رحلة البحث عن الكراء في تونس تعتبر رحلة شاقة ومضنية ومكلفة أيضا، اذ تتضاعف أسعار الايجار من يوم الى آخر والأسرة التونسية لم تعد قادرة على مجاراة نسق الارتفاع الجنوني للأسعار الحالية. والمحيّر في الأمر انه يوجد في تونس 2.405 مليون مسكن،83٪ منها مأهول وحوالي 426.200 شاغر. أفلم يكن من الأجدر استغلال هذا الفائض للحدّ من أزمة السكن؟ وقبل ذلك ما هو رأي الشارع في ارتفاع أسعار الكراء؟ وبماذا يفسّر الخبراء في المجال المعماري هذه المعضلة؟ التونسيون يلقون باللوم على اصحاب المنازل والمساكن او ما يعرفون بالملّاكة ويعتبرون انهم سبب البليّة في ارتفاع أسعار الكراء. فالسيد خالد جميّل يقول: «يحاول بعض الملاكة استغلال ازمة السكن وطفرة الطلب على الايجار للترفيع في الأسعار دون أخذ بعين الاعتبار القدرة المالية للمواطن وفي كثير من الأحيان يطلبون أجرة كراء تفوق قيمة الراتب الشهري ويفرضون توفير مبلغ تسبقة او ضمان. ويؤكد السيد حكيم العربي على أن الكثير من «الملاّكة» يجد في الكراء خير مصدر رزق يوفّر ما من شأنه ان يساعد على مجابهة مصاريف ومتطلبات الحياة. ويكمن الاشكال في ان البعض من هؤلاء يدفع بهم طمعهم وجشعهم وحبّ تحقيق الربح السريع الى الترفيع في سعر الكراء بصفة غير مقبولة ولا معقولة ويعمدون الى فرض شروط مجحفة مستغلين في ذلك كثرة الطلب. ويعتبر السيد محمد الحاج ان التحولات الاجتماعية والاقتصادية فرضت على البعض من أصحاب المساكن الاستثمار وأصبحت ممتلكاتهم بمثابة مشروع تجاري يوفّر لهم الربح حتى ولو كان ذلك بفرض أسعار حارقة لا تتماشى مع المقدرة الشرائية والأسوأ والأمرّ أن«الاستديو» او المسكن يكون في بعض الأحيان في حالة سيئة وغير مهيئ للسكن وكأن يكون مثلا بلا تهوئة مناسبة فتكثر فيه الرطوبة وغيرها من المضار الصحية. أطراف متهمة وإضافة الى مسؤولية «الملاّك» في ارتفاع أسعار الكراء في تونس يوجه الشارع التونسي اصبع الاتهام الى عدة أطراف أخرى زادت الطين بلة. السيد علي حسني مثلا يقول: «السماسرة ومختلف الشركات العقارية زادوا في إشعال نار أسعار الكراء وبقي القطاع يشكو من قلة المراقبة وهو مفتوح لمن هبّ ودبّ لتحقيق ارباح على حساب المواطن». ولكن البعض الآخر يعتبر ان الطلبة هم سبب البلية فالسيدة نجوى تؤكد: «ترتفع أسعار الايجار بنسق رهيب وسريع وتتضاعف كل سنة وأعتقد ان الطلبة سبب هذا الارتفاع لأنهم يتقاسمون تسديد سعر الايجار في حين ان المسؤول عن عائلة مطالب بتوفير 300 أو 400 دينار كل شهر، فالاشتراك في تحمل مصاريف الايجار يخفف من حدة تأثيرها على الطالب ولكنه يرهق المسؤول عن العائلة. ويشير السيد خالد الى كثرة الطلب على الأماكن التي تتوفّر فيها ظروف عيش أفضل وأرقى وهو ما يسبب ارتفاع أسعار الكراء ويضيف: «أغلب العائلات تحرص على السكن في الأماكن التي تتوفّر فيها ظروف تدريس ملائمة لأطفالهم والسكن في الأحياء الراقية عند هؤلاء شكل من أشكال الافتخار و«البريستيج». كما ان الاسرة تحرص على ان ينشأ أطفالها في وسط اجتماعي ومدرسي وحضري أرقى من الأماكن العادية. بدوره يؤكد السيد سليم بن عمر على أن ارتفاع الأسعار يرتبط بكثرة الطلب والشقق والمساكن هي سلعة تخضع الى سوق العرض والطلب. لكن ما هو رأي اصحاب الشقق والملاكة وكيف يردّون على هذه الاتهامات؟ «الله غالب» إذا ما سألت «ملاّكا» وطلبت منه مدّك بتفسير مقنع يشفي الغليل حول معضلة ارتفاع أسعار الكراء لا تظفر الا بإجابة واحدة تكاد تتكرر على ألسنة الجميع في البداية «الله غالب». ثم يضيفون: «كل أسعار المواد الغذائية ومتطلبات الحياة العصرية ارتفعت ثم أننا لسنا بالطامعين كما يعتقد البعض انما مجرد مستثمرين نحاول توفير مبلغ مالي شهري لمجابهة مصاريف الحياة اليومية. البعض الآخر من أصحاب الشقق استنجد بالمثل المتداول «بين البائع والشاري يفتح الله» للتدليل على أن الباحث عن الايجار مخيّر وليس مسيرا اذ بإمكانه ان لم يعجبه سعر الشقة البحث عن شقق أخرى. ويرى مراقبون في قطاع العقارات أن موجة الغلاء راجعة بالأساس الى ارتفاع أسعار مواد البناء والتكلفة الباهظة لليد العاملة. كما ان اتجاه العقارات نحو البناء على الطراز الرفيع وتحسين البناء الهندسي للمنازل السكنية استجابة لمتطلبات العصر ساهمت في الترفيع في الأسعار. خبير في الشؤون العقارية يكشف: 23% من التونسيين بلا سكن واستغلال الشقق المغلقة لن يكبح جماح الأسعار «أزمة السكن شجعت على ظهور البناء الفوضوي حيث أصبح يعاضد البناء المنظم» هذا ما يكشف عنه السيد حمزة عطاء الله وهو معماري وعمراني خبير لدى المحاكم في البناء والشؤون العقارية وفي الحوار التالي يطرح رأيه في ارتفاع أسعار الكراء ويتعرض الى أهم أسبابها كما يقترح بعض الحلول للحد من تأثير أزمة السكن. وهو يقول: تكشف الاحصائيات أن حوالي 23% من التونسيين دون سكن ويعيشون على الايجار ومن هذا المنطلق يمكن لنا الاقرار بوجود أزمة سكن نراها بالأساس في ارتفاع الأسعار بنسق جنوني ففي المناطق والاحياء الراقية مثل حي النصر والمنار والضاحية الشمالية تصل أسعار ايجار شقة مساحتها في حدود 140م2 ألف دينار شهريا بينما ينخفض هذا المبلغ ويصل الى الثلث في الضاحية الجنوبية والاحياء قرب المؤسسات الجامعية (العمران، الدندان....) رغم أن الشقق هي نفسها وبنفس المواصفات والمساحة. أما المناطق والاحياء السكنية التي يكثر عليها الطلب فتمتاز بتوفر بنية أساسية متطورة (مثل قنوات صرف المياه والطرقات...) وتحتوي على جميع مرافق الحياة الضرورية ووسائل الترفيه والتثقيف ومع كثرة الطلب من الطبيعي أن ترتفع الاسعار مما أجبر الباعثين العقاريين على البناء في هذه المناطق، كما ساهم النزوح من المناطق الداخلية الى العاصمة في ارتفاع أسعار الكراء وللحد من تفاوت الاسعار ولكبح جماح تكاليف الايجار ينبغي العمل على ايجاد نوع من التوازن بين الاحياء وتوفير نفس الامتيازات والمرافق الحياتية وتطوير البنية الأساسية (من طرقات ووسائل نقل...) والأهم دعم تمشي اللامركزية الذي اعتمدته الدولة والحد من ظاهرة النزوح من المناطق الداخلية وعند سؤالنا: بماذا تفسر وجود حوالي 426.200 شقة شاغرة في تونس ألا يمكن أن يساعد استغلالها على الحد من ارتفاع أسعار الكراء؟ قال: لا يمكن الجزم بأن استغلال تلك الشقق وتأجيرها سيحل أزمة ارتفاع الأسعار فأغلب هذه الشقق المغلقة موجودة في أماكن وأحياء لا يكثر عليها الطلب لبعدها ولافتقارها الى المرافق الادارية والتجارية والمواصلات. والعديد من أصحاب الشقق الشاغرة لم يقوموا بتأجيرها لضعف الطلب أما النسبة المتبقية من أصحاب الشقق الشاغرة فعمدوا الى غلقها لأن الذين سكنوا فيها في السابق أهملوا صيانتها وترميمها الى حد أن بعضها أصبح عبارة عن «خربة» وهذا ما يعكس عقلية التونسي في اهماله ولا مبالاته بملك المجموعة وبأملاك غيره لذلك ينبغي العمل على تجاوز هذه العقلية لنشجع أصحاب الشقق الشاغرة على تأجير ممتلكاتهم. 300 ألف مسكن في الخماسية القادمة سيتم خلال السنوات الخمس المقبلة انجاز 300 ألف مسكن والارتقاء بنسبة العائلات المالكة لمسكنها من 80٪ حاليا الى 90٪ خلال سنة 2014. كما سيتم تشييد 70 ألف مبنى خاضع لشروط النجاعة للبناءات بالاضافة الى وضع خطة لتهيئة وتطوير المدن الصغرى والمتوسطة التي من المنتظر ان تشمل 200 مدينة واحداث أحزمة خضراء حول المدن الكبرى مع الاخذ بعين الاعتبار احتياجات التوسع الى أفق سنة 2050. وتجدر الاشارة الى ان نتائج المسح الوطني نصف المرحلي للسكان والسكنى لسنة 2009 أفضت الى ارتفاع عدد الوحدات السكانية الى حوالي مليونين و887 ألف مسكن اي بنسبة نمو في حدود 2.91٪ مقابل 2.51٪ نسبة نمو عدد الأسر. كما انخفضت نسبة المساكن البدائية من مجموع الرصيد السكني من 0.8٪ سنة 2004 الى 0.3٪ سنة 2009 وارتفع مستوى الرفاه داخل المسكن حيث انخفضت المساكن ذات الغرفة الواحدة من 14٪ سنة 1994 الى 6.9٪ سنة 2004 و3.6٪ سنة 2009 وارتفعت نسبة المساكن المتكوّنة من 3 غرف لتصل الى 46٪ سنة 2009.