وُلد الامام الأكبر أبو عبد الله بن علي بن عمر محمد التميمي المازري، الفقيه المالكي المحدث في أوائل النصف الثاني من القرن الخامس للهجرة، ونسبه الى (التميمية) تثبت انه من سلالة القبيلة العربية العظيمة الذائعة الصيت في تاريخ العرب التي انحدر الكثير من أبنائها الى افريقية واتشروا بشبه جزيرة الاندلس وبصقلية، وقد لعب أفراد هذه القبيلة أدوارا هامة في تاريخ افريقية في سائر الميادين لا سيما الميدان الساسي. مازرة الشامخة ونسبة هذا النابغ الى مازرة تبين أن أسلافه كانوا يقطنون بها وهذه المدينة أي مازرة كانت من المدن الآهلة بالمسلمين لأنها أول ما افتتحه أسد بن الفرات من جزيرة صقلية في الحملة التي أرسلها زيادة الله الأول الأغلبي في سنة 212 ه. وقد عرف الإدريسي أكبر جغرافي العرب في تلك العهود بمازرة فقال: «مازرة مدينة فاضلة شامخة لا شبيه لها ولا مثيل في شرف المحل والحال، واليها الانتهاء في جمال الهيئة والبناء وما اجتمع فيها من المحاسن التي لم تجتمع في غيرها من المواطن» الى آخر ما وصفها به الادريسي من الأوصاف الرائعة. ويظهر أن المازري كان ينتمي لصنف العلماء الذين ساروا في طريق العلم، وركزوا قواعده، وتعمقوا في دراسته، ليس لهم من غاية سوى مرضاة الله، وحل اشكالات العلم، وفتح مجالات الفقه أمام الحائرين الباحثين عن الحلول التي تساير الحياة، وتسهل لهم سبل العيش في نطاق الشريعة السمحة، همّهم الوحيد الارتقاء بالفقه، وبذل الجهد لتفتحه على الحياة، وملاءمته لمقتضيات العصر. والمتأمل لفقه المازري يلاحظ انه كان يسير بسرعة فائقة مغطيا طلبات الناس، متشابكا مع مستلزماتهم، وليس له المجال ولا الوقت ولا التفكير في علمه وفقهه هل بلغ بهما درجة الاجتهاد او هو دون هذه الدرجة، او هل تفوقه فات به علماء عصره أو هو مازال دون مستواهم؟ لهذا ترك المازري تقييم اجتهاده للآخرين، كما فعل كبار الأيمة الذين سطروا المناهج وحددوا الأصول وتركوا للزمن يحكم بصلوحية مذاهبم. مؤلفات هامة ومن أهم المؤلفات التي تركها الامام المازري «آمال على شيء من رسائل إخوان الصفاء» سأله الأمير تميم عنها، و»الإنباء على المترجم بالإحياء» رد فيه على الإمام الغزالي في كتابه احياء علوم الدين، وشرح البرهان لامام الحرمين. وقد قال التاج السبكي عن هذا الكتاب «البرهان» لغر الأمة كما شرح الامام المازري «التلقين» للقاضي عبد الوهاب في 10 مجلدات. أما وفاته فقد اتفقت المصادر على السنة وهي 1141/536 وكذلك الشهر وهو ربيع الأول، غير أن عياض يحدد اليوم بيوم السبت الثالث من نفس الشهر، وابن خلكان يحدده بالثامن عشر منه وينقل عنه ذلك اليافعي والمقري، ويحدد عبد الوهاب الوفاة بيوم السبت الثامن من ربيع الأول.