لا أعرف يومها لماذا سمعت كلام أمي لما قالت لي׃ «هههه...بسيكولوجي تقرا تقرا ومبعد تداوي المهبله» ولا أعرف ماذا دهاني ؟ لما عدلتُ عن اختياري وسمعت كلامها ؟ أهو إرضاء لها أم ماذا ؟ لطالما استهواني علم النفس... عالم العقل... عالم الأنا والأنا الأعلى... عالم الهو... هذا الهو الذي يختلف من شخص إلى آخر ولكن في الأغلب هوذاته مؤسسة الشهوة، مدينة الشبق، ذاك النظام الغريزي الذي يتحير في الشهوة الجنسية عندما نرى إمرأة جميلة أو رجلا وسيما وهنا عقلك البدائي أوأعضاؤك التناسلية هي التي تحكم... جلست مع نفسي أياما وأياما وتلك الجملة تتواتر على أذني وتدور في رأسي وكأنها في مضمار. إنّ هذا العالم يجعلني أعيش الإنسان من قرب، أن تعرف شخصا لما تتمكن من أسس علم النفس وأن تشعر بأنك مخلص «مريض» من أزمة نفسية، إني مقتنع تمام الاقتناع أن الطبيب النفسي هوالوحيد في المجتمع القادر على فهم كل مواطن إن صح التعبير أوكل إنسان سياسي كان ،أومجرد متسكع كان . ويقال إن ضيع الفرد فرصة قد تأتيه الثانية ولكن لا يعبث بها وهذا ما صار معي نعم أتتني فرصة أن أختار دراسة علم النفس ولكن الإنسان طماع بطبعه اتجهت إلى الفن ودخلت هذا العالم من بابه الكبير ودرست التصميم ولكن بالنسبة لي لم يكن فنا عندما يكون الفن حسب الطلب وكراس شروط تتبعها لترضي رغبة حريف ويمدك بنقود عندما تنتهي من عملك قضيت ثلاث سنوات وأثناء الدراسة رأيت نفسي كطفل صغير يمسك ورقة بيضاء ويُلوّن ويرسم الخطوط دون مسطرة وعليك أن تسطره مستقيما لا يرتعش...ولا أحدثكم عن الألوان وكأني في رياض أطفال أحمر وأصفر يعطي برتقالي،أسود وأبيض يعطي رمادي وأيام الدراسة عرفت أن الأسود والأبيض ليست بألوان إنما قيم ضوئية ...ثلاث سنوات مرت وأحسست بالضيق يشد على صدري في كل مرة أكثر وأكثر وكانت كلمة « البسيكولوجيا» موجودة في ركن ما من ذهني تظهر تارة ويصيبني شيء من الذهول وتراني أجول بخاطري وأتخيل دروس علم النفس وأتخيل مستشفى الرازي وأتحسر ويتملكني الغضب على حالي لماذا سمعت كلام أمي ...صحيح أني أحب الفن وأحب اللوحات الفنية كلوحات سلفادور دالي «salvador dali» أو«Guayasamine» أوغيرهما من الرسامين وصحيح عشقت دروس الخط العربي وما كان يستهوني أكثر من علم النفس واللوحات أن أكتب القصص وأصورها. حياتي مرت كالرحالة من مكان إلى آخر حتى أرست على ضفاف «قمرت» مدرسة السينما.. دخلت مدرسة السينما وفي جعبتي حلم أن أصير مخرجا دخلت ولا أحمل شيئا عن السينما لا تقنيا ولا نظريا سوى بعض عناوين الأفلام التي بقيت راسخة في ذهني وقد شاهدتها عشرات المرات ودخلت وجابهت الأمواج وجلست ورفاقي وأضفت في اختصاصي بحكم سوابقي الفنية وأضافوا لي. كل يوم يمر وأنا أتعلم وأضيف إلى زادي كونت نفسي ودربت عيني على المشاهدة ...ليست المشاهدة التي يراها المواطن العادي وإنما تلك المشاهدة التي تلم بكل كبيرة وصغيرة، من إتجاه الضوء وحركة الممثل ...الخ. لم أذكر أني دخلت في نقاش حاد مع أمي على اختياراتي التي وبصراحة أعاني نتائجها الآن ولكن لا يهمني فأنا أحب هذا ومثل التاريخ ومثل السياسة تدور العجلة وتعود إلى نقطة الصفر وستأتي فرصتي التي سأبرز فيها ولكن هذا من المجالات التي وجب على الفرد ان يتحلى فيها بصبر أيوب فلا فائدة من الخوض في ذلك ولكن تقول أحيانا « للصبر حدود» وأحيانا تنسى نقطة الإبداع وتريد أن تجد مورد رزق كي تعيش . وكم لاحظت من شيئ طريف وغريب في الآن نفسه نظرة الناس إليك عندما تقدم نفسك كمخرج حديث التخرج فأنهم يعظمونك ويطالبونك بتصوير فيلم وأن يقوموا بدور البطولة وهذا الشعور متداول جدا عند النساء كلهن تردن إما أن تكن أميرات أوأن تكن نساء ثائرات على سلطة رجل فالطريف أنهن يقدمن أنفسهن لدور بطولة فكرة تكون المرأة غالبة للرجل وتسيطر عليه والبعض منهن يبتغين القصاص من الذكر، فهنا تراني اسمع بأذن طبيب نفساني يستمع إلى مريضة نهشتها الحياة حتى إن لم تكن بطريقة مباشرة. كم عشقت تلك الفتيات الحالمات وأنا أتخيلهن في مستشفى الرازي في غرفة موصدة حيطانها بيض لابسات أقمصة بيضاء وتتحدثن وتهذين أوبالأحرى «الهو» يطلق العنان لألسنتهن وخيالهن فتراها تصف مشهد تعذيب حيث هي المُسيطرة على الرجل تعذبه أوتضربه أوما شابه وأخريات تحدثنك عن أحلامهن وشهواتهن وأنهن تردن رؤية ممثل عالمي ك «أنطونيوبندارس» أوغيره ولا تقفن عند هذا الحد بل تعترفن برغبتهن الشديدة في معاشرته...كل هذا لأني قلت أني مخرج... يرين فيّ أملهن الوحيد في أن يصرن نجمات وكم لاحظت من موضعي هذا أن المواطن التونسي رجلا كان أو امرأة تستهويه حياة النجومية وحياة الكذب.... إني اليوم وبعد ان انهيت دراستي أحاول أن أسترجع حلما كان لي ان احققه ابحث عنه في كل فيلم يتحدث عن طب النفس اوفي مقال اوحتى في زيارة لصديقي الطبيب بمستشفى الرازي وأمكث فقط لأتفرج وأرى هذا المكان العظيم ، خشبة المسرح هذه التي لا كذب فيها ولا نفاق ولا تزوير. كم هو جميل هذا العالم رغم أني صدمت لأنه كانت لدي فكرة خاصة عن مستشفى مجانين كنت أتخيله كما نراه في الأفلام أحسن بمائة مرة من نزل خمس نجوم بتونس أو في أي بلد عربي كان ويومها دخلت فأرتابني شعور بالانكماش والخوف وبعض الحيرة فهناك العاقل والمجنون يستويان تنظر إلى أطباء بسترة بيضاء يقهقهون بفضاضة كأنهم مجانين وكم أردت أن أرى هؤلاء المرضى الذين ينعتهم المجتمع ب«مهبول» وغيرها وغيرها من الأشياء التي بعثت في رغبة الزيارة الثانية والثالثة والرابعة...