك سياسوية و(2) ان يحترموا صفاتهم ويلتزموا بنصوص القانون عدد 53لسنة 2013 وان يضعوا استحقاقات الضحايا ضمن اولوياتهم ان الناجون من المحرقة والذين مازالوا على قيد الحياة واللذين لا صوت لهم من حقهم ان يسألوا الهيئة ماذا أنجزت من اجل الضحايا الذين انتظروا طويلا ومازالوا ينتظرون من الهيئة ان تعمل من اجل الاعتراف بهم و رد كرامتهم و شيء من جبر ضررهم ؟ فماذا أنجزت لجنة جبر الضرر ؟ الى اليوم لم تنجز حتى دليل اجراءاتها !!؟ ماذا يقول السادة أعضاء لجنة البحث والتقصي لأم الشهيد كمال المطماطي التي تنتظر الى اليوم معرفة قبر ابنها لتترحم عليه مااذ يقول السادة أعضاء لجنة جبر الضرر للمناضل محمد الصغير الراقد اليوم في المستشفى بين الحياة والموت ومن في وضعه كثر ؟أليس من مهامها إتخاذ إجراءات إحاطة وتعويض وقتية وعاجلة للضحايا (الفصل 39 من القانون عدد53لسنة 2014)…. ماذا نقول لعائلات الاف الشهداء الذين سقطوا جراء التعذيب والتنكيل والقهر بكل أشكاله دون كلمة اعتذار من الدولة التي هشمت حياتهم وحياة الاف من المناضلين من شتى الاتجاهات عبر تاريخ تونس الطويل المعبد بالقهر والالام و والدماء … ان الاهات كثيرة والعزاء قليل. هذا فضلا على الوضع الاجتماعي والصحي والنفسي لاغلب الناجين من المحارق وعائلاتهم منذ بداية دولة الاستقلال الى اليوم ان تشريك المجتمع المدني والتفاعل معه والتقدم في المسار و انجاز استحقاقات الضحايا والنضال معهم كفيل بالاعتراف الفعلي بدور الهيئة في صياغة اي مشروع قانون ضمن اختصاصها وضمن المهام الموكلة اليها إننا نرى انه من واجب الهيئة اليوم مغادرة المربع الاول الذي حشرت فيه و ان ترتقي الى مستوى الانتظارات الوطنية والدولية في انجاز تجربة تشرف تونس ومن أولويات ذلك انجاز استحقاقات الضحايا التزاما بالفصل 39 من القانون المتعلق بارساء العدالة الانتقالية وتنظيمها و وكذلك بالفصل 61 من النظام الداخلي للهيئة ومنها : برنامج جبر ضرر مستعجل ودون التعذر باسباب واهية مثل عدم تسلمها ارشيف وزارة حقوق الانسان في الحكومة السابقة وعدم وجود ارادة سياسية الاسراع بتنظيم حلقات استماع علنية فتح ملفات الفساد التي وصلتها والاستماع الى اطراف النزاع حتى في صورة غياب احد الاطراف واعداد مقررات التحكيم تشريك الضحايا وجمعياتهم ومجموعاتهم والتفاعل معهم والنظال معهم من اجل مناصرة وتحقيق استحقاقاتهم ومنها التصدي لقانون المصالحة الاقتصادية وايجاد صيغة تشاركية مع الدولة لا تستثنى فيها الهيئة بما يضمن تعديل مشروع قانون المصالحة داخل مجلس نواب الشعب وتفعيل صيغ عملية لتمويل صندوق الكرامة تفعيل حقوق الاطفال والنساء الناجون من المحرقة … كما نطلب من الدولة والفاعلين السياسيين اعتبار هيئة الحقيقة والكرامة و الهيئة الوطنية لمقاومة الفساد شركاء اصليين قانونا واخلاقا لانجاح مسار الانتقال الديمقراطي وبناء دولة المواطنة واحترام القانون وندعوا السادة أعضاء مجلس نواب الشعب الى اقتراح تعديلات للمشروع المعروض الان للمناقشة بما يحقق ضمانات الحوكمة الرشيدة و النزاهة والشفافية وقيم المساواة بين المواطنين والمواطنات في الحقوق والواجبات واحترام الدستور والاتفاقيات الدولية والقانون عدد 53لسنة 2013 والتشريك الفعلي وغير الرمزي للهيئات المذكورة والمجتمع المدني و يبدو اليوم ان هناك وعيا بتجاوز هذا الاستقطاب الذي أجج التجاذب السياسي حول مسار نريده جامعا هدفه الاصلاح والمصالحة وفق اليات شفافة عادلة ومنصفة فقد بيّن مصدر موثوق صلب رئاسة الجمهورية، (3)أن هذه الاخيرة مستعدّة لقبول اي مقترح تعديلي للقانون كما أعلنت رئيسة هيئة الحقيقة والكرامةالسيدة سهام بن سدرين خلال مؤتر صحفي (4)ان الهيئة قامت بمبادرة تتمثل في دعوة لحوار وطني حول مشروع المصالحة الاقتصادية في 2 سبتمبر القادم و لكل المتابعين نقول أن تونس اليوم تواجه ضرورة الاختيار بين استرضاء ابتزاز البعض من ابنائها او الالتزام بالدستور والقانون والاخلاق وان صورة بلادنا على المستوى الدولي في الميزان إننا نراهن على العقل التونسي المبدع لايجاد مخرج مشرف للجميع يقدم ببلادنا ويعزز وحدتها وقدرتها في مواجهة كل التحديات التي تعصف بها الحسين بوشيبة رئيس جمعية الكرامة وكاتب عام الشبكة التونسية للعدالة الانتقالية