قابس 30 سبتمبر 2010 (وات) - لم تنل السنون من ذاكرته شيئا ولم تعرف أمراض الشيخوخة لجسده طريقا، فرغم العقود الثلاثة عشر التي مرت على ميلاده لازال المعمر علي بن محمد العامري محتفظا بذاكرة متقدة وببديهة سريعة وبحركة سلسة لا تعكس سنه الذي سيدرك يوم 5 أكتوبر القادم 130 سنة بالتمام والكمال... حديثه لا يوحي لسامعه أنه في حضرة أكبر معمر في تونس ولربما في العالم بأسره، ذاكرته القوية التي لا تكاد تغفل عن أدق تفاصيل حياته وعن حقب تاريخية متفرقة عاشها " عم علي " على مدى القرون الثلاثة التي عايشها... طفولته وشبابه وزواجه مرتين وترحاله وراء لقمة العيش ووراء قوت عياله التي قادته إلى عنابة والى شمال البلاد والى الجماهيرية تكاد لا تغيب عن مخيلته رافعة شعار الصمود في وجه تجاعيد الزمن... صداقاته وطفولته يرويها كما لو عاشها منذ حين ... نجاحه في التغلب على الظروف الطبيعية الصعبة لجهته تختزن أسرارا وخبايا كشفها لنا حديثه معنا لما زرناه في بيته بعمادة الزارات التي تبعد 8 كيلومترات عن معتمدية مارث ... محافظته على هذه الذاكرة المتقدة وعلى هذا الجسم السليم يخفي حمية طبيعية اتبعها " شيخنا " على مدى عمره... حمية طبيعية جنبته زيارة الأطباء ولو لمرة واحدة... للمعمر علي بن محمد العامري المولود في 5 أكتوبر 1880 حكايات مع الزمن تراوحت بين الأفراح والأتراح ولو أنها كما رواها لنا اقترنت في بداية حياته بتعاقب الأحزان بفقدانه لوالده وهو في سن الثانية عشرة من عمره وتكبد والدته لعناء كفالته في ظرف اتسم بقلة ذات اليد الأمر الذي اضطره للتعويل على نفسه في سن مبكرة. لكن الحال انفرج بعد ذلك ليهنأ "العم علي" بحياة مستقرة بعدما امتهن الفلاحة وأسس أسرة صغيرة وأنجب أبناء لم يكتب لهم العيش فكان الطلاق من زوجته الأولى ليتزوج مرة ثانية وينجب ثلاثة أبناء ( ولدان وبنت ) أحدهما لازال يعيش معه في نفس البيت ليؤنس وحدته وليسهر على قضاء شؤونه. وخلال حديثنا معه حول الفوارق بين الزمن الماضي والواقع الحاضر بدت حكمة كبير معمري تونس من خلال عدم مقارنته بين الأجيال الماضية والأجيال الحاضرة معتبرا أن لكل حقبة تاريخية ظروفها ولكل مرحلة متطلباتها ولكل جيل طقوسه لكنه أثنى على تقدم تونس بخطى ثابتة نحو الأمام بفضل ما تنعم به قيادتها من حكمة وتبصر ومتابعة لمشاغل المواطنين. وعن أصدقاء عمره ورفقاء دربه الذين لم يبق منهم على قيد الحياة سواه, ذكر لنا أكبر معمر تونسي أن آخر عنقود جيله فارق الحياة منذ سنوات قليلة عن سن تجاوز 117 عاما وهو المرحوم علي البحري. وأطلعنا "عم علي" على شواهد من أوجه الإحاطة والرعاية التي كان يحظى بها المرحوم علي البحري من قبل رئيس الدولة حيث كانت المساعدات والإعانات والرعاية تشملهما هما الاثنان بما يقوم دليلا على المكانة الرفيعة التي يتمتع بها كبار السن في تونس اليوم. أما عن سر بلوغه هذه السن المتقدمة دون أن ينال منه الزمن وصروفه وهو الذي لم تطأ قدماه مستشفى أو عيادة طبيب فحدثنا شيخ الزارات أن طعامه مكون من الشعير والقمح والخضر وزيت الزيتون وأطعمة بيولوجية بالأساس لا مكونات كيميائية فيها ولا بهارات ولاغيرها، كما يجتنب كل الأطعمة التي تقلق راحته وفقا للمثل الشعبي "العبد طبيب نفسه"... وعن حكاية بلوغ عدد من أفراد عائلته سنا متقدمة من العمر فأطلعنا معمر تونس أن للأمر جانبا وراثيا. فأخته توفيت بعد أن بلغت من العمر 107 أعوام. كما تجاوز سن جده لأمه المائة ونيف أما عن عمره هو فهو لا يتذكر تاريخه تحديدا لأنه لم تكن هنالك حالة مدنية قبل دخول المستعمر الفرنسي ليبقى أمر تحديد تاريخ ولادته أمرا تقريبيا من وجهة نظره. "عم علي" الذي أطرى على الرعاية والحظوة الكبيرة التي يجدها من لدن الرئيس زين العابدين بن علي وحرمه السيدة ليلى بن علي ومن السلطات الجهوية والمحلية التي أعادت له ولكبار السن والمسنين الاعتبار،إذ لا تفوت مناسبة إلا ويشمله عطف رئيس الدولة الذي خصه بسكن لائق وبمتابعة صحية ونفسية. أكبر معمري تونس الذي وشحت غرفته بصور الرئيس زين العابدين بن علي حرص أكثر من مرة خلال لقائنا به على التعبير عن عظيم الامتنان ووافر الشكر لما يحظى به المسنون في تونس اليوم من كريم إحاطة وفائق رعاية. "عم علي" الذي رافقنا عند توديعنا إلى باب غرفته لم يظهر على مشيته أي تثاقل بل شدد على أنه يؤدي صلواته في أوقاتها بيسر ودون مساعدة لكن في مقابل ذلك ضعف بصره وثقل سمعه مما جعله يجد صعوبة في سماع بعض الحديث من أول وهلة راجيا الله ألا يبلغه أرذل العمر . " عم علي " كما يحلو لجميع سكان منطقتي الزارات والعوامر أن ينادونه وعلى خلاف كل التوقعات ليست له ذرية وافرة العدد فأبناؤه ثلاثة أكبرهم يبلغ من العمر 55 عاما وأصغرهم امرأة يناهز سنها 47 سنة وأحفاده لا يتجاوزون العشرة أفراد.