هل جُنّت البوصلة اللغويّة في بلادنا حتى لم نعد نعرف أيّ لغةٍ نتكلّم؟ وأيّ حروف نستخدم؟ وفي أيّ اتّجاه نقرأ؟ وهل نكتبُ من اليمين إلى اليسار أم من اليسار إلى اليمين؟ أسئلةٌ يفرضها هدير الموجات السمعيّة البصريّة، ووابل المعلّقات الإشهاريّة... واضطرارنا للتثبّت من بطاقة «الهويّة» كي نعرف أنّنا لسنا في «مالطة» أو في «شَكْشُوكِسْتَانْ»!! الغريب أنّ عقولاً راجحة كثيرة أقرّت قبل أشهُرٍ بوجاهة الدعوة إلى «المحافظة على سلامة اللغة وتعزيز حيويّتها»...فأين الاستجابة؟ وأين التنفيذ؟ وأين النتائج؟ لا علاقة لهذا الكلام بحراسة «القلعة اللغويّة» ولا صلة له بالدفاع عن «نقاوتها»... بل هو كلام الدفاع عن تحرير اللغة بفصحاها وعاميّتها من كلّ الأغلال، بوصفها كائنًا حيًّا يستضيف الوافد ويهضم الدخيل...إلاّ أنّه يمرض أيضًا...ويمكن تسميمه مثل كلّ كائن حيّ...وهو ما يحدث اليوم بهذه الدرجة العجيبة من «اللا لغة» التي يتقهقر بنا إليها البعض. إمّا بدعوى أنّ الفرنسيّة «غنيمة حرب» (وهو ما قيل أيضًا في شأن حصان طروادة، قبل أن تُسفِر الغنيمة عن لغم!!) وإمّا بدعوى أنّها «لغة الشعب» (في حين أنّها لغةُ «الجالية المحليّة» الناطقة بها والحريصة على زرعها زرعًا!!) ألا يعرفون أن التلوّث البيئي ليس أخطر من التلوّث اللغويّ، وأنّ ثاني أوكسيد الكربون ليس أخطر من ثاني أوكسيد اللغة؟!