رئيس الجمهورية يركّد على ضرورة انسجام العمل الحكومي    قيس سعيّد: "لا وجود لأي مواجهة مع المحامين ولا أحد فوق القانون"    لجنة التربية والتكوين المهني والبحث العلمي تبحث تنقيح قانون التعليم الخاص    درجات الحرارة ليوم الخميس 16 ماي 2024    نمو مستمر للإسلام في فرنسا    يوميات المقاومة .. تحت نيران المقاومة ..الصهاينة يهربون من حيّ الزيتون    جلسات استماع جديدة ضد الصهاينة في محكمة العدل ...الخناق يضيق على نتنياهو    العدوان في عيون الصحافة العربية والدولية ..أمريكا تواصل تمويل حرب الإبادة ..دفعة أسلحة جديدة بقيمة مليار دولار    عاجل: بطاقة إيداع بالسجن في حق المحامي مهدي زقروبة ونقله إلى المستشفى    متابعة سير النشاط السياحي والإعداد لذروة الموسم الصيفي محور جلسة عمل وزارية    بعد تعرضه لمحاولة اغتيال.. حالة رئيس وزراء سلوفاكيا خطيرة    عقارب: أجواء احتفالية كبرى بمناسبة صعود كوكب عقارب إلى الرابطة المحترفة الثانية.    ايقاف مؤقت لبرنامج Emission impossible على اذاعة إي إف أم    ينتحل صفة ممثّل عن إحدى الجمعيات لجمع التبرّعات المالية..وهكذا تم الاطاحة به..!!    الكشف عن شبكة لترويج المخدرات بتونس الكبرى والقبض على 8 أشخاص..    دعوة الى إفراد قطاع التراث بوزارة    أولا وأخيرا .. «شي كبير»    سليانة: إلقاء القبض على سجين بعد فراره من أمام المحكمة    صفاقس: اشتباكات بين المهاجرين غير النظاميين فيما بينهم    القرض الرقاعي الوطني 2024: تعبئة 1،444 مليار دينار من اكتتاب القسط الثاني    البنك الاوروبي لإعادة الإعمار والتنمية يتوقّع انتعاش النمو في تونس    أمراض القلب والجلطات الدماغية من ابرز أسباب الوفاة في تونس سنة 2021    الديوانة تطلق خدمة التصريح بالدخول الخاص بالإبحار الترفيهي    مندوبية التربية بقفصة تحصد 3 جوائز في الملتقى الوطني للمسرح بالمدارس الاعدادية والمعاهد الثانوية    عاجل : أحارب المرض الخبيث...كلمات توجهها نجمة'' أراب أيدول'' لمحبيها    أغنية صابر الرباعي الجديدة تحصد الملايين    بمناسبة عيد الأمهات..البريد التونسي يصدر طابعا جديدا    الإعلان عن تركيبة الإدارة الوطنية للتحكيم    حاحب العيون: انطلاق فعاليات المهرجان الدولي للمشمش    الفلاحون المنتجون للطماطم يطالبون بتدخل السلطات    مكثر: وفاة شاب واصابة 5 أشخاص في حادث مرور    مجلس عمداء المحامين يصدر بيان هام..#خبر_عاجل    في اليوم العالمي للأسرة: إسناد 462 مورد رزق لأسر ذات وضعيّات خاصة ب 15 ولاية    قطر تستضيف النسخ الثلاث من بطولة كأس العرب لسنوات 2025 و2029 و2033    لاعب الأهلي المصري :''هموت نفسي أمام الترجي لتحقيق أول لقب أفريقي ''    وفاة عسكريين في حادث سقوط طائرة عسكرية في موريتانيا..#خبر_عاجل    وزير الشؤون الدينية يؤكد الحرص على إنجاح موسم الحج    على هامش الدورة 14 لصالون للفلاحة والصناعات الغذائية صفاقس تختار أفضل خباز    وزير الفلاحة يعرب عن إعجابه بصالون الفلاحة والصناعات الغذائية بصفاقس    قضية سرقة وتخريب بمصنع الفولاذ: إصدار بطاقات إيداع بالسجن في حق 7 أشخاص    أكثر من 3 آلاف رخصة لترويج الأدوية الجنيسة في تونس    علاجات من الأمراض ...إليك ما يفعله حليب البقر    من بينهم طفلان: قوات الاحتلال الصهيوني تعتقل 20 فلسطينيا من الضفة الغربية..#خبر_عاجل    وزارة المالية تكشف عن قائمة الحلويات الشعبية المستثناة من دفع اتاوة الدعم    وزير الرياضة في زيارة تفقديّة للملعب البلدي بالمرناقية    صورة/ أثار ضجة كبيرة: "زوكربيرغ" يرتدي قميصًا كُتب عليه "يجب تدمير قرطاج"..    ما حقيقة سرقة سيارة من مستشفى القصرين داخلها جثة..؟    عاجل - مطار قرطاج : العثور على سلاح ناري لدى مسافر    أنشيلوتي يتوقع أن يقدم ريال مدريد أفضل مستوياته في نهائي رابطة أبطال أوروبا    الأهلي يصل اليوم الى تونس .. «ويكلو» في التدريبات.. حظر اعلامي وكولر يحفّز اللاعبين    اليوم إياب نصف نهائي بطولة النخبة ..الإفريقي والترجي لتأكيد أسبقية الذهاب وبلوغ النهائي    أول أميركية تقاضي أسترازينيكا: لقاحها جعلني معاقة    قابس : اختتام الدورة الثانية لمهرجان ريم الحمروني    مفتي الجمهورية... «الأضحية هي شعيرة يجب احترامها، لكنّها مرتبطة بشرط الاستطاعة»    أولا وأخيرا: نطق بلسان الحذاء    مفتي الجمهورية : "أضحية العيد سنة مؤكدة لكنها مرتبطة بشرط الاستطاعة"    عاجل: سليم الرياحي على موعد مع التونسيين    لتعديل الأخطاء الشائعة في اللغة العربية على لسان العامة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رئيس منتدى العلوم الاجتماعية التطبيقية ل«الشروق»: الثورة قد تتحوّل الى كابوس، وتونس لن يحكمها حزب واحد
نشر في الشروق يوم 17 - 08 - 2011

هل نحن مقبلون على كارثة اقتصادية واجتماعية وسياسية ستحوّل الثورة الى كابوس وإحساس عميق بالفشل؟ هذا السؤال أبرز استنتاج توصل إليه الدكتور عبد الوهّاب حفيظ في الموجة الثانية من استطلاعات «باروميتر الثقة». «الشروق» التقته، وكان الحوار التالي:
بعد ثلاثة أشهر من صدور الباروميتر الأول للثقة السياسية، أعلنتم عن ظهور الموجة الثانية لباروميتر الثقة. ماهي أبرز الخلاصات التي انتهيتم إليها وما هي دلالاتها؟
قبل الحديث عن النتائج من المهم الحديث عن المؤثرات التي أدت اليها. نتائج الموجة الثانية من الاستطلاع بدت لنا متوقعة ومفاجئة في وقت واحد. فهي متوقعة من ناحية انحسار اتجاهات الثقة نتيجة التطورات الأخيرة التي شهدتها الحياة السياسية منذ شهر أفريل 2011 بدءا بتأجيل موعد الانتخابات والذي على الرغم من مبرراته اللوجستية أو السياسية فلقد بدا بالنسبة لقطاع واسع من الرأي العام، كما لو أنه ضربة خروج عن مسار مقرر وعن التزام حكومي. ولا ننسى بأن كل استطلاعات الرأي كانت متجهة في واد في حين كانت آراء النخب والأحزاب باستثناء خمسة أو ست أحزاب، في واد آخر. هذا القرار أدى الى ظهور نوع من الضبابية لدى الرأي العام كما أدى الى تنامي حالة الشك في قدرة حكومة تصريف الأعمال على الالتزام بموعد كان من الممكن أن يكون له مفعول «التيرابي» والعلاج النفسي لحالة اليأس من التأثير في الأحداث المتوارثة منذ نصف قرن أو يزيد. هذا أيضا ماقد يفسر تراجع شعبية هيئة الاصلاح السياسي (من 55 بالمائة إلى 27 بالمائة) وكذلك شعبية الوزير الأول (من 62 بالمائة إلى 27 بالمائة) والمجتمع السياسي ككل، أي الأحزاب السياسية ( من 48 بالمائة إلى 27 بالمائة).
العامل المؤثر الثاني لهذه النتائج تمثل من دون شك في اطالة الحالة الانتظارية وظهور بعض التداعيات السلبية لاطالة أمد الانتظار من خلال ظهور بسيكولوجيا النفق. لنتصور بأن جمهرة من الأفراد في حالة ارتباك يتوقعون الخروج من نفق طويل مظلم ويأت من يعلن بأن المنفذ مازال بعيدا أو أن انه قد تأجل الخروج منه. بكل تأكيد ستنتج عن ذلك حالة من الارتباك وانعدام الثقة. كل فرد سيحاول الخلاص بجلده وفي أسرع وقت. لذلك لم تنقطع الاعتصامات منذ شهر افريل بل زادت وان تقلص العنف فيها... وستزداد في عددها ربما في عنفيتها لو تقرر اطالة مسار النفق مرة أخرى أو التمديد في تأجيل البدء في بناء الشرعية وهي مسيرة طويلة وستتطلب وقتا. وهذه رسالة مهمة. ولنقرأ كل دلك من خلال بعض الارباكات والارتباكات حتى ضمن مرحلة الزمن الاضافي التي أدت إلى التأجيل الراهن: فمستويات التعبئة في التسجيل وكذلك في الاهتمام بالاحزاب السياسية وبالحكومة وأعمال الهيئة... . لا يمكن أن تفسر الا من خلال هذين العاملين، يضاف إلى ذلك انشغال المواطن بغلاء المعيشة والمشكلات المترتبة عن الفوترة المجنونة لشركة المياه والكهرباء والغاز وميزانيات رمضان والصيف والعودة المدرسية ودخول النقابات في عملية شد حبال على حساب الحياة اليومية للناس. بهذا الوضع يؤكد المواطن بأن الاجندة السياسية ليست الاجندة الوحيدة التي لديه وانما هناك اجندات اجتماعية ومدرسية ورمضانية ومشكلات يومية لا تزيدها الحالة الانتقالية إلاّ تعقيدا.
من خلال ردود الشارع التونسي ألا تعتقد ان مشكلة الثقة تعمّقت أكثر من الأيام الأولى للثورة؟
طبعا وهذا متوقع كما قلت نظرا لتزايد خيبات الأمل. الثقة ليست حالة نفسية فقط وانما هي أيضا موقف محسوب لدى الفرد..بشكل عام. لنكن واضحين هنا. يمكن أن يعالج مجتمع ما أزماته ولكن في سياق حد ادني من أرصدة الثقة... .وما حصل في تونس كان قريبا من هذا الوضع... .لكن معطيات الأشهر الأخيرة قلبت الحالة رأسا على عقب، الأمر الذي سيرشح المسألة الاجتماعية إلى العودة بقوة. والسؤال هو لماذا تراجعت الثقة في الوزير الأول الآن رغم ما يعرف عن الوزير الأول (ولا زال في نظري على الاقل) من نية جادة في انجاز أهداف الثورة؟
السؤال هو فعلا مطروح :كيف انتقل مستوى الثقة من 62 بالمائة إلى 27 بالمائة وخلال ثلاثة أشهر؟
هناك عدة أسباب مرجحة ومنها: أولا: غموض أدوار اللاعبين : كيف يمكن أن لا تتراجع الثقة في وقت يتزايد فيه قلق الرأي العام من القضايا المتصلة بطبيعة الأدوار وطبيعة الوظائف. من يفعل ماذا ومن يقرر ماذا؟ الوزير الأول وبأسلوبه الخطابي كمحام بارع كان مقنعا منذ قدومه. لقد لمس لديه الجميع الجرأة التي كانت لدى صنوه ورفيق دربه الزعيم الحبيب بورقيبة. لكن هذا الأسلوب لم يكن يتماشى كشكل للتسويق السياسي وللاتصال مع تونس الجديدة وشبابها. 70 بالمائة من التونسيين لم يعرفوا الأسلوب الخطابي للحبيب بورقيبة أما البقية فكانوا يعرفون قدرة بورقيبة في الوصل بين القول وما يقرر أو ما يقوم به إلى حد الغرور. المشكلة مع الوزير الأول هو أنه لا يمتلك أدوات سياسته جميعها أو ليس له الفريق المهيأ ربما للقيام بذلك. ونحن نعلم بان التحكم في الاهداف السياسية هو شيء والتحكم في الوسائل المسخرة هو شيء آخر ومختلف. والرأي العام عندما يسأل وهو قد تعود الآن على السؤال بحرية، لا يحتمل الصمت أو التعويم. هناك النوايا الطيبة للوزير الأول ولكن السياسة لا تنجز بالنوايا. إطالة أمد الانتظار يزيد في حجم التساؤلات ومناطق الظل ونقاط الاستفهام... .. صحيح ثمة مجهود اعلامي جيد تقوم به الحكومة خصوصا في مستوى اللقاءات الدورية مع الاعلام... .لكن الأمر قد يتجاوز جانب العلاقات العامة... هناك حديث في الشارع ويتعلق بدور شبكات النفوذ وأدوار أسماء بعينها تحل وتعقد مصير الشأن العام. وهناك أيضا أسئلة تتعلق بالنفوذ المستمر لبعض المؤثرين في الظل من رجال الأعمال (ولا ننسى بأن ما يقارب ثلث هؤلاء لهم ترابطات مباشرة أو غير مباشرة مع النظام السابق.) وعلاقتهم بعمليات التحريض أو تمويل ما يخشى بأن يسمى مستقبلا بالأحزاب الجديدة للسلطة.
المسألة الثانية وهي أيضا بسيكو-سياسية وتتصل بالاحساس بغياب عدالة انتقالية والتحفظات المتعلقة باستقلالية القضاء. هناك حالة غريبة في تونس لم تحدث في أي من الثورات الانتقالية المسجلة خلال الثلاثين عاما الأخيرة وتتعلق بسلبية حكومة تصريف الأعمال ازاء مواضيع متابعة المورطين في الفساد السياسي والمالي وتحييد القضاء واسترداد أموال الشعب. وفي رأيي هذا الملف هو الأكثر اشكالية اليوم وأقدر بأنه سيحمل معه العديد من المفاجآت خلال الفترة القادمة. وما يحدث اليوم هو أن الطرف «الهارب» هو من أصبحت له ورقة المبادرة القضائية. لنتذكر هنا بأن أحد أصهار الرئيس السابق (سليم شيبوب) قد تقدم بشكاوى عديدة مؤخرا داخل دول الاتحاد في خطوة استباقية لسحب أمواله قبل فوات الأوان ويقال بأنه يتوقع كسب العديد منها اليوم.
المسألة الثالثة وهي الأخطر، وتتمثل في غياب مؤسسات يمكن أن تقي المجتمع السياسي أو المجتمع ككل حالات المواجهة العارية بين الأطراف. لقد لاحظنا بأن معظم اللاعبين في الحياة العامة قد انصرفوا نحو المجتمع السياسي بقوة غير عادية. وقلنا بأنها ثورة شباب في حين أنها في الواقع ثورة أجيال متراكمة من المجتمع. ووجه من وجوه الأزمة اليوم هي أننا نتعامل مع مسألة انعدام الثقة كما لو أنها نتيجة لأزمة سياسية فقط في حين أنها بالنسبة للمواطن تشمل المسار السياسي الغامض مثلما تشمل فوترة الماء والكهرباء المجنونة وارتفاع حجم الاعتصامات وغلاء المعيشة ولا وسيط يتحدث عن ذلك.
بعد قراءة مقارنة لكلا الاستطلاعين، ما هي الاتجاهات الثابتة وما هي الاتجاهات المتغيرة؟
الثابت يشمل ماهو سلبي وايجابي في وقت واحد، مثل الموقف الحذر من الاعلام الرسمي (التلفزة الوطنية) أو العكس، مثل موقف الثقة المرتفع بالنسبة للمؤسسة العسكرية. فمن وجهة نظر المبحوثين مازال الاعلام العمومي (التلفزة الوطنية بالذات) لم يتخط عتبة المحاذير التي عبرت عنها نتائج استطلاع أفريل 2011. صحيح توجد خطوات حثيثة لايجاد دينامية جديدة و«لوك» جديد ونفس جديد، من قبل الادارة الحالية. لكن وبشكل عام، ترى الأغلبية بأنه مازالت التلفزة الوطنية تعمل وفق نسق واسلوب ليس بعيدين، أو لم يقطعا مع ممارسات الاستبداد. يدرك الرأي العام بأنه ثمة أسماء لا يحق لها الظهور في القناة التلفزية أو ليس من السهل عليها ذلك، كما يدرك أيضا جانب من القدرة التوجيهية في مجال المادة الاخبارية... .والأهم أنه يدرك الأسماء التي جاءت في الغالب من صلب الادارة التونسية القديمة ولا زالت تتحكم في مصير هذه المؤسسة... وهذا مأخذ آخر على الأداء الحكومي. لكن الحالة قد تكون مؤقتة. فظهور قنوات جديدة من شأنه أن يخفف من هذا الضغط... إلى ذلك لاحظنا بأنه بعد ان انكفأ الرأي العام عن مشاهدة قناة الجزيرة نتيجة محاولات الانفتاح للتلفزة الوطنية وللقنوات الأخرى... بدأ الرجوع اليها مجددا خلال الاسابيع الأخيرة..ونتيجة لاشتداد العراك على نسب المشاهدين (وهو ما يؤكد لاصدقية مكاتب سبر الآراء التجارية). وكذلك إلى القنوات الاخبارية الدولية الأخرى، خصوصا بالنسبة للقطاع الأكثر تسيسا من الرأي العام الوطني. طبعا هذا الأمر يشمل الرجال أكثر من النساء ويشمل الشباب منهم أكثر من الكهول بنسب متفاوتة. الجانب الثاني من الاتجاهات الثابتة يتعلق بالموقف من المؤسسة العسكرية. مازال الجيش يحظى بنفس القدر من الثقة لدى الرأي العام مع تعديلات طفيفة جدا في بعض الولايات نتيجة اطالة أمد الحالة الانتقالية أو حصول بعض الاضطرابات. في نفس الوقت فان الموقف من المؤسسة الأمنية لم يتغير كثيرا ولم يشهد تحسنا.
البطالة ارتفع معدّلها، الأمن غائب، العدالة غير موجودة... ألا توجد خيبة أمل وإحباط عام الآن؟
صحيح نحن الآن ضمن دينامية جاذبة إلى الخلف كما يقال ولسنا أمام دينامية دافعة : 36 بالمائة من المستجوبين لم يعد لديهم ثقة في المستقبل إلى جانب 40 بالمائة ينظرون اليه بحالة حذر وقلق ( مقابل 26 بالمائة من انعدام الثقة في شهر أفريل 2011) و 40 بالمائة لم تعد لديهم الثقة في امكانية تزايد فرص العمل (مقابل 24 بالمائة في شهر أفريل 2011). ومع ذلك، لا يمكن أن ننظر إلى الأمر بنحو كارثي مطلق... هناك اشياء متوقعة... .في كل تغييرات سياسية بحجم تلك التي تقع اليوم في تونس. صحيح هناك مشكلات خطيرة مطروحة من حيث أنها يمكن أن تتطور إلى ما هو أسوء. لكن المخاطر هي بمستويات مختلفة. أخطرها طبعا هو الملف الاجتماعي – الاقتصادي الذي كان من وراء سقوط ورقة التوت وانكشاف ثم سقوط الدكتاتورية. ليست هناك ارقام دقيقة، الا أنني أقدر بأن حجم البطالة قد ارتفع بنسبة ملحوظة خصوصا في بعض القطاعات الحرجة مثل السياحة. ومقارنة بنتائج مسح أفريل 2011، فانه تبدو نتائج المسح الثانية اليوم أكثر تشاؤما من ناحية «الأمل» في العثور عن عمل. هناك مراهنة حكومية على توظيف أكبر قدرممكن في القطاع العام. هذا الحل هو من بين الحلول التي طرحها بعض الخبراء حتى خلال حكم الرئيس السابق. في اعتقادي هذا أمر غير كاف وسيطرح على الحكومات القادمة العديد من المشكلات. إلى ذلك فان المحسوبية مازالت سائدة في الادارة التونسية التي مازالت تتضمن وتحمل ذات العناوين وذات الأشخاص. هل يفسر كل ذلك النسبة الضعيفة على التسجيل في الانتخابات و ماهي دلالات هذا الضعف؟
موضوع النسب الضعيفة للتسجيل متصل هو أيضا بقناعة الفرد في التأثير مستقبلا في مصيره الوطني. ولنتصور المشاهد وهو يستمع إلى لقطة اشهارية على قناة نسمة يقوم بها نجم غنائي تونسي معروف قام بمناشدة الرئيس السابق بالترشح لانتخابات 2014... وغنى ورقص في الحمامات ليلة تعرض بيروت لنيران القصف منذ أعوام قليلة والحال وأنه مدين للبنان في شهرته إلى اليوم، رغم إعلان الفنانين هناك عن إضراب عن العروض طيلة شهر كامل ردا على الحرب... من سيصدق ماذا؟ فمن كذب الأمس يمكن أن يكذب اليوم. وما نخشاه هو أن الآلة الاديولوجية للتعبئة التي قام عليها التسويق للمناشدة تعمل اليوم بأسلوب مشابه، أو تقريبا مشابه، من أجل الدعوة إلى التسجيل ثم المشاركة في الانتخابات من دون أن تفهم لماذا لم يهرول الشباب ولم تهرول المرأة للتسجيل والحال أننا نقول بأنها ثورة شباب وثورة «مناصفة» للمرأة؟. الجانب الثاني يتعلق بغرابة موقف الهيئة المستقلة من مسألة التسجيل. كل هذا العناء وكل هذا التأخير لنصل إلى رقم لا يغطي نصف الجسد الانتخابي؟ كل تلك الأموال المخصصة لوكالات الإشهار وكل تلك الطاقات المبذولة من أجل نتيجة متواضعة كهذه لفائدة من؟ هwظ-ل قمنا بكل ذلك لكي نقول بأننا سنعتمد قوائم التسجيل القديمة أو الاكتفاء بالاستظهار ببطاقات التعريف.؟ هل يعرف التونسيون مبلغ هذه «الغلطة» الانتخابية وكم كلفتهم من المليارات؟
النتائج المتعلقة بالموقف من الهيئة كانت جد ايجابية خلال الموجة الأولى وهي تبدو ضعيفة هي الأخرى هذه المرة... كيف ذلك؟
هناك احترازات عديدة على عمل اللجان، لكن ما يمكن أن يلاحظ هنا، هو أن شخصنة الأزمة والهيئات (الحديث عن هيئة بن عاشور وهيئة عبد الفتاح عمر..الخ، ومن ثم شخصنة مشكلاتها، هو أمر غير أخلاقي ولا يرقى إلى مستوى المنافسة السليمة... ..رئيس الهيئة هو نفسه رهين وضع قائم ولا ننسى بأنه رجل علم وليس رجل سياسي بالمعنى المحترف، الأمر الذي يفسر استغلال بعض المحيطين به لطبيعته التلقائية. الأمر لا يتعلق بدور رؤساء اللجان فهم من أبعد الناس عن الرغبة في السلطة ولو أرادوها لأخذوها عندما عرضت عليهم في العهد السابق وهذا ما نعرفه عنهم. ماهي مخاطر أزمة الثقة على السلم الاجتماعي وكيف ترى موازين القوى في الشارع السياسي؟
أنا لا أدعي قياس توجهات الشارع ولا قدرة لي على قياس موازين القوى فيه. نحن نتعامل مع الرأي العام، والوضع مختلف. حتى الانتخابات لن تترجم لك ما يسمى بنبض الشارع لأنه سيكون هناك المشاركون والمتغيبون كما هو الأمر في كل عملية انتخاب في العالم. بالنسبة لنا نحاول إلى حد الآن تجنب السؤال المتعلق بنوايا التصويت Les intentions de vote وذلك لسببين: الأول هو أن اكتشاف الناس للأحزاب السياسية مازال بطيئا خصوصا اذا فضلت هذه الأخيرة أو البعض منها (الدخول بقوائم مستقلة أو فردية) لوضع حد للكباش السياسي الحاصل حول من سيمثل الأغلبية.؟ السبب الثاني هو أننا بصدد الاعداد لأكبر استطلاع رأي عرفته تونس بعد الثورة وسيشمل ما يقارب 8500 مستجوب وسيكون ذلك قبل الانتخابات بقليل. الاستطلاعات التي قام بها غيرنا ( مكاتب الدراسات) قالت بأنه ثمة حزب سياسي معين يبدو أنه قد حقق نسب متقدمة من الشعبية ومن نوايا التصويت. شخصيا أرى أنه من الوارد أن يكون ذلك صحيحا، الأمر الذي لا يعني بأنه ليس لديّ تحفظات على المنهجيات التي تعتمدها تلك المكاتب. هناك خوف من النهضة ومن التجمعيين ألا توجد إمكانية أخرى لبناء نظام ديمقراطي دون سيطرة طرف واحد على المعادلة السياسية؟
هناك حالة هلع وخوف، لا على الحرية فقط وانما من الحرية أيضا. هذا الشعور سائد بشكل «السندروما» أو ما يعرف بأعراض مرض «ستوكهولم» أو Le syndrome de stockholm. فيما تتلخص هذه الأعراض عندنا؟ أهمها الارتياح المرضي للأسير أو السجين الى ساجنيه أو آسريه والخوف ممن يعرفهم أو لا يعرفهم بمجرد خروجه الى الحرية. هناك كوميدي تونسي عبر عن ذلك بطريقة أخرى ذكية ولبقة ستحسب له يوما، لكن المهم هو القول بأن هذه الحالة من القلق هي التي يستعملها خصوم الثورة اليوم وهي التي استعملها الجنرال بن علي بنجاح كبير. ثمة خوف من الماضي ( شبكات الحزب المنحل) وخوف مما قد يتصور البعض، وخصوصا الإعلام الغربي، بأنه آت ( الاسلام السياسي بأطيافه) وهذا الخوف هو أمرطبيعي ومشروع مع ايماني بأن من سيحكم تونس لن يكون حزبا وانما تآلفا من الأحزاب ومن القوى الوطنية. ولكن لتفترض أسوء السناريوهات بالنسبة إلى البعض : كيف يمكن أن ننسى بأن من أسقط دكتاتور يمكن له أن يعيد الكرة متى أراد ورأى هنالك خطرا على الحرية؟ أين وضعنا المجتمع بشبكاته الالكترونية وفيسبوكه ونقاباته وجمعياته وأمنه وجيشه واعلامه وصحافته وروابطه وجمعياته؟ هل يمكن أن نعتقد بأن جميع هؤلاء سوف يظلوا مكتوفي الأيدي لو تأكدت الرغبة في ظهور دكتاتورية من نوع جديد؟ ألا يمكن لتونس أن تختبر المصالحة (بعد أن تتحقق العدالة الانتقالية ) وأن تختبر المداولة على الحكم من دون خوف من أحد ومن دون التخويف من أبنائها، كغيرها من البلدان؟ صحيح هناك المسألة المتعلقة بالخطابات المزدوجة والتي تختلف باختلاف الجمهور وتلك معضلة فعلية تستحق من الجميع اليقظة والتنبه، لكن في نفس الوقت أسجل هنا بأنه من بين 22 واقعة عنف مسجلة في مختلف ولايات البلاد منذ الثورة (منذ اغتيال القس البولوني الى العنف الموجهة ضد الرهبان في سوسة الى أحداث جبنيانة مرورا بأحداث سليانة ودوز وقفصة) لم تتورط فيها أطراف تقول إنّها عضوة أو حتى متعاطفة مع هذا التيار الذي هو موضوع الخوف والتفزيع، ناهيك عن أصابع الاتهام الموجهة الى أطراف متصلة بالنظام السابق، والتي تخطط فعليا وبشكل منهجي من أجل العودة الى المربع الأول. وحتى أكون أكثر صراحة، لو نظر أي حزب سياسي الى المؤشرات الاقتصادية المرشحة للتدهور خلال الفترة القادمة لما تمنى أي طرف أن يحكم تونس بمفرده. وهذا ما سيحصل في نظري. فمن خلال التحالفات يمكن أن تسلك البلاد الى بر الأمان. ولا مجال على الأقل خلال السنوات القليلة القادمة أن يظهر حزب قادر على حكم البلاد بمفرده.
قد يصعب تحقيق التحالفات نتيجة تزايد الخلافات بين الأحزاب واستحالة عقدها؟..
هذا وارد لذلك من واجب الأحزاب أن تعمل منذ الآن على هذه المرحلة الجديدة وليس فقط بعد الانتخابات كما يقولون. لكن ذلك يستوجب أيضا حدا أدنى من الثقة بين الفاعلين. كان بودي أن يدعو الوزير الأول قبل مغادرته الى تكوين مجلس «حكماء» لرموز وطنية وفكرية وروحية وثقافية وأمهات للمجتمع لا علاقة لها بالفعل السياسي المباشر، يمكن أن يكون هذا المجلس صمام أمان لمرافقة المسار المقبل وللتوسط وللتقريب بين وجهات النظر من دون أن تكون له أي مهام تشريعية ولا حتى استشارية وانما رمزية وأخلاقية. نحن في أشد الحاجة الى لجم السياسة بالأخلاق اليوم حتى لا ننسى كيف كنا بالأمس القريب ولكي لا تضيع فرصة الحرية. أنا لا أشك في أن الوزير الأول هو رجل حكيم ومجرب وأدعوه من هنا للتجاوب مع الفكرة. علينا أن نستعد وأن نعد الرأي العام لفكرة حكومة انقاذ وطني خلال المرحلة القادمة. التحديات التي قد تشهدها البلاد خلال الفترة القادمة، في ظل استمرار تداعيات الأزمة الاقتصادية العالمية وغياب حلحلة نهائية وحاسمة للملف الليبي، سوف تلقي بظلالها قطعا على الواقع السياسي والاجتماعي التونسي. من المهم أن تكون الانتخابات محطة أساسية غير قابلة للتأجيل ومن المهم أن يقوم هذا المجلس ببناء هذا الجسر الانقاذي تمهيدا للانتخابات الموالية، برلمانية إنّ تقررت أو رئاسية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.