لم يكن الوضع عاديا صبيحة أمس أمام مقرّ السفارة المصرية بتونس حيث وضع كل الموظفين في حالة استنفار قصوى وتجنّدوا لخدمة المصريين الوافدين من ليبيا على تونس ومساعدتهم على العودة الى بلادهم في أحسن الظروف، ومع ذلك تفضّل سعادة السفير أحمد اسماعيل بالردّ على أسئلة «الشروق» رغم انشغاله بمتابعة الأوضاع على الحدود التونسية الليبية. كيف تقيّمون الوضع ميدانيا في ما يتعلّق بالوافدين المصريين من ليبيا الى تونس؟ دعني أولا أحيّي الشعب التونسي من القلب وخاصة أهالي مدن الجنوب والجيش الوطني والحرس والهلال الأحمر التونسي وكل المنظمات والجمعيات التي هبّت لاستقبال آلاف المصريين الفارّين من ليبيا الى تونس، نحن نحمل تونس في وجداننا واليوم يتأكد إحساس الشعب المصري تجاه إخواننا في تونس الذين فتحوا منازلهم لاستقبال ونجدة المصريين في مدّ تضامني لم تشهد له المنطقة العربية مثيلا ومع ذلك نتمنّى أن لا تطول إقامة المصريين على الأراضي التونسية حتى لا نثقل كاهل التونسيين وهم الذين بحاجة الى بناء بلادهم غداة ثورة 14 جانفي المجيدة. كيف تتعامل السفارة ومن ثمّة الحكومة المصرية مع هذا الوضع وما هي الاجراءات المتخذة لضمان عودة المصريين الى بلادهم؟ منذ بداية تدفق المصريين على نقطة العبور برأس جدير قامت الحكومة المصرية بإنشاء جسر جوي بين مطارات جربة وصفاقس وقرطاج لترحيل المصريين، كذلك وضع الجيش المصري على ذمّة السفارة سفينتين زيادة على تجنيد شركة مصر للطيران بالكامل لنقل اللاجئين المصريين حيث بلغ عدد الذين تمّ إجلاؤهم الى حد اليوم 22950 مواطنا مصريا على مجموع 40900 مصري موجودون برأس جدير. لكن الاشكال الأكثر تعقيدا يكمن في الأعداد الكبيرة للفارّين من ليبيا والذين يتزايدون يوما بعد يوم ممّا قد يزيد الوضع على الميدان تعقيدا وتأزّما لذلك سارعت السفارة بالتعاقد منذ أربعة أيام مع شركة الطيران الجديد التونسية وذلك لتأمين سبعة وثلاثين سفرة يوميا ما بين المطارات التونسية والمصرية. وفي ذات السياق سارعت السفارة الى نصب 350 خيمة ونأمل أن يصل عددها الى 500 خلال الأيام القادمة لإيواء المواطنين المصريين بنقطة العبور برأس جدير في انتظار ترحيلهم الى مصر كما تمّ كراء الباخرة التونسية «الحبيب» وذلك بقصد إقامة جسر بحري ما بين ميناءي جرجيس وقابس من جهة وميناء الاسكندرية من جهة أخرى. ماذا عن الوضع الصحي على الميدان؟ الى حدّ اللحظة لم نلاحظ أي مشكل صحي والوضع عادي جدا بفضل الرعاية الصحية التي يقدمها الأطباء في المستشفى العسكري الميداني برأس جدير زيادة على ما يقدمه الهلال الأحمر التونسي من خدمات للاجئين على أن الحكومة المصرية على استعداد كامل لإيفاد أطباء وممرضين مصريين لتقديم المساعدة وأذكّر هنا أن كميات كبيرة من الأدوية وضعتها السفارة المصرية على ذمة المواطنين المصريين العالقين برأس جدير. الأممالمتحدة وبعض المنظمات الدولية بدأت تتحدّث عن كارثة إنسانية.. هل من تفسير لهذا التقييم؟ لا أعتقد أن الأمور وصلت الى هذا الحدّ فعمليات الاجلاء تتمّ بوتيرة سريعة والتأطير الصحي والاجتماعي على الميدان جيد للغاية بل دعني أقول أن كافة الأطراف المتدخّلة على الميدان أبدت حرفية كبيرة في التعامل مع الوضع بل أن كل موفدي الدول الأوروبية والهياكل الأممية الى منطقة رأس جدير اندهشوا وأعجبوا بما عاينوه من الأداء الجيد لكافة منظمات المجتمع المدني والجيش التونسي في عملية الاغاثة والاحاطة باللاجئين والعابرين الى الحدود من كافة الجنسيات. هل لديكم فكرة واضحة عن مصير بقية المصريين العالقين بليبيا؟ من الصّعب جدا إعطاء أيّة معلومات عن بقية الجالية المصرية التي لازالت عالقة بليبيا فتقديراتنا تذهب الى أن حوالي المليون ونصف المليون مصري يعيشون في ليبيا وهم موزّعون على كافة المقاطعات وقد فرّ العديد منهم عبر الحدود الشرقية كالبيضاء وبنغازي أو طرابلس والذين لازالوا هناك يبقى مصيرهم غامضا ونحن نخشي من تعرّضهم للاعتداء خصوصا إذا علمنا أن السلطات الليبية تحمّلهم كما تحمّل التونسيين مسؤولية ما حدث في ليبيا ونخاف من أنهم كما الأشقاء التونسيين العالقين هناك قد يكونون عرضة الى عمليات انتقامية على يد الميلشيات التي تبث الرّعب في المدن الليبية. لذلك تكثّف السفارة من جهودها على الحدود التونسية الليبية من أجل نجدتهم وإعانتهم على العبور ونناشد إخواننا في ليبيا تقديم المساعدة اللازمة والحماية الى كل المصريين والتونسيين العالقين هنا وتحييدهم عن ما يقع هناك. هل هناك اتصالات مع منظمة الأممالمتحدة لمساعدتكم على تجاوز هذه الأزمة؟ فعلا هناك اتصالات وتنسيق مع الهياكل الأممية المعنية وقد بدأ يفرز إجراءات عملية تمثلت في رغبة الكثير من ا لدول في مساعدتنا على تجاوز هذه الأزمة، ففرنسا وضعت على ذمتنا طائرتان وألمانيا ثلاث وبريطانيا أربع زيادة على استعداد العديد من المنظمات الدولية للتدخل الى جانب الشق التونسي لتقديم مساعدات إنسانية من أدوية وأغطية وخيام وأكل حتى نتجنّب ما لا يُحمد عقباه. ومع ذلك وفي تقييمي يبقى ما يقدمه الشعب التونسي بكافة أطيافه وشرائحه كافيا لتأمين إقامة ونقل المصريين الى بلادهم في أحسن الظروف وهو ما يؤكد مرّة أخرى أن هذه الهبّة التضامنية الرائعة هي من صميم طبيعة الشعب التونسي التي تنهل في مرجعيتها من أرقى وأنبل المشاعر الانسانية.