... بالملوخية... سيكون العام الجديد أخضر وبالأكل الجاري يكون سهلا في قضاء الشؤون... والكسكسي بالفول و«القفيلة» لاغلاق الكسكاس والمقفول... طريقة تقليدية رافقتنا منذ عصور لاقفال العام المنقضي واستقبال العام الجديد بالحلويات... عادات يراها البعض مجرّد تقاليد عايشها أجدادنا... وورثناها عن ظهر قلب... في حين يراها البعض الآخر أنها أمور وتفاصيل لا يمكن التغافل عنها اذ أنها تحمل «بركة» من سبقونا من أجدادنا وهي تقاليد تحمل في تفاصيلها الكثير من الرموز بغض النظر عن الجانب الديني. اليوم 18 ديسمبر ميلاديا ندخل يوما جديدا في التقييم الهجري 1 محرّم من سنة 1431 وهو يوم عطلة رسمية في كل الدول العربية والاسلامية. تطورت أساليب الحياة بخروج المرأة للعمل واندثرت شيئا فشيئا بعض التقاليد بسبب تطوّر نسق الحياة وعجز بعض ربّات البيوت اليوم عن التقيد ببعض الأمور التي تعودت عليها امهاتنا بسبب ضيق الوقت وضيق المعرفة وقلّة الخبرة في الطبخ. حيث تلجأ اغلب الامهات اليوم الى الأم للاحتفال بهذا العيد دون غيره من الاعياد... هكذا رآها التونسي اليوم وخاصة النساء ممن أعجزتهن الظروف عن الاحتفال به داخل المطبخ. تقاليدنا ولكن... ... مثقلة بحقيبة ابنتها المدرسية مهرولة الى محل أكل خفيفة بأحد شوارع العاصمة تحدثت مسرعة للشروق السيدة سامية بسبب ضيق الوقت الذي كان سببا بدوره في عدم التقيد بالتقاليد كاملة اذ تقول: «إنه يوم عطلة وهو فرصة لي لأعد الاكل وأجتمع مع أفراد أسرتي في المنزل لكن...! منذ الصغر تعلمنا ان العيد الهجري مرتبط ارتباطا كليا ببعض الأكلات الكسكسي بالفول والقديد والملوخية... لكن! العين تشتهي ان تتوارث هذا التقليد الجميل لكن اليد قصيرة... أحس أحيانا أن شروط رأس العام الهجري... تعجيزية فالكسكسي يلزمه القديد غير المطبوخ... وأنا شخصيا لم تتح لي الفرصة هذا العام لتقديد الكتف... فالخروف كان صغيرا والطقس كان باردا نوعا ما لذلك لم أترك من الخروف شيئا للقديد فكيف أطبخ الكسكسي به هل أستعير بعضا منه من لدى الأجوار صراحة لا أستطيع ووالدي وحماتي بمسقط رأسي بالكاف ولن تتاح لي الفرصة بسبب العمل يوم السبت للعودة الى أهلي لكن سأجد نصيبي منه خلال نهاية الشهر حيث أعود للاحتفال برأس العام الميلادي. «الملوخية صعيبة» «الملوخية صعيبة... طبخها وأعدادها يتطلب يومين كاملين... فمن أين لي الوقت لاعدادها... الله غالب سيبقى الأمر مؤجلا الى نهاية الأسبوع»... هكذا علّقت على الأمر السيدة خديجة عاملة بمحل لبيع الملابس الجاهزة مبرزة عدم التزامها ببعض التقاليد المطبخية في العيد الهجري لتضيف «أتمنى ان انجز كل ما علمتني اياه أمي رحمها الله لكن العمل يحدّ من كل رغباتي... هذه التقاليد لها معناها وقيمتها الثابتة لكن تطبيقها على أرض الواقع يكاد يكون شبه مستحيل... من المفروض أن أطبخ اليوم الكسكسي بالفول وغدا الملوخية ثم بعض الحلويات المنزلية بصراحة أعود إلى بيتي ليلا منهكة القوى حوالي التاسعة ليلا... فمن أين لي الوقت لاعداد الملوخية». «القفيلة» مفقودة «... شتّان بين ما ورثناه من تقاليد وبين ما هو معمول به في أرض الواقع... سابقا كان يُطبخ الكسكسي ويغلق بواسطة القفيلة لاغلاق العام المنقضي... اليوم أضحى «المقفول» والكسكاس افرنجيا يغلق بمفرده لم نعد نحتاج (للقفيلة) التي لم تعد موجودة بدورها فماذا سنقفل اذا؟ هكذا علقت على طريقة استقبال العام الهجري السيدة جميلة قبل أن تختم كلامها بالقول: «أتذكر أن أمّي وضعت قطعة قماش العام الفارط على الكسكاس عقدتها وفتحتها من جديد فقط من أجل العادة... أعتقد أن هذه التقاليد في طريقها شيئا فشيئا للاندثار بسبب الضغط اليومي وخروج المرأة للعمل. ولم يحافظ عليها الا أمهّاتنا بسبب بقائهن في المنزل وعدم خروجهن للعمل». الهجري قبل الميلادي خروج المرأة للعمل لا يراه السيد المنجي مبررا لعدم توريث التقاليد إذ يقول: «أنا أعمل وزوجتي كذلك ورغم ذلك لا نخلي بالتزاماتنا تجاه هذه التقاليد وخاصة في رأس السنة الهجرية فهي بركة علينا المحافظة عليها... الملوخية تعدّها زوجتي ليلا والكسكسي أيضا بالقديد كيف يمكن للتونسي اليوم أن يتناسى هذه الأمور أعتقد أنها لازمة حتى لا ننسى أصلنا وما الفرق حين نعدّ حلوياتنا في العام الهجري لاستقباله أو في العام الميلادي فهما سواسية نستقبلهما معا بالحلو. لا حياد عنها نفس الموقف اتخذته السيدة سعاد حرايرية موظفة ببنك بالقول: «العمل في واد وتقاليدنا في واد آخر لا يمكنني أن أحيد عنها... فأنا أطبخ الكسكسي وأعد القديد... وأترك قديد رأس العام الهجري من كتف خروف العيد على بناتي التقيد أيضا بهذه الأمور ليتوارثنها مني مثلما ورثتها أنا عن أمّي وأمّي عن جدّتي... لأنه إذا تركناها وهجرناها فقد هجرنا تاريخنا كلّه. اختلفت الآراء الا أنها تصب في واد واحد تقاليدنا من المهم المحافظة عليها لضمان توريثها لأجيالنا القادمة لكن الظروف هي التي تقف حدا فاصلا بين المرأة العاملة والأم كثيرة الانشغال... فالعين بصيرة لكن اليد الممدودة الى المطبخ قصيرة!