ابتدائيا وحضوريا بادانة المتهمين والقضاء بسجن المتهمة الأولى مدة عام ونصف والمتهم الثاني مدة عشر سنوات، هذا ما صرح به رئيس الدائرة الجنائية بابتدائية تونس. في قضية مخدرات تورطت فيها امرأة في العقد الثالث من عمرها، لتترك بناتها الثلاث الى المصير المجهول. هذه المرأة ذات العينين الدامعتين والجمال المتمرد تعرفت على شاب فتزوجته ثم أنجبت منه ثلاث بنات، إلا أن علاقتهما لم تستمر بعد ذلك فقضي بينهما بالطلاق. استقرت بمدينة حلق الوادي الشاطئية أعطت ما لديها من اهتمام وانشغال لبناتها فأم البنات كل العيون تراقبها فماذا إن كانت مطلقة. حياة طبيعية حافظت على شرفها وبناتها وأدخلتهن احدى المدارس لتلقي العلم والتعويض لها عن ساعات الحرمان وبلغت أصغرهن السنة الثانية ابتدائي، وكانت أم البنات تستغل من حين لآخر أوقات فراغها لتتوجه الى منزل جارها المعروف ببيع كل مستورد أوروبي من ملابس نساء وملابس أطفال وتحف ومواد منزلية والكترونية... وكانت تتوجه كغيرها من نسوة الحي لشراء ما أعجبهن وسر ناظرهن... ثم تعود إلى بناتها ويتواصل اليوم في دفء العائلة المحرومة من الأب الذي لم يبق منه غير بعض الصور والذكريات. التاجر يقيم أيضا بمدينة حلق الوادي، وكانت شقيقتاه المقيمتان في روما وباريس يزودانه بالبضائع الرابحة للاتجار فيها، وكان على علاقة بقتاة مراهقة تتردد من حين الى آخر على محل سكناه، والغريب أن هذه الفتاة المراهقة كانت متزوجة ولكنها اختارت أن تكون ناشزا وغادرت محل الزوجية هربا، كما قطعت اتصالاتها بعائلتها وكانت تقضي لياليها تشردا وتيها بين تفاصيل المدينة وملاهيها الليلية رغم صغر سنها كما اندمجت في ميدان المخدرات. فأصبحت مدمنة لا تفارقها سجائرها المحشوة، ولا تتردد على زيارة صديقها التاجر الذي تقارب سنه الخامسة والثلاثين. المنعرج في احدى سهراتها، ألقى عليها القبض من قبل أعوان الأمن الذين اشتبهوا في أمرها حتى تبين لهم أنها كانت تحت تأثير مادة مخدرة فتم على الفور ابلاغ ممثل النيابة العمومية الذي أذن بفتح محضر للتحقيق في القضية. هذه المراهقة أفادت بأنها كانت تتزود من صديقها التاجر وصرحت بأنه معروف بترويج المخدرات فضلا على تخصيصه لمنزله لاستهلاك هذه المواد وتنظيم جلسات خمرية ماجنة. وأضافت بأن عددا من أصدقائه سواء من الرجال أو النساء كانوا يترددون على منزله لنفس الغرض، وأدلت بعدد من الأسماء من بينها اسم المرأة المطلقة التي ذكرت على أنها أم البنات وانطلقت الأبحاث ثم توجه أعوان الأمن الى محل سكنى التاجر وألقوا عليه القبض وحجزوا لديه بعض الأدوات التي تستعمل في استهلاك وتجزئة المخدرات. وقد بلغ خبر اعتقاله مسامع الجيران كما علمت «أم البنات» بالأمر واخبرت بأنها مطلوبة كمتورطة ضمن شبكة مخدرات يرأسها التاجر ونزل عليها الخبز نزول الصاعقة، فاهتزت خوفا على مصير بناتها الصغيرات ثم أخذتهن الى مكان غير معلوم وقررت التخفي على أعين أعوان الأمن، كالقطة سعت لحماية صغيراتها من فاجعة اعتقالها إلا أن فرارها لم يدم طويلا حتى وقعت تحت النظر وكانت لحظة قاسية ومؤلمة جدا بالنسبة اليها عندما وقعت بين أيدي أعوان الأمن الذين ألقوا عليها القبض. التحقيقات تم جلبها الى مركز التحقيق وهناك جرت المكافحات القانونية حيث أنكرت ما نسب اليها وتمسكت ببراءتها مؤكدة انها لم تذهب الى منزل المتهم الأول إلا لشراء بعض الأدباش لها ولبناتها، فيما تمسكت الفتاة المراهقة بتوجيه اصبع الاتهام اليها والى التاجر كما أدلت باسماء أشخاص آخرين لم تثبت التحقيقات وجودهم واقعيا أو حتى قانونيا. أحيل اثر ذلك المتهموم أمام أنظار أحد قضاة التحقيق بابتدائية تونس فتمت احالة المتهمة الثالثة على أحد قضاة الأطفال بعدما ثبت أنها ما زالت حدثا، فيما تواصلت الأبحاث في شأن المتهم الرئيسي والمرأة أم البنات الثلاث التي تسمكت ببراءتها ونفت كل التهم المنسوبة اليها. إلا أنه أمام شهادة المتهمة الثالثة وبعد حجز بعض الأدوات التي تستعمل في تجزئة واستهلاك المخدرات لدى المتهم الأول، رأت النيابة العمومية اصدار بطاقات ايداع بالسجن في شأنهما وقررت أن توجه للمتهم الأول تهم المسك والاستهلاك والترويج لمادة مخدرة مدرجة بالجدول (ب) بقصد الاتجار واعداد محل مسكون لحيازة وعرض والتجارة في المخدرات ووجهت للمتهمة تهم المسك والاستهلاك والتردد على محل معد لارتكاب جرائم مخدرات... وقد أيدت دائرة الاتهام قرار ختم البحث وقررت احالتهما على انظار احدى الدوائر الجنائية بالمحكمة الابتدائية بتونس. الادانة مثل مؤخرا المتهمان حيث أنكر الأول ما نسب اليه واعتصم بنفي التهم رغم مجابهته بتصريحاته التي أدلى بها لدى باحثه الأول وبشهادة المتهمة الثالثة التي أحيلت على دائرة للإحداث، فيما تمسكت المتهمة الثانية بالبراءة وطلبت من هيئة المحكمة القضاء في شأنها بعدم سماع الدعوى وتمكينها من الرجوع الى بناتها حتى لا يأكلهن الضياع والتشرد دون أب ولا أم. وطلب المحامون القضاء بالبراءة واخلاء السبيل فيما تمسك ممثل النيابة العمومية بالادانة والمحاكمة طبقا للائحة الاتهام فقررت المحكمة في الختام حجز القضية للمفاوضة والتصريح لتقر ادانة المتهمين وتقضي بسجن الأول مدة عشرة أعوام والمتهمة الثانية مدة عام ونصف. المتهمان طعنا في هذا الحكم الابتدائي بالاستئناف ومثلا أمس أمام الدائرة الجنائية الاستئنافية حيث تمسك كل منهما ببراءته وطلب من هيئة المحكمة القضاء بعدم سماع الدعوى فقررت المحكمة حجز القضية للنظر في مآلها في وقت لاحق.