وجه دائري... اختفت نضارته.. عينان جميلتان لفت عليهما التجاعيد من كل ناحية.. دموعها تنهمر كلما تذكّرت أن ابنها الذي لم يتجاوز الخمس سنوات من عمره سوف يخضع لعملية جراحية لبتر ساقه واستئصال مرض السرطان. السرطان... هذا المرض الخبيث الذي يرعب كل شخص لاستحالة علاجه في أغلب الأحيان ولارتفاع تكاليف الأدوية المطلوبة... لها معه قصة طويلة ومريرة. نوّة.. هو اسمها و43 سنة هو عمرها.. أرملة منذ 2008 وأمّ لستة أطفال دون عمل أو عائل ما عدا تلك المنحة التي تحصل عليها بعض العائلات المعوزة. لما فاجأها السرطان وأصاب ضلعها الأيمن.. بدأت الدنيا تسودّ في عينيها خوفا على أطفالها الستّة أكبرهم مصابة باعوجاج في العمود الفقري وتتطلب العلاج في قسم العظام لتقويم ما يمكن تقويمه. خضعت الى علمية جراحية.. لاستئصال الجزء المريض.. ومازالت تخضع للفحوصات الدورية لمراقبة المرض. وضعت يدها على مكان الإصابة وانفجرت عيناها بالدموع.. كادت ان تطلق صوتا لولا حرمة المكان... صمتت قليلا وعاودت الكلام بجمل متقطعة وقلب توغّلت به الآلام.. كل من كان جالسا بقاعة انتظار دار الأنوار انتبه اليها وعبّر عن شعوره بحجم معاناتها بعضهم قال لا حول ولا قوّة إلا با&... والبعض الآخر نظر الى الأسفل آسفا لهذا المشهد. أرملة... لستة أطفال لا عائل لهم بعد وفاة الأب... خمسة منهم يدرسون عراة حفاة في هذا الزمن... وضعهم الاجتماعي الرديء جعلهم مختلفين عن جميع أبناء حيّهم الشعبي البسيط... أصحاب القلوب الرحيمة هم الذين يخفّفون عنها الحمل، فهل من التفاتة منهم؟ وأصحاب القرار هم الذين باستطاعتهم وقف معاناتها، فهل من مجيب منهم؟ انتهت من الحديث عن الفقر والألم والمعاناة ثم رفعت عينيها الى السماء تستجديه الرحمة وانقاذ طفلها الذي يبلغ من العمر أربع سنوات ونيّف من مرض السرطان ثم عادت الى الدموع... حاولت مرارا تهدئتها فلم أفلح... وخلال فترة انتظار استئنافها لروايتها الحزينة.. أجريت اتصالا هاتفيا بجمعية النهوض بالأم لإبلاغهم بحالتها والتدخل لمساعدتها في حدود الامكان... عادت للحديث عن ابنها المريض قائلة: ... أخشى ما أخشاه بتر ساقه وهو طفل صغير... وأخشى ما أخشاه أن... «لم تستطع نطقها» وهو في هذا العمر الصغير. ولم تنس الحديث عن ظروف العلاج الصعبة وغلاء الأدوية ومصاريف التنقل للعلاج... إلهي كم هو كبير حمل هذه الأرملة..؟ التي لم تستطع استخلاص فاتورة الماء والكهرباء لتعيش هي وأطفالها على ضوء الشّموع... النساء تفكّر يوميا في نوع الأكلة التي ستعدّها لأبنائها، وأنا أتساءل ماذا سأعطيهم ليسدّوا رمق الجوع نهاية الكلام... لكم الحكم والسلام.