لم يكن مقتل عبد الغني الككلي، المعروف ب"غنيوة"، حدثًا عابرًا في سياق الاشتباكات الدامية التي اعتادت عليها طرابلس. بل جاء ك"زلزال سياسي وأمني"، أعاد طرح السؤال الأهم في العاصمة الليبية: من يحكم طرابلس حقًا؟ غنيوة لم يكن مجرّد قائد ميليشيا، بل شخصية جمعت بين القوة المسلحة والنفوذ السياسي، ونسجت شبكة نفوذ ممتدة من أزقة حي أبو سليم الشعبي إلى مفاصل مؤسسات الدولة. سيرة غنيوة.. من زنزانة إلى سلطة وُلد عبد الغني بلقاسم الككلي في بنغازي، لكنه نشأ في حي أبو سليم بطرابلس، أحد أكثر أحياء العاصمة فقرًا وكثافة سكانية. في بداياته، انخرط في أنشطة إجرامية، من تجارة المخدرات إلى السلاح، ليُسجن بتهمة القتل ويقضي 14 عامًا خلف القضبان. لكن السجن لم يُخمِد طموحه. على العكس، كوّن خلال تلك السنوات شبكة علاقات مع أسماء أصبحت لاحقًا فاعلة في ليبيا ما بعد القذافي. مع ثورة 17 فيفري 2011 وسقوط النظام، خرج غنيوة من السجن ليجد ليبيا في حالة فراغ سياسي وفوضى أمنية. امتشق السلاح، وبنى جهاز دعم الاستقرار، الذي تحول لاحقًا إلى أحد أقوى التشكيلات المسلحة في العاصمة، بدعم غير مباشر من المجلس الرئاسي. لماذا قُتل غنيوة؟ 1. صراع نفوذ قديم يتجدد الخلاف بين جهاز دعم الاستقرار واللواء 444 قتال يعود لسنوات، ويتعلق بتقاطع الأدوار والسيطرة الأمنية داخل طرابلس. ومع توسّع نفوذ الطرفين، بدا الصدام حتميًا. 2. تصفية سياسية برعاية "صامتة" تشير بعض المصادر إلى أن دوائر عليا في الدولة لم تعد ترى بقاء غنيوة في المشهد أمرًا مقبولًا، خاصة مع اقتراب انتخابات مفصلية. نفوذه المتزايد أصبح تهديدًا للمعادلة السياسية. 3. خيانة داخلية روايات عدة تتحدث عن كمين مدبّر داخل مقر يُفترض أنه آمن، ما يعزز فرضية الاغتيال بالخيانة من الداخل، في عملية نُفذت بدقة. ردود الفعل.. صمت داخلي وقلق دولي محليًا: غياب أي موقف واضح من الحكومة. بيان "خجول" من وزارة الداخلية يدعو المواطنين إلى البقاء في منازلهم. حالة غضب شعبي تطالب بكشف الحقائق. دوليًا: بعثة الأممالمتحدة أعربت عن قلقها ودعت إلى التهدئة. السفارة الأميركية عبّرت عن انشغالها بتدهور الوضع الأمني. دول أوروبية طالبت بحماية المدنيين وتفادي الانزلاق نحو حرب شاملة. طرابلس تُغلق أجواءها.. والمطار في حالة طوارئ نتيجة التدهور الأمني، دخل مطار معيتيقة الدولي في طرابلس حالة إغلاق جزئي، وتم تحويل الرحلات إلى مطار مصراتة، كإجراء احترازي يعكس خطورة التطورات.