تونس (وات - تحرير جمال بن جدو)- أرجأ مجلس الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي خلال جلسته الخميس المصادقة على مشروع مجلة الصحافة والطباعة والنشر الذي شرع منذ أكثر من أسبوع في مناقشته وذلك حرصا على مزيد التدقيق في بعض فصوله لاستصدار مجلة صحافة جديدة تكرس بحق القطع مع سياسة القمع والتعتيم والفكر الواحد والشخصنة التي ميزت مضمون الإعلام التونسي خلال العقود الماضية. نقاشات وسجالات مختلف الحساسيات الفكرية والسياسية والاجتماعية والإعلامية الممثلة بمجلس الهيئة حول هذا المشروع لم تخف حاجة الإعلاميين التونسيين إلى فضاء أرحب للتعبير والى ضمانات قانونية كافية لهم ولمصادر أخبارهم حتى يسهموا بفاعلية في مسار الانتقال الديمقراطي فضلا عن ضمان استقلالية المؤسسات الإعلامية تكريسا لنبل رسالة الإعلام وقدسيتها. ومن النقاط البارزة التي تضمنها المشروع، إلغاء العمل بنظام الترخيص المقنع المتعلق بنشر الكتب والمؤلفات والصحف الدورية وتعويضه بنظام التصريح الآلي حتى لا يبقى النشر رهن تسليم وصل في ذلك من اي جهة كانت علاوة على إدراج أحكام خاصة بالتعددية لضمان حق المتلقي في حرية تداول الآراء والمعلومات وتأمين التنوع في المشهد الإعلامي. وعلى خلاف ما دأب عليه الناشرون سابقا في ما يتعلق بالإيداع القانوني للمؤلفات الفكرية والأدبية والفنية، نص الفصل الخامس من مشروع المجلة على إيداع المؤلفات في 6 نظائر لدى مصالح الوزارة الأولى المكلفة بالإعلام وذلك قبل وضعه تحت طلب العموم على أن يعاقب كل من يخالف إجراءات التسجيل والإيداع القانوني بخطية مالية تتراوح بين خمسمائة وألف دينار. وأقر المشروع الحق لكل صحفي ترفض لجنة إسناد بطاقة صحفي محترف تمكينه من هذه البطاقة، في الطعن في قرارات هذه اللجنة أمام محكمة الاستئناف بتونس في أجل ثلاثين يوما ابتداءا من تاريخ الإعلام بالقرار على ان تبت هذه المحكمة في الطعن في ظرف الشهرين المواليين لتقديم الدعوى. وتكون القرارات الصادرة عن محكمة الاستئناف بتونس قابلة للطعن بالتعقيب أمام المحكمة الإدارية طبقا للتشريع الجاري به العمل. وفي إطار حماية مصادر الصحفي، اعتبر الفصل 11 من مشروع المجلة اعتداءا على سرية المصادر، جميع التحريات وأعمال البحث والتفتيش والتنصت على المراسلات أو على الاتصالات التي قد تتولاها السلطة العامة تجاه الصحفي وتجاه كل الأشخاص الذين تربطهم به علاقة خاصة للكشف عن المصادر. كما لا يجوز أن يكون الرأي الذي يصدر عن الصحفي أو المعلومات التي ينشرها سببا للمساس بكرامته وحرمته الجسدية والمعنوية. وضمانا لشفافية معاملات المؤسسات الإعلامية أقر مشروع المجلة الجديدة في فصله الثامن والعشرين المنع على كل صحيفة أو دورية ذات صبغة إخبارية جامعة وعلى كل المتعاملين معها قبول أموال أو منافع من أي حكومة أجنبية ما عدا مساعدات الجهات الحكومية وغير الحكومية الأجنبية المتعلقة بالتكوين وتنظيم الندوات المشتركة أو المبيعات المشتركة وإعلانات الإشهار التي تتحصل عليها مقابل الخدمات التي تسديها إلى حرفائها. وفي باب الجرائم المرتكبة بواسطة الصحافة أو بأية وسيلة من وسائل النشر أقر المشروع عقوبة بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات وبخطية مالية تتراوح بين ألف وخمسة ألاف دينار لكل من يحرض مباشرة بواسطة وسيلة إعلامية أو وسيلة اتصال على ارتكاب جرائم القتل أو الاعتداء على الحرمة الجسدية للإنسان أو الاغتصاب أو النهب وعقوبة بالسجن من سنة إلى ثلاث سنوات وبخطية مالية من ألف إلى ألفي دينار لكل من يدعو بواسطة وسيلة إعلامية أو اتصالية إلى الكراهية بين الأجناس أو الأديان أو السكان وبخطية تتراوح بين ألف وألفي دينار لكل من يتعمد النيل من إحدى الشعائر الدينية بواسطة إحدى وسائل الإعلام أو الاتصال. ورغم الاجتهاد الواضح في إعداد مشروع مجلة الصحافة الجديدة بهدف تخليصها من كل الشوائب التي علقت بها خلال العقود الماضية، إلا أن نفس اللبس الذي كانت تعانيه مجلة الصحافة القديمة بخصوص إثبات تهمة الثلب لا يزال قائما في المشروع الجديد وفق آراء أهل القانون أعضاء مجلس الهيئة العليا لتحقيق اهداف الثورة، مما يتطلب مزيدا من التدقيق بخصوصه لمنع كل اجتهاد قد يوظف للنيل من "فرسان القلم" في تونس لسبب أو لأخر.