ما إن تطأ قدماك بلدة الزارات جنوبي قابس حتى تجد نفسك أسير رغبة جامحة تدفعك إلى زيارة العمّ علي العامري فهذا الشيخ الذي يبلغ حاليا حوالي القرن وثلث القرن من العمر - ما شاء الله فهو من مواليد أكتوبر 1880 ومن القلائل الذين عاشوا كامل فترة الاستعمار على طولها وليكون شاهدا على استقلال البلاد سنة 1956 ليكون بعدها معايشا لبناء تونس الحديثة من خلال فترة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة وكذلك على حقبة الرئيس المخلوع بن علي. أخيراوليس آخراالثورةالشعبيةالثورةالتي عاش مثلهاالعمّ علي في أكثر من مناسبةولكن في كل مرّة تكون إحداها مختلفة عن الأخرى . «الأسبوعي» التقت العمّ علي العامري وكان لها شرف الحديث إلى اكبر معمر تونسي ليكون شاهداعلى ثلاث حقب مختلفة من تاريخ تونس ومستشرفا ومستبشرا بمستقبلها. عزيمة الشعب قهرت الاستعمار رغم تقدمه في السن فان طول السنين لم تنل من ذاكرة العمّ علي العامري فماإن تستدرجه بالحديث عن تونس إبان الاستعمارالفرنسي حتى تخرج من أعماق قلبه قهقهة فيهاأكثر من معنى وتحمل معه نوعا من الثقة الممزوجة بالسخرية من الطرف المقابل حيث يذكر عمّ علي الذي عاش كامل فترةالاستعمار الفرنسي لتونس (1881 1956) إن عزيمة وإرادة الشعب التونسي المتسلح بالثقة بالنفس وبحب الوطن هزمت قوة وغطرسة المحتل الفرنسي، وعن أهم الأحداث التي بقيت ببال العمّ علي ثورة 9 افريل 1938 التي يقول عنها :»أنها مع إعلان الحزب الحرّ الدستوري للإضراب العام والعصيان المدني الذي نفذ في كامل البلاد دون استثناء ثارت ثائرة المستعمر الذي لم يجد من حلّ سوى اللجوء إلى إطلاق الرصاص على المحتجين مما تسبب في سقوط عدد كبير من الشهداء آنذاك. أمّا الثورة الثانية في تلك الحقبة فتمثلت في ثورة جانفي 1952 وهي ثورة الاستقلال التي أرادت الحكومة الفرنسية إخمادها بكل الوسائل ولكن إرادة الشعب كانت أقوى. الثورة البورقيبية الحقبة التي قاد خلالها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة تونس مباشرة بعد الاستقلال هي الفترة الأكثر رسوخا والأشد حبا إلى ذاكرة العمّ علي وهو ما جعله يطلق عليها حرفيا ب»أيام العزّ»فهو الذي ناضل من اجل استقلال البلاد عاش بعدها أحسن أيامه والحبيب بورقيبة الذي خلص البلاد من الاستعمار يقول عمّ علي عنه نجح في القيام بثورة قادت إلى بناء تونس وهوالذي نقلها من مصاف الدولة الإفريقية الفقيرةإلى مصاف الدول الأوروبيةوالسائرة في طريق النمو» ويضيف أن بورقيبة بنى البلاد فشيد المدارس والإدارات والمستشفيات وغيرها كما قام بالزامية التعليمونشر الثقافةلعامةالناس ما جعله يحظى بحب وتقدير كل الشعب وحتى «أحداث الخبز» ذات يوم سنة 1984 فان الراحل بورقيبة تمكن بفضل حكمته من معالجتها وإرضاء شعبه على حساب نفسه و لخص لنا عمي علي حبه لبورقيبةقائلا: «تونس هي بورقيبة». بن علي ذكره بالبايات أمّا عن فترة حكم الرئيس المخلوع أوالهارب بن علي فيقول عمّ علي «:أن هذا الرئيس استولى على الحكم بخداعه لبورقيبة وهو مؤشر سلبي من البداية ومع تقدم السنين وامتداد فترة حكمه أعاد إلي ذهنه فترة حكم البايات إبان الاستعمار حيث انتشر الفساد وتقهقر الاقتصاد وكثرت البطالة وجاع الناس وهو انتظر تحرك الشعب إلى أن أتت الثورةالشعبية». استقلال ثان عمّ علي لم يتفاجأ بالثورة الشعبية الهائلةالتي حصلت بتونس مؤخرافهو لطالما ترقبها في ظل النظام الفاسدالذي استولى على البلاد لكن ما فاجأه هو الدور الفعال للشباب فأعادإلى ذهنه الهبة الشبابية إبان حقبة الاستعمار التي أتت بالاستقلال والحرية لتونس وهو ذات المشهد الذي يتكرر اليوم ولكم تمنّى العمّ علي ان تعود به السنون إلى الخلف حتى يشارك الشعب التونسي ثورته و يساهم في بناء وطنه من جديد. كلمات ختم بها عمّ علي العامري حديثه «للأسبوعي» وقبل أن نودعه ذكرنا بما قاله الشاعر الخالد أبو القاسم الشّابي: «إذا الشعب يوما أراد الحياة *** فلا بدّ أن يستجيب القدر».